◄◄ الناس بطلت تتصور مع الدبابة وبتتصور مع صوابعها.. وغياب البلطجية فى الاستفتاء يهدد ب «فراغ دستورى» كان خروج الملايين للاستفتاء وتحمل الطوابير حدثاً تاريخياً، وهو تاريخى بجد، وليس تاريخيا على طريقة نظام مبارك والجمل والهلال، والذى كان يعتبر افتتاح دورة للطاولة حدثا تاريخيا. لقد كان يوم السبت «عرسا ديمقراطيا»، وليس عرسا على الطريقة التقفيلية التى كان الحزب الوطنى يصوت للأحياء والأموات والمهاجرين والنائمين على صماخ آذانهم. ومثل كل شىء فى حياة المصريين، كان الاستفتاء مصحوباً بالتنكيت والفكاهة، وربما يعانى البعض من إحباط أو فرح بسبب النتيجة، لكن الأهم هو أننا رأينا «شعبا مصريا للمرة الأولى» بدلاً من الشعب البلاستيكى الذى كان يظهر فى الصور، ويشرب الشاى مع مرشح الوطنى للرئاسة. استمتعنا بمشهد الاستفتاء والطوابير، كما استمتعنا بنكت وقفشات قللت من الاحتكاكات، ومنعت البلطجية، واختفى الأموات من الصناديق. تاريخية بدون «جمل وهلال» المصريون يسخرون من كل شىء، من خصومهم ومن أنفسهم ومن زملائهم، وكل هذا بدون أى شعور بالافتخار أو الفذلكة. كانت ثورة 25 يناير عظيمة وساخرة، رأينا هذا فى الشعارات التى تطالب مبارك بالرحيل بسخرية وفكاهة، ورأينا كيف كانت النكتة سلاحا مضحكا وفتاكا فى مواجهة شائعات خصوم وأعداء الثورة، مثل اتهامات كنتاكى والقلة المندسة والأجندة والاندساس، أما الاستفتاء فقد كانت النكتة فيه ذات مكانة رائعة، وبقدر ما كان مشهد خروج المصريين بالملايين للإدلاء بأصواتهم- بصرف النظر عن نعم أو لا- مؤشراً على سقوط الاتهامات السابقة بالسلبية، وكانت الطوابير هى أول مجال للتنكيت على مبارك وحزبه وبلطجيته وجمله وهلاله، والذين ظلوا سنوات يرسمون استفتاءات وانتخابات لم يكن يذهب إليها أحد، ويصفونها بأنها تاريخية مع أنها كانت تزويرية. طابور جمعية وطابور حرية الطوابير لم تكن طوابير أنابيب أو عيش، وكتب أحد ظرفاء فيس بوك «أمى بتقولى ياه.. لسه هنستنى كل الطابور ده، قلت لها ما إنتى بقالك 40 سنة بتقفى فى طوابير العيش، يعنى هيا جت على دى، على الأقل فى الطابور ده محدش هييجى يسرق بطاقات الاقتراع زى ما كانوا بيعملوا فى الدقيق»، وأشار البعض إلى أن «مصر مبارك = طوابير الجمعية.. مصر بعد مبارك = طوابير الحرية». بينما كتب زميلنا الكاتب ياسر الزيات بعد ساعات فى الطابور:«على فكرة اكتشفت أن الديمقراطية بتجوع»، بينما سخر أحدهم:«شفتوا بقى مبارك كان مريح الشعب إزاى، تقعد فى بيتك معزز مكرم وصوتك يروح لمبارك والحزب الوطنى.. ولو رأى مبارك الطوابير سيقول: ماكنتم مرتاحين اشربوا بقى من الديمقراطية»، انتهت الصناديق خلال ساعة من بدء التصويت ومعها الحبر، واحتاج المشرفون عشرة أضعاف، واضح إن مبارك والحزب الوطنى كانوا بيزوروا صندوق واحد ويصوروا البطاقات تطلع كلها بنعم. بمبى وتعال جنبى طبعاً الحبر الفسفورى البمبى كان له نصيب من نكات المصريين، حيث حرص المصوتون على رفع أيديهم بعلامة «الصباع»، ونشر الفيسبوكيون صور أصابعهم بالبمبى، بجوار «بروفايلاتهم» كنوع من الفخر، وكتب مازن أمان الله، مراسل العربية كومنت: «وكالعادة ينتقل الشعب المصرى من مرحلة التصوير مع الدبابة إلى مرحلة التصوير مع صباعه»، تذكيراً للحظات «التصوير مع الثورة»، وكان الحبر الفسفورى علامة الفخر، ونشر أحدهم: «لو صباعك مش بمبى متجيش جنبى»، وأصبحت أغنية سعاد حسنى الشهيرة «بمبى.. بمبى»، شعاراً يؤكد أن الحياة بدون مبارك بقى لونها «بمبى»، وقال أحدهم: «صباعى لونه بينك.. أنا مصرى مش فشينك»، و«وأخيراً انتقل الختم من قفانا إلى أصابعنا». أحدهم كتب: «قال لها: إذا كان عندى صباع واحد لونه بمبى، فده معناه إنى ثورى.. طيب وإذا كان عندى 3 صوابع بمبى؟ فقالت له، معناه إنك مزور»، وابتكر أحدهم: «كما قال الشاعر: أنا مش أهبل وسلبى.. أنا مصرى وصباعى بمبى»، وأضاف غيره شعار: «البلد بلدهم.. ده كان زمان، يوم الاستفتاء.. البلد بلدنا. كانت حالة التنكيت انعكاسا لحالة عامة انتابت المصريين من أنصار «نعم» و«لا»، ولم تكن نتيجة الاستفتاء تعنى أن 14 مليون إخوان، و4 ملايين فقط مش إخوان، فهو أمر يصعب تصوره، وانعكس فى شعار اخترعته «عاشت اللا مع النعم»، و «الاستفتاء التام أو الموت الزؤام»، وكتب أحدهم معبراً عن حيرة أحد أصدقائه: «واحد صاحبى سألته: ح تصوت بإيه فى الاستفتاء؟.. قال لى ح أرسملهم علامة استفهام عشان مش فاهم حاجة». وعندما كتبت كومنت «طوابير صناديق حبر فسفورى عبى شيل ديمقراطية، حرية، أحمدك يارب»، وهو مادفع أحدهم إلى التعليق بأن الاستفتاءات والانتخابات السابقة كانت تتم فى مغارة الحزب الوطنى والأربعين حرامى. الوطنى كان له نصيب من التنكيت، بعد أن أعلن على موقعه التصويت ب«نعم»، اتفاقا مع موقف الإخوان، وبدا مدهشاً أن يتوجه أعضاء الوطنى لاستفتاء، لا يكون فيه الجمل والهلال، وقلت أن أعضاء الوطنى أعلنوا التصويت ب«نعم» لأنهم لا يعرفون «لا»، وأنه تم حذف «لا» من كيبوردات الأعضاء، أما عن اتفاقهم مع الإخوان فقد قلت على سبيل التنكيت إن الحزب الوطنى بعد أن قرر فصل مبارك اقترحت قياداته تعيين المرشد لفترة انتقالية، ثم إن أعضاء الوطنى اعتادوا الهرولة إلى أى حزب حاكم، وربما صدقوا أن حزب الإخوان سيفوز فى الانتخابات القادمة، ويصبح حزب الأغلبية وبالتالى فهم يهرولون إلى حزب الأغلبية، فعلوها من «حزب مصر» إلى «الوطنى» مع السادات. ابحث عن أبو عين خضرا الجمل والهلال كانا حاضرين فى حادثة طريفة وليست نكتة، عندما توجه عجوز من أهلنا للتصويت فى لجنة بكرداسة، وتأخر ووقف متردداً وتعطلت اللجنة وراءه، وعندما سأله المشرف قال إنه يبحث عن رمز الهلال فى الورقة، فشرح له أن الأمر استفتاء على تعديل الدستور ب«نعم» أو «لا»، وأنه لايوجد جمل ولا هلال، فأبدى الرجل اندهاشه وقال ببراءة إنه متعود طوال عمره أن يختار رمز الهلال، ولا يجده اليوم ورأى دائرتين، واحدة سودة والثانية خضراء، وهذا الناخب نموذج لمئات الآلاف الذين لا يعرفون الفرق بين الأشياء، وجزء من الشعب يفترض أن تتجه إليهم مساعى النشطاء والسياسيين ليشرحوا لهم ببساطة كيف تترجم الأصوات إلى مصالح وعدالة وحياة محترمة. ولا نعرف أيهما اختار، لكن مثل هذا المواطن، كان هناك آلاف شعروا بالحيرة أمام الدائرتين، وهو ما أعلنه عدد من القضاة، واستغله أنصار «نعم» الذين لمحوا حيرتهم، فنصحوهم بالعلامة الخضرا، لأنها أسهل، وقال القاضى حسام مكاوى، المشرف على إحدى اللجان بالفيوم: «إن الناس بتسألنا عن العلامة الخضرا، أو يا فندم أعمل إيه، فين العلامة»، وكانت جملة «لأول مرة أصوت فى حياتى» على ألسنة آلاف المواطنين. وعلى ذكر الوطنى والإخوان، فقد كان هتاف أنصار «لا» فى الاستفتاء وقبله من ميدان التحرير «سلمية سلمية»، أو قول الليبراليين واليساريين «مدنية مدنية»، ورد بعض السلفيين «إسلامية إسلامية»، ورددت بأنها «فسفورية فسفورية«. والخلاف بين أنصار «نعم» و«لا» ترجمته نكات أخرى مثل تلك التى كتبها فيسبوكى: «بما إن الإخوان قالوا نعم.. فأنا أرشح أمة نعيمة لكى تكون المرشد العام للجماعة لأنها قالت نعمين»، وكنوع من التشنيع قال أحدهم إن أنصار «نعم» كانوا يقدمون إغراءات للناخبين، وإن أحدهم دخل اللجنة وسأل مموله: «أقول نعم ولا أقول لا فرد عليه: قول يجوز»، أما أنصار «نعم» فقد ابتكر بعضهم شعارا يقول «لا وألف لا.. لمن يقولون لا». الأموات والبلطجية والفراغ الدستورى وطبعاً التصويت بالرقم القومى حرم ملايين الأموات من التصويت، وهو أمر أزعج الأموات كثيراً، لدرجة أنهم خرجوا فى مظاهرة يرفعون شعار «الأموات يريدون حقهم فى التصويت»، ممكن نقترح إن العاملين فى الخارج يعملوا توكيلات للأموات ويرجعوا يصوتوا، خاصة أن الحزب الوطنى كان يذكر محاسن الموتى بجعلهم يصوتون ب«نعم» دائماً. ومثل الحضور الطاغى للأموات فى انتخابات واستفتاءات مبارك وحزب الجمل والهلال، كان اختفاء البلطجية لافتا فى الاستفتاء، وما زلنا نتذكر جيوش البلطجية الذين أطلقهم الحزب الوطنى وأمن الدولة فى مايو 2005، ويومها وصفت ماجرى بأنه «الممارسة السياسية بالسنج والزغاريد ويدخل ضمن «الردحوقراطية»، حيث مواجهة الرأى بالسنجة والشلوت»، لكن الغياب اللافت للبلطجية وأمن الدولة، على اعتبار أن البلطجية كانوا أحد أهم الإنجازات الردحوقراطية لنظام مبارك وحزب الجمل والهلال، ونتصور أن تخرج مظاهرات تعلن أن غياب البلطجية يشكك فى العملية الاستفتائية برمتها، ويستدعى إعادة النظر فى النتائج. المهم أن نبحث الوضع الدستورى للبلطجية، خوفاً من أى فراغ «سنجاوى» قادم. وبما أن البلطجية هاجموا البرادعى بالطوب، فلا مانع من أن يصدر قانون يحرم استخدام الطوب والسنج والمطاوى فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأن نستعيد دور البيض والطماطم، لكن أظن أن الحالة الاقتصادية قد تمنع المواطنين من استخدام أسلحة الديمقراطية التى هى البيض والطماطم التى كانت مجنونة، ونقترح دعم الطماطم وإجبار مزارع البيض على تسليم البيض الفاسد للجان دعم الناخبين، حتى يتسنى للنشطاء التعبير عن آرائهم، مع ضمان سلامة المرشحين. غياب البلطجية تزامن مع إعلان أنصار «نعم» الذين حذروا من الفراغ الدستورى، وكانت فكرة الفراغ الدستورى رائجة لدى بعض أنصار «نعم» و«لا»،وربما تخرج فلول الحزب الوطنى لتهتف:«الاستفتاء من غير بلطجية باطل». أما عن نتائج الاستفتاء التى جاءت ب77% ل «نعم»، فننتظر نتائج مكتب التنسيق، وينتظر أن يدخل أنصار «نعم» كليات الطب والهندسة والبرلمان، وأنصار «لا» ينتظرون المرحلة الثانية، وربما لا يكون لهم مكان فى الجامعات والبرلمانات، وهذه نكتة.. المهم استفتينا وانبسطنا.. ياعم يلا خلينا نضحك.