خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    جيش الاحتلال يُقر بمقتل رقيب من لواء المظليين في معارك بقطاع غزة    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف يعد بمثابة الموجة الأولى من الهجوم الروسي واسع النطاق    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    إنجاز تاريخي لكريستيانو رونالدو بالدوري السعودي    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي في نهائي أفريقيا    موعد مباراة الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال أفريقيا والقناة الناقلة    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    فيضانات تجتاح ولاية سارلاند الألمانية بعد هطول أمطار غزيرة    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



- هل سيتمكن الرئيس المدنى الفائز بالانتخابات من وضع نهاية لعسكرة الدولة
د.زينب أبو المجد تكتب: مصر جمهورية الجنرالات المتقاعدين
نشر في الوفد يوم 13 - 05 - 2012

- يتولى الجنرالات المتقاعدون الإدارة فى قطاعين: المناصب البيروقراطية العليا والبزنس المملوك للجيش
- حوَّل الرؤساء العسكريون ومؤخرا المجلس العسكرى البلد إلى نظام يهيمن عليه رفاقهم من الضباط المسنين
- يُعد التقاعد بالنسبة إلى معظم الناس فى العالم مرحلة فراغ فى الوقت وإنفاق بحذر من أموال المعاشات والمدخرات، لكن لا ينطبق هذا على ضباط الجيش المصرى ذوى الرتب العالية. ضابط الجيش الكبير فى مصر يصبح بعد تقاعده محافظا، أو رئيس مدينة أو حى. أو ربما يدير مصنعا أو شركة مملوكة للدولة أو الجيش، ربما يتولى حتى إدارة ميناء أو إحدى شركات البترول الكبرى. وهو من حسن حظه أيضا يحتفظ بمعاشه الذى يتقاضاه من القوات المسلحة، علاوة على مرتبه الكبير الذى يتقاضاه من وظيفته المدنية الجديدة. هذه المجموعة المحظية تشغل تقريبا كل المناصب العليا فى الدولة. إن مصر بامتياز هى جمهورية الجنرالات المتقاعدين. تقترب بسرعة الانتخابات الرئاسية الأولى بعد مبارك، والمقرر لها أن تبدأ فى نهاية مايو. والمرشحون من مختلف الانتماءات السياسية يقومون بحملات دعائية فى الإعلام ويجوبون البلاد من جنوبها وشمالها ليقدموا وعودا عن كل شىء، بداية من الأمن إلى التعليم إلى السياسة الخارجية، لكن وسط هذا المناخ الصاخب، هناك حالة من الصمت حيال السؤال الأهم والأكثر حساسية: هل سيتمكن الرئيس المدنى الفائز بالانتخابات من وضع نهاية لعسكرة الدولة؟ هذه الانتخابات من المتوقع أن تأتى بأول رئيس مدنى فى مصر ما بعد الحقبة الاستعمارية، بعد أكثر من ستين عاما من حكم الجنرالات -سواء كانوا متقاعدين أو عاملين. لقد حول الرؤساء العسكريون ومؤخرا المجلس العسكرى، البلد إلى نظام يهيمن عليه رفاقهم من الضباط المسنين. الحقائق المخفية عن الكيفية التى تعمل بها جمهورية الجنرالات المتقاعدين صادمة. ضباط الجيش الكبار موجودون فى كل مكان، من قناة السويس إلى شركة الصرف الصحى. وفى نفس الوقت، فإن أحاديث المرشحين للرئاسة تتحاشى حتى الاعتراف بهذا الوضع، ناهيك بالمطالبة بإنهاء عسكرة الدولة. تاريخيا، بدأت سيطرة الجيش على الأوضاع المدنية تحت حكم نظام جمال عبد الناصر الاشتراكى فى الستينيات، وتراجعت مع محاولة أنور السادات تهميش الجيش فى الحكومة فى السبعينيات، وزادت بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك فى العقد الأول من القرن الحالى، بينما كان مبارك يجهز نجله جمال لتولى الرئاسة، حاول ضمان ولاء الجيش والتخلص من أى معارضة، من خلال تعيين ضباط الجيش فى مناصب اقتصادية وإدارية. وشهدت الأشهر ال14 الأخيرة، منذ تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة فى أعقاب رحيل مبارك، زيادة ملحوظة فى عدد الضباط المعينين فى مناصب مدنية، حيث استغل المجلس العسكرى سلطته الرئاسية فى تعيين عدد متزايد من الضباط المتقاعدين فى عديد من المناصب المدنية، ووقع رئيسا وزراء ما بعد الثورة المجردان من السلطة سعداء على خطابات تعيين هؤلاء الضباط.
- سمح قانون العاملين فى الدولة المصرية لهذا الوضع أن يتطور، فقد منح الرئيس السلطة المنفردة لتعيين وفصل من يشغلون المناصب العليا، بما فى ذلك المحافظون ومديرو العموم. أصدر السادات القانون رقم (47 لسنة 1978)، فى محاولة لوضع نهاية لتركة ناصر وتقليل وجود الجيش فى الحكومة، ومبارك استعمل نفس القانون لإعادتهم من جديد. تنص المادة 16 من ذلك القانون على أنه «يكون التعيين فى الوظائف العليا بقرار من رئيس الجمهورية»، ورغم أن القانون يشترط خضوع الموظف لكشف مجلس طبى لفحص مدى اللياقة الصحية للمنصب عند التعميم، فإن المادة 20 تعفى من يعينهم الرئيس من ذلك الكشف -وهو ما يتواءم مع ضباط الجيش المتقاعدين أصحاب الأعمار المتقدمة- أما عن قوانين القوات المسلحة فهى لا تذكر أى شىء فى ما يتعلق بتأمين وظائف مدنية للضباط المنتهية خدمتهم، حيث تحدث تعييناتهم بعد التقاعد بشكل غير رسمى. وينظم قانون التقاعد العسكرى، رقم 90 لسنة 1975، مسائل التعويض المالى فى نهاية الخدمة وتخصيص معاشات بناء على الرتبة، لكنه لا يتضمن أى بنود تتعلق بتعيين الضباط المتقاعدين فى وظائف جديدة. معاشاتهم عادة منخفضة، وهى تعادل مرتباتهم الشهرية مع خصم الحوافز والبدلات التى يتمتعون بها فى أثناء وجودهم فى الخدمة. هذه المرتبات تتراوح ما بين 400 إلى 500 دولار فقط.
- فى فبراير 2011، وبعد خمسة أيام فقط من تنحى المخلوع وحل برلمانه، استخدم المجلس العسكرى سلطته التى كانت غير محددة لتعديل قانون التقاعد هذا ورفع معاشات القوات المسلحة بنسبة 15%، لكن ما زال هذا غير كاف لتغطية تكاليف المعيشة المتزايدة فى مصر، ولذلك، فإن القيادة تعرض على الضباط وظائف مدنية بمرتبات مجزية لتوازن معاشاتهم غير المرضية.
- طبقة اللواءات المديرين تنمو فى الحجم كل عام، وذلك مع تقاعد ضباط جدد يُضافون إليها. من أجل الحفاظ على البنية الهرمية للجيش المصرى، تستبعد المؤسسة العسكرية عددا كبيرا من الضباط عند رُتب عقيد وعميد وتحيلهم إلى التقاعد وهم فى الأربعينيات من عمرهم، وتُصعد عدد محدود لرُتب لواء وفريق ورئيس الأركان، وهؤلاء بدورهم يتقاعدون وهم فى الخمسينيات من عمرهم. ويمثل هذا السن غير المتقدم نسبيا الذى ينهى عنده الضباط خدمتهم عذرا مثاليا للجيش لتعيينهم فى وظائف مدنية، خشية أن يستخدموا تدريبهم المحترف على القتال فى نشاطات قد تضر بالأمن القومى. وبناء على الرتبة التى ينهى عندها الضباط خدمتهم ودرجة الولاء للقيادة، يمكن للضابط أن يحصل على أى شىء، بدءا من المناصب المرموقة كمحافظ مثلا، إلى منصب بيروقراطى متوسط مثل موظف علاقات عامة فى مكتب مدير عسكرى.
- من أجل إضفاء طابع مدنى على الحكومة فى القاهرة، يتم تعيين عدد قليل من الضباط فى مناصب وزارية، مثل وزير التنمية المحلية السابق ووزير الإعلام الحالى. أما خارج مجلس الوزراء، يفضل العسكر الوجود فى قطاعات بعينها يتركز فيها النفوذ والثروة. يشمل هذا العمل كمحافظين فى المناطق المهمة، مثل المحافظات السياحية فى الصعيد ومحافظات القناة، ومحافظتى شمال وجنوب سيناء، وأحيانا الإسكندرية، والأماكن الكبرى بالدلتا. وفضلا عن هذا، فإنهم يخدمون فى مناصب مثل سكرتير عام المحافظة، ورئاسة المدن والمراكز، ورئاسة الأحياء المكتظة بالسكان فى القاهرة الغنى منها والفقير على حد السواء.
- يهيمن العسكر على قطاع البترول المملوك للدولة بشكل كبير، فالجنرالات المتقاعدون يتولون إدارة عديد من شركات الغاز الطبيعى والبترول. يميلون أيضا إلى السيطرة على النقل التجارى. رئيس قناة السويس رئيس أركان سابق للجيش. ورؤساء موانى البحر الأحمر جنرالات متقاعدون، تماما مثل مدير شركة النقل البحرى والبرى. فى وزارة الصحة، مساعد الوزير للشؤون المالية والإدارية جنرال متقاعد، مع كثيرين آخرين فى المكاتب الإدارية فى الوزارة. وهناك العشرات من الجنرالات المتقاعدين فى وزارة البيئة. رئيس المحكمة الدستورية العليا الآن كان فى الأصل ضابط جيش، وكان فى السابق قاضيا فى المحاكم العسكرية. هذا القاضى، فاروق سلطان، يشغل الآن أيضا منصب رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. عندما قرر مبارك خصخصة شركات القطاع العام، وعجل نجله جمال بهذه الخطة فى بدايات الألفية الجديدة، قام بتحويل تلك الأعمال المملوكة للدولة إلى شركات قابضة. حيث قام بجمع الشركات الحكومية المنخرطة فى أنشطة متشابهة تحت مظلة شركات موحدة جامعة وأطلق على كل منها شركة قابضة. شكلت الدولة عديدا من هذه الشركات بغرض خصخصتها فى النهاية. ووضع الجنرالات أقدامهم تقريبا فى كل شركة رئيسية قابضة والشركات المنضوية تحتها. وعندما جمد المجلس العسكرى فى العام الماضى بعد الثورة خطة الخصخصة التى كانت تسير عليها الحكومة السابقة، كان هذا نبأ سارا للجنرالات القائمين عليها، لأن هذا يعنى استمرارهم فى السيطرة على الشركات القابضة من دون منافسة من رجال الأعمال الذين كانوا من الممكن أن يشتروها. على سبيل المثال، يترأس الجنرالات المتقاعدون شركات المياه والصرف الصحى، و«مصر للسياحة»، والصناعات الغذائية و«الأسمنت الوطنية» فى القاهرة وفروعها فى المحافظات.
- بالإضافة إلى هذا، يدير الجنرالات المتقاعدون مشروعات واسعة متشعبة مملوكة للمؤسسة العسكرية نفسها، وتقوم بإنتاج بضائع استهلاكية لا حربية. يشمل هذا سلاسل من المصانع وشركات الخدمات والمزارع والطرق ومحطات الغاز ومراكز التسوق وغيرها كثير. هناك ثلاث هيئات عسكرية كبرى منخرطة فى الإنتاج المدنى: وزارة الإنتاج الحربى التى تدير 8 مصانع، والهيئة العربية للتصنيع التى تدير 12 مصنعا، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية الذى يدير 15 مصنعا وشركة ومزرعة. يقومون بإنتاج عدد متنوع من البضائع، بما فى ذلك سيارات الجيب الفاخرة، وحضانات الأطفال وأنابيب البوتاجاز والأنابيب البلاستيكية والطعام المعبأ والدجاج واللحوم وغيرها. يقومون أيضا بخدمات مثل التنظيف المنزلى وإدارة محطات البنزين.
- أما عن المدنيين العاملين تحت إمارة اللوءات المتقاعدين، سواء كانوا عمالا أو موظفين، فهم يظهرون عدم رضا دائم عن سوء الإدارة والفساد والظلم. وعلى مدار الشهور ال14 بعد تولى المجلس العسكرى السلطة، ظهرت عديد من الإضرابات العمالية والاعتصامات الكبرى فى مؤسسات يديرها جنرالات متقاعدون. فى بعض الحالات، استدعى المديرون من الجنرالات الشرطة العسكرية لفض تلك الاضطرابات العمالية. على سبيل المثال، خرجت احتجاجات ضخمة فى مصانع حربية وموانى قناة السويس والبحر الأحمر وشركة المياه والصرف الصحى. المجلس العسكرى أدان الإضرابات العمالية على العموم ودفع بأنها تضر باقتصاد البلد و«توقف عجلة الإنتاج» لكن أكبر هذه الإضرابات بدأت فى أماكن يحكمها مديرون عسكريون. الإضرابات العمالية ضارة بالأساس بمصالح الجيش الاقتصادية لا الاقتصاد الوطنى.
- فى فبراير 2011، احتج نحو ألفى عامل ومهندس فى قطاع البترول على أوضاعهم المتدنية، وزيادة التهميش فى وظائف القطاع. فى الوقت الذى كان فيه جنرالات الجيش المتقاعدون فى المناصب العليا يحصلون على آلاف الجنيهات، فإن العمال كانوا يتحصلون على النذر اليسير. فى الشهر التالى، انضم آلاف العمال فى نفس القطاع إلى الاحتجاجات، وهذه المرة من شركات مثل «بتروجت» و«بتروتريد». كانت استجابة الجيش عنيفة: قام باختطاف بعض المحتجين، وأرسلهم إلى المحاكمات العسكرية، ثم عاقبهم بعد ذلك بالسجن. وفى تحد للجيش، جدد العمال احتجاجاتهم أمام مجلس الشعب فى الأشهر القليلة الماضية، لكن البرلمان الذى لم يقدم لهم البرلمان الذى يسيطر عليه الإسلاميون أى عون. ونظم عمال قناة السويس مؤخرا سلسلة من الاحتجاجات ضد المعاملة غير العادلة. فى أحد الاحتجاجات، منع العمال حركة القطارات. وردا على هذا، أحالت هيئة قناة السويس بعض العمال إلى القضاء العسكرى وسجنت آخرين فى محاولة لترهيب البقية لتبتلع ألسنتها.
خرج عمال الهيئة العربية للتصنيع فى واحدة من بواكير الاحتجاجات. الهيئة مجموعة مكونة من 12 مصنعا يديرها رئيس أركان الجيش السابق، الفريق حمدى وهيبة. وإضافة إلى الفريق وهيبة، فإن جنرالات آخرين يديرون معظم هذه المصانع. نظم عمال أربعة من تلك المصانع اعتصامات فى شهرى فبراير وأغسطس من العام الماضى، واستدعى الفريق وهيبة الشرطة العسكرية لتفريق أحدها. أنشأ عمال الهيئة الساخطون عديدا من الصفحات غير الرسمية على «فيسبوك» للتعبير عليها عن غضبهم. تحدثت على إحدى تلك الصفحات مع عامل محتج. كتب العامل يقول «سيدتى إذا كنت تريدين أن تعرفى مشكلة الهيئة، فالمشكلة الأساسية هى فى إدارتها، كلها ما هم إلا مجموعة من متقاعدى الجيش يأتون إلى الهيئة ليقبض معاشه من الجيش ويقبض مرتبا من الهيئة، ومشكلة لوائح بالهيئة تضع كل الأمر فى يد الفريق «كأنه أمر الله فى الأرض» التقيت كذلك شخصيا عديدا من منظمى هذه الصفحات على «فيسبوك» والذين تعرضوا للملاحقة بسبب استخدامهم لموقع التواصل الاجتماعى هذا لانتقاد مدرائهم العسكريين.
إن وجهت النقد للهيئة العربية للتصنيع فى أعمدة رأى بالصحف، دعانى رئيس الأركان السابق الفريق وهيبة إلى زيارة الهيئة لكى يشرح لى السياسات العادلة التى يطبقها فى تعامله مع عمال المصانع الإثنى عشر. ومن خلال استماعى للرجل ذى المكانة العالية على مدار ست ساعات كاملة، استطعت التعرف على قناعات طبقة المديرين العسكريين والعقائد الراسخة فى عقولهم. سألت سيادة الفريق: لماذا تشغل وظيفتك هذه ولست شخصا مدنيا، تدير كل هذه المصانع بينما ليس لديك خبرة مسبقة بشؤون التصنيع؟ وفق تصريحات الفريق، 70% من إنتاج مصانع الهيئة مدنى وليس حربيا. كانت إجابة سيادة الفريق أن ضباط الجيش هم الأفضل فى الإدارة لأنهم مدربون عليها فى أثناء الخدمة. وأضاف أن أفضل المتقدمين للوظائف دائما هم ذوى الخلفية العسكرية. الجيش يُخرج أفضل المديرين، يقول وهيبة، بغض النظر عن مجال الإدارة. ردد الجنرال محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية وعضو المجلس العسكرى، جملة مشابهة وكشف عن القناعات نفسها عندما تحدث مدافعا عن إمبراطورية الجيش فى البزنس. قال إنه من الطبيعى أن يدير جنرالات الجيش ذلك البزنس، لأن الخدمة فى الجيش تدور كلها حول الإدارة الجيدة.
- وفى ظل هذا الوضع فى بلد متخلف اقتصاديا، تقترب الانتخابات الرئاسية لاختيار أول رئيس مدنى للبلاد منذ 60 عاما. فى غضون أسبوعين، سيتسلم الفائز، إسلاميا كان أو يساريا، السلطة من المجلس العسكرى وسيبدأ على الفور فى تطبيق خطط طموحة لتحقيق الرفاهية الاقتصادية للمواطنين. ولكن لأجل تطبيق تلك الخطط -والمشروحة تفصيلا فى برامج المرشحين- يحتاج الفائز أولا إلى التخلص من الجنرالات المتقاعدين، الذين يفتقرون للمعرفة والخبرة اللازمتين للتنمية الاقتصادية، من الهيكل البيروقراطى للدولة ومشروعاتها بإنهاء خدمتهم. ومن الغرابة بمكان أن المرشحين الرئاسيين من مختلف التوجهات السياسية يمتنعون عن إثارة مسألة نزع العسكرة عن الدولة. المرشحان اللذان يزعمان أنهما الأكثر ثورية، وهما القيادى السابق بالإخوان عبد المنعم أبو الفتوح والناصرى حمدين صباحى، لا يشيران على الإطلاق فى برامجهما المكتوبة أو خطبهما الشفاهية إلى هذه المعضلة الجوهرية، وليس من الواضح ما إذا كان هذا يعود إلى افتقار الوعى بوجود المعضلة من الأساس، أو نتيجة الخوف، أو بهدف إرضاء الزمرة العسكرية الحاكمة. وعلى مدار الأشهر الخمسة الماضية، فشل -أو تجاهل- برلمان منتخب وبه أغلبية من الإسلاميين فى فهم درجة الاختراق العميق من جانب العسكر للحكومة والاقتصاد المصريين. ويكافح البرلمان باستماتة الآن لاقتناص ولو جزء ضيل من السلطة من براثن المجلس العسكرى. وفى ظل وجود مرشحين رئاسيين غير مدركين للقضية أو يعانون من الخوف، فإن الرئيس الجديد سيفشل بالتأكيد فى إنهاء عسكرة الدولة. عندما يأتى رئيس جديد لمصر فى الشهر القادم، لن يتغير شىء.
(نُشر فى مجلة «فورين بوليسى» بتاريخ 8 مايو 2012)
ترجمة: محمود حسام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.