فى أوقات الغضب تنطق الألسنة بما خفى وانكتم، وكلما اقتربت ساعة الحسم انجلت الحقيقة. ها هو موعد إعلان الرئيس الفائز قد اقترب، بعد حل مجلس الشعب الذى أريد له أن يكون مجرد «قفص دجاج»، وهى هيئة كان يجب ألا ترضيه ووضع لم يكن يحقق قيامه وانعقاده فضلا عن كونه «برلمان ما بعد الثورة».. كل هذا يتم بينما ترن فى كل الآذان مقولة مساعد وزير الدفاع للشئون المالية فى معرض حديثه عن المشروعات الاقتصادية للجيش: «هذا عرقنا وسندافع عنه بدمنا». نحن إذن ندخل إلى أيام الحسم وانجلاء كل شىء، بينما لم يعد هناك ما يمكن ألا يكون مجالا للثرثرة والنميمة والنقد اللاذع والفضح الزاعق، بعد أن كان الاقتراب منه قبل سبعة عشر شهرا محرما ومجرما بأغلظ العقوبات وأوخم العواقب. والناس الذين تهامسوا عقب رحيل مبارك مباشرة عن المشروعات الاقتصادية الضخمة التى يديرها الجنرالات ارتفعت أصواتهم وصارت صراخا يدوى فى كل مكان، ولم يعد بوسع أحد أن يعيدهم مرة أخرى إلى الصمت. وبعض هذه الثرثرة يبين أنه من الصعب على العسكر أن يهضموا رئيسا من «الإخوان المسلمين» يطّلع على ما يديرونه من ثروة ضخمة، ناهيك عن المعلومات الدقيقة التى تمس عصب الأمن القومى المصرى. إنه واحد من الأسباب الحقيقية وراء المراوغة والتسويف والتباطؤ فى إعلان اسم الرئيس، وكذلك وراء تفريغ الثورة من مضمونها، مثلما كان السبب الأول لكراهية التوريث الذى قام على كتف شاب غرير انفتحت شهيته على بيع كل شىء تملكه الدولة وكان قد اقترب من مشروعات الجيش وشركاته دون رادع. وهو السبب أيضا لوقوف كثيرين من رجال المال فى بلادنا ووراء البحار ضد تقدم الثورة إلى الأمام مع شهوة اقتسام الغنائم والمنافع، التى تستعر بلا ضابط لها ولا رابط، ولا رقيب ولا حسيب، ولذا لم يكن من المستغرب أن يرمى هؤلاء بثقلهم وراء الفريق شفيق. إن الإجابة على سؤال «لماذا يكره المجلس العسكرى الثورة ولماذا يتعامل بهذه الطريقة مع قضية الرئاسة؟» يجب بعد اليوم أن لا تقف عند حدود التصورات القديمة التى ترى أن الجيوش بوصفها مؤسسات أمنية بيروقراطية فى المقام الأول تكره الاضطراب والارتباك الذى يصاحب الثورات، بل من الضرورى أن تبحث فى اتجاه دفاع الجنرالات المستميت عن الثروات الطائلة الهائلة التى يديرونها، جنبا إلى جنب مع المخاوف المشروعة والطبيعية من تنظيم الإخوان بمشروعه وحساباته. هذه هى الحقيقة التى عرفها كثيرون وتهربوا من مواجهتها، أو فضلوا إرجاء الحديث عنها إلى حين، لكن بعد اليوم من الصعب أن نفهم أى شىء أو نسعى فى حل أى مشكلة تخص «المرحلة الانتقالية» أو الدستور أو انتخابات الرئاسة ومصير البرلمان دون أن نفتح هذا الملف بحكمة ووعى واقتدار، وبما لا يجرح المصلحة العليا لبلدنا العظيم.