عندما تولى اللواء محمد إبراهيم يوسف وزير الداخلية الأسبق منصبه بعد خروج اللواء منصور العيسوى، رأيناه يقود بنفسه حملات أمنية ضد الخروج على القانون، وقتها رحبنا بالأمر واعتقدنا أن «هيبة الدولة» عادت. بعد أسابيع قليلة توقفت «حملات الهيبة» ثم خرج الوزير وخلفه اللواء أحمد جمال الدين، رحبنا به وتمنينا له التوفيق، ومرة أخرى قاد الرجل حملات مماثلة، وتطوع صحفيون للقول إنه كان هو مهندس الحملات أيام سلفه.
بعد فترة قصيرة رأينا جمال الدين يهدأ، ومظاهر البلطجة تعود، والباعة الجائلين يحتلون الأرصفة مرة أخرى، وسمعنا تعبيرا جديدا للمرة الأولى فى علم المصطلحات الأمنية وهو أن الشرطة تقف على مسافة واحدة من الجميع.. المعتدى والمعتدى عليه، وهكذا شهدنا فى عهد جمال الدين توحش بعض القوى السياسية وتحولها علنا إلى البلطجة، ورأينا اقتحام الأحزاب ومحاصرة المحاكم، بل ومحاصرة قصر رئيس الجمهورية.
بالطبع بذل الرجل جهدا حقيقيا لكن الذى تحقق عمليا على أرض الواقع قليل، والذنب ليس ذنبه وحده.
الآن وبعد أيام قليلة من توليه منصبه قاد اللواء محمد إبرهيم الوزير الجديد الذى يتشابه اسمه مع الوزير الأسبق حملات بنفسه ضد الباعة الجائلين فى منطقة وسط البلد.
من حق الوزير ان يفعل ما يشاء ليبعث برسالة للجميع انه «حمش». لكن الغريب أن صحيفة الأهرام جعلت المانشيت الرئيسى لها يوم الأحد الماضى هو «الدولة تستعيد هيبتها بعد عامين من الانفلات».
خطورة هذا العنوان الكبير باللون الأحمر على ستة أعمدة أنه يبعث برسالة أن هيبة الدولة قد عادت، والحقيقة المريرة أن هذه الهيبة لا تعود بجولة للوزير فى شوارع وسط البلد.
مرة أخرى نحيى الوزير الجديد على جولاته، لكن هيبة الدولة تعود بأشياء مركبة ومعقدة وشاملة.
انتهى زمن ان تنزل قوة من جنود الأمن فتقتحم بيتا أو مقهى وتصفع هذا وتعتقل ذاك وتكسر بابا، فيخاف الناس، ونسمى ذلك هيبة. لو أن وزير الداخلية الجديد كرر ما فعله أسلافه منذ قيام الثورة، فأغلب الظن أن هيبة الدولة سوف تشهد مزيدا من التراجع.
أقدر غضب واستياء وإحباط ملايين المواطنين من الانفلات فى الشارع من أول الألفاظ البذيئة نهاية بالبلطجة، لكن الذين يفهمون «هيبة الدولة» باعتبارها طرد الباعة الجائلين من شارع الجلاء إلى الشوارع الجانبية فى بولاق أبوالعلا، فعليهم مراجعة أنفسهم.
لنفترض أننا جمعنا كل الباعة الجائلين ووضعناهم فى سجن كبير، فهل ذلك هو الحل؟.
هؤلاء الباعة صار عددهم مئات الآلاف وربما ملايين، يريدون عملا شريفا، لكنهم يخالفون القانون، فكيف نحل المعضلة؟!، الحل الأمنى كارثى، والمطلوب حل سياسى اجتماعى اقتصادى.
علينا ان نعيد النظر فى مصطلح «هيبة الدولة»، فلا توجه هيبة لدولة كرامة أفرادها منتهكة، ولا توجد هيبة لدولة يفتش ملايين من مواطنيها عن طعامهم فى «الزبالة»، ولا توجد هيبة لدولة يقوم اقتصادها على المنح والمساعدات والقروض فقط وليس الإنتاج.
لو كنت مكان وزير الداخلية لذهبت لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وقلت لهم اننى لا استطيع وحدى ان أعيد هيبة الدولة المفقودة، بل هى ناتج عمل كل الوزارات والهيئات والأفراد من أول عامل النظافة إلى رئيس الجمهورية.
يستطيع وزير الداخلية الجديد ان يقدم خدمة جليلة للمجتمع إذا درب أفراد وزارته لحفظ الأمن ومنع الجريمة وغير عقيدة وزارته لكى تكون فى خدمة الشعب وليس فى خدمة نظام الحكم.
على اللواء ابراهيم ان يقرأ قصة بداية ونهاية العلاقة بين مبارك والعادلى لأن فيها الكثير من العبر.