أتمنى أن يكون لدى المرشحين لرئاسة الجمهورية خطة عمل واضحة لاستعادة هيبة الدولة التى تعنى سيادة القانون. هيبة الدولة لا تعنى تجبرها على المواطنين، أو انتهاكها لكرامتهم وحقوقهم. ما نقصده بالهيبة هو استعادة سيادة القانون وأن يشعر الناس بأنهم آمنون على أنفسهم. هذه الهيبة تتعرض للتآكل كل يوم. فى كل مكان نذهب إليه يمكننا أن نرى ونسمع ونشعر بهذا التراجع. الآن وأنت تسير فى الشارع تتفاجأ بأن الميكروباص الذى كان يكتفى فى الماضى بإطلاق الكلاكسات «عمال على بطال»، ويسير بسرعة جنونية وينتقل من حارة لحارة طبقا لمزاجه، صار يتوقف فى وسط الطريق أو مطلع أو منزل كوبرى دون أى إحساس بالخوف. ثقافة الوقوف فى إشارات المرور لكل أنواع السيارات والحافلات انعدمت تماما، هى للموضوعية لم تكن موجودة، لكنها الآن استفحلت. أحد مظاهر غياب هيبة الدولة هو إحساس الجميع بأنهم يمكنهم أن يفعلوا أى شىء فى أى وقت وفى أى مكان من دون أن يتعرضوا لأى عقاب، ثقافة الاجتراء والتبجح على القانون تتجذر كل يوم فى نفوس الجميع خصوصا صغار السن. للموضوعية هذا العامل هو أحد الأعراض السلبية لثورة 25 يناير النبيلة. الثورة نادت بالحرية، لكن ومع انهيار الشرطة وانسحابها فإن جانبا كبيرا من هذه الحرية انقلب إلى فوضى شاملة. أبرز مظاهر هذه الفوضى هو الباعة الجائلون. هذه الفئة يسعى معظم أفرادها إلى الكسب الحلال وهو أمر طيب حتى لا ينحرفوا أو يدمنوا المخدرات أو ينضموا إلى المتطرفين، لكن شرط ألا يتم ذلك على حساب القانون وحقوق الناس والشارع وأصحاب المحال الأصلية. ما تفعله هذه الفئة تجاوز كل الحدود، وصاروا خطرا حقيقيا ليس على الأمن العام، بل على مستقبل البلد بأكمله، بعد أن احتلوا الشوارع والميادين الكبيرة فى سائر أنحاء الجمهورية. مظهر آخر من مظاهر غياب هيبة الدولة هو أن كثيرا من الناس فقدت الثقة فى أن الشرطة ستحميهم من البلطجة. ومع انشغال الشرطة بمحاربة الإرهاب، فقد استقر فى وجدان كثير من الناس أننا نعيش فى غابة وإذا لم تأخذ حقك بيدك، فلن يحميك أحد. أما لغة الخطاب فى الشارع فقد صارت عنوانا على الانحطاط الذى وصل إليه جانب كبير من المجتمع، وللأسف لم يعد لائقا أن ندارى هذا الأمر، بعد أن صارت البذاءة والسفالة هى اللغة شبه الرسمية لقطاعات واسعة فى الشارع. كثير من السيدات المحترمات، بل والرجال المهذبين لم يعد بإمكانهم أن يسيروا فى الشوارع ويسمعوا اللغة التى صارت دارجة وصارت الشتيمة بالأم لا تثير غضب أو استياء أحد. بطبيعة الحال فإن جرائم الأمن العام صارت هى أبرز العناوين على الانفلات الشامل، تسمع كثيرا عن جرائم الاختطاف طلبا للفدية، وصرنا نسمع عن حوادث سرقة لمنازل أصحابها موجودون داخلها. هناك ظاهرة التحرش التى صارت صناعة مصرية عالمية بامتياز، العالم يضعنا فى المرتبة الأولى، والتحذيرات للسائحين القادمين صارت روتينية، وفضيحتنا أصبحت بجلاجل. من الممكن أن نظل نتكلم ونكتب لأيام طويلة حول تشخيص مظاهر الانفلات فى الشارع المصرى. لكن ما يهمنا بالأساس هو سؤال جوهرى: كيف يفكر كل من عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى فى هذا الأمر، وما هى الخطط العملية لاستعادة هذه الهيبة؟!