رابط الاستعلام عن المقبولين بوظيفة معلم مساعد العلوم وموعد امتحاناتهم    الحج السياحي 2025 | انتظام عودة الحجاج.. وخطة طوارئ لإزالة أي معوقات    تموين الأقصر: صرف 37 مليون رغيف و1708 أطنان دقيق مدعم في أسبوعين    «درس جيد للجميع»| «بيسكوف» يصف رد الفعل الدولي على الهجمات الإسرائيلية    السوداني: حكومة الاحتلال لا تعترف بالقوانين الدولية وترتكب الجرائم منذ السابع من أكتوبر 2023    كأس العالم للأندية| تشكيل الترجي المتوقع لمباراة فلامنجو في ضربة البداية    ضبط سائق استخدم إضاءة تُعرض حياة المواطنين أعلى الدائري| فيديو    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق مخزن دعاية وإعلان بالعبور| صور    بلدنا الجميلة بمعزل عن الحروب، ساويرس يعلق على اندهاش السائحين بمنطقة الأهرامات الجديدة    انطلاق البرنامج الصيفي بقصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط    طريقة عمل كفتة الفراخ، فى خطوات بسيطة    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن موعد امتحانات المتقدمين لشغل 3500 وظيفة معلم مساعد مادة العلوم    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    مصرع طفل أسفل عجلات قطار الصعيد عند مزلقان دماريس بالمنيا    «استئناف المنيا» تؤيد عقوبة الإعدام شنقًا ل قاتل عروس بني مزار    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    الكرملين: روسيا مستعدة للوساطة بين إيران وإسرائيل    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    وزير الثقافة: لا مساس بحرية الإبداع.. والتوصيات تركز على جودة المحتوى ودعم الإنتاج والتوزيع الدرامي    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بتكثيف الجهود لتهدئة الصراع بين إيران وإسرائيل    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    «هيئة الدواء» تقدم.. نصائح لتقليل الإصابة بمرض النقرس    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    عميد «علوم سياسية الإسكندرية» يُكرّم الملحقين الدبلوماسيين الجدد من خريجي الكلية (صور)    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    رئيس مجلس النواب يضع مجموعة قواعد لمناقشة مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    لليوم ال 16.. التموين تواصل صرف مقررات يونيو    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    أمن الجيزة يضبط المتهمين بسرقة كابلات شركة فى كرداسة    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    عمرو أديب: كنت أتمنى فوز الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    "بعد لقطة إنتر ميامي".. هل يلقى حسين الشحات نفس مصير محمد شريف مع الأهلي؟    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



- هل سيتمكن الرئيس المدنى الفائز بالانتخابات من وضع نهاية لعسكرة الدولة
د.زينب أبو المجد تكتب: مصر جمهورية الجنرالات المتقاعدين
نشر في الوفد يوم 13 - 05 - 2012

- يتولى الجنرالات المتقاعدون الإدارة فى قطاعين: المناصب البيروقراطية العليا والبزنس المملوك للجيش
- حوَّل الرؤساء العسكريون ومؤخرا المجلس العسكرى البلد إلى نظام يهيمن عليه رفاقهم من الضباط المسنين
- يُعد التقاعد بالنسبة إلى معظم الناس فى العالم مرحلة فراغ فى الوقت وإنفاق بحذر من أموال المعاشات والمدخرات، لكن لا ينطبق هذا على ضباط الجيش المصرى ذوى الرتب العالية. ضابط الجيش الكبير فى مصر يصبح بعد تقاعده محافظا، أو رئيس مدينة أو حى. أو ربما يدير مصنعا أو شركة مملوكة للدولة أو الجيش، ربما يتولى حتى إدارة ميناء أو إحدى شركات البترول الكبرى. وهو من حسن حظه أيضا يحتفظ بمعاشه الذى يتقاضاه من القوات المسلحة، علاوة على مرتبه الكبير الذى يتقاضاه من وظيفته المدنية الجديدة. هذه المجموعة المحظية تشغل تقريبا كل المناصب العليا فى الدولة. إن مصر بامتياز هى جمهورية الجنرالات المتقاعدين. تقترب بسرعة الانتخابات الرئاسية الأولى بعد مبارك، والمقرر لها أن تبدأ فى نهاية مايو. والمرشحون من مختلف الانتماءات السياسية يقومون بحملات دعائية فى الإعلام ويجوبون البلاد من جنوبها وشمالها ليقدموا وعودا عن كل شىء، بداية من الأمن إلى التعليم إلى السياسة الخارجية، لكن وسط هذا المناخ الصاخب، هناك حالة من الصمت حيال السؤال الأهم والأكثر حساسية: هل سيتمكن الرئيس المدنى الفائز بالانتخابات من وضع نهاية لعسكرة الدولة؟ هذه الانتخابات من المتوقع أن تأتى بأول رئيس مدنى فى مصر ما بعد الحقبة الاستعمارية، بعد أكثر من ستين عاما من حكم الجنرالات -سواء كانوا متقاعدين أو عاملين. لقد حول الرؤساء العسكريون ومؤخرا المجلس العسكرى، البلد إلى نظام يهيمن عليه رفاقهم من الضباط المسنين. الحقائق المخفية عن الكيفية التى تعمل بها جمهورية الجنرالات المتقاعدين صادمة. ضباط الجيش الكبار موجودون فى كل مكان، من قناة السويس إلى شركة الصرف الصحى. وفى نفس الوقت، فإن أحاديث المرشحين للرئاسة تتحاشى حتى الاعتراف بهذا الوضع، ناهيك بالمطالبة بإنهاء عسكرة الدولة. تاريخيا، بدأت سيطرة الجيش على الأوضاع المدنية تحت حكم نظام جمال عبد الناصر الاشتراكى فى الستينيات، وتراجعت مع محاولة أنور السادات تهميش الجيش فى الحكومة فى السبعينيات، وزادت بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك فى العقد الأول من القرن الحالى، بينما كان مبارك يجهز نجله جمال لتولى الرئاسة، حاول ضمان ولاء الجيش والتخلص من أى معارضة، من خلال تعيين ضباط الجيش فى مناصب اقتصادية وإدارية. وشهدت الأشهر ال14 الأخيرة، منذ تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة فى أعقاب رحيل مبارك، زيادة ملحوظة فى عدد الضباط المعينين فى مناصب مدنية، حيث استغل المجلس العسكرى سلطته الرئاسية فى تعيين عدد متزايد من الضباط المتقاعدين فى عديد من المناصب المدنية، ووقع رئيسا وزراء ما بعد الثورة المجردان من السلطة سعداء على خطابات تعيين هؤلاء الضباط.
- سمح قانون العاملين فى الدولة المصرية لهذا الوضع أن يتطور، فقد منح الرئيس السلطة المنفردة لتعيين وفصل من يشغلون المناصب العليا، بما فى ذلك المحافظون ومديرو العموم. أصدر السادات القانون رقم (47 لسنة 1978)، فى محاولة لوضع نهاية لتركة ناصر وتقليل وجود الجيش فى الحكومة، ومبارك استعمل نفس القانون لإعادتهم من جديد. تنص المادة 16 من ذلك القانون على أنه «يكون التعيين فى الوظائف العليا بقرار من رئيس الجمهورية»، ورغم أن القانون يشترط خضوع الموظف لكشف مجلس طبى لفحص مدى اللياقة الصحية للمنصب عند التعميم، فإن المادة 20 تعفى من يعينهم الرئيس من ذلك الكشف -وهو ما يتواءم مع ضباط الجيش المتقاعدين أصحاب الأعمار المتقدمة- أما عن قوانين القوات المسلحة فهى لا تذكر أى شىء فى ما يتعلق بتأمين وظائف مدنية للضباط المنتهية خدمتهم، حيث تحدث تعييناتهم بعد التقاعد بشكل غير رسمى. وينظم قانون التقاعد العسكرى، رقم 90 لسنة 1975، مسائل التعويض المالى فى نهاية الخدمة وتخصيص معاشات بناء على الرتبة، لكنه لا يتضمن أى بنود تتعلق بتعيين الضباط المتقاعدين فى وظائف جديدة. معاشاتهم عادة منخفضة، وهى تعادل مرتباتهم الشهرية مع خصم الحوافز والبدلات التى يتمتعون بها فى أثناء وجودهم فى الخدمة. هذه المرتبات تتراوح ما بين 400 إلى 500 دولار فقط.
- فى فبراير 2011، وبعد خمسة أيام فقط من تنحى المخلوع وحل برلمانه، استخدم المجلس العسكرى سلطته التى كانت غير محددة لتعديل قانون التقاعد هذا ورفع معاشات القوات المسلحة بنسبة 15%، لكن ما زال هذا غير كاف لتغطية تكاليف المعيشة المتزايدة فى مصر، ولذلك، فإن القيادة تعرض على الضباط وظائف مدنية بمرتبات مجزية لتوازن معاشاتهم غير المرضية.
- طبقة اللواءات المديرين تنمو فى الحجم كل عام، وذلك مع تقاعد ضباط جدد يُضافون إليها. من أجل الحفاظ على البنية الهرمية للجيش المصرى، تستبعد المؤسسة العسكرية عددا كبيرا من الضباط عند رُتب عقيد وعميد وتحيلهم إلى التقاعد وهم فى الأربعينيات من عمرهم، وتُصعد عدد محدود لرُتب لواء وفريق ورئيس الأركان، وهؤلاء بدورهم يتقاعدون وهم فى الخمسينيات من عمرهم. ويمثل هذا السن غير المتقدم نسبيا الذى ينهى عنده الضباط خدمتهم عذرا مثاليا للجيش لتعيينهم فى وظائف مدنية، خشية أن يستخدموا تدريبهم المحترف على القتال فى نشاطات قد تضر بالأمن القومى. وبناء على الرتبة التى ينهى عندها الضباط خدمتهم ودرجة الولاء للقيادة، يمكن للضابط أن يحصل على أى شىء، بدءا من المناصب المرموقة كمحافظ مثلا، إلى منصب بيروقراطى متوسط مثل موظف علاقات عامة فى مكتب مدير عسكرى.
- من أجل إضفاء طابع مدنى على الحكومة فى القاهرة، يتم تعيين عدد قليل من الضباط فى مناصب وزارية، مثل وزير التنمية المحلية السابق ووزير الإعلام الحالى. أما خارج مجلس الوزراء، يفضل العسكر الوجود فى قطاعات بعينها يتركز فيها النفوذ والثروة. يشمل هذا العمل كمحافظين فى المناطق المهمة، مثل المحافظات السياحية فى الصعيد ومحافظات القناة، ومحافظتى شمال وجنوب سيناء، وأحيانا الإسكندرية، والأماكن الكبرى بالدلتا. وفضلا عن هذا، فإنهم يخدمون فى مناصب مثل سكرتير عام المحافظة، ورئاسة المدن والمراكز، ورئاسة الأحياء المكتظة بالسكان فى القاهرة الغنى منها والفقير على حد السواء.
- يهيمن العسكر على قطاع البترول المملوك للدولة بشكل كبير، فالجنرالات المتقاعدون يتولون إدارة عديد من شركات الغاز الطبيعى والبترول. يميلون أيضا إلى السيطرة على النقل التجارى. رئيس قناة السويس رئيس أركان سابق للجيش. ورؤساء موانى البحر الأحمر جنرالات متقاعدون، تماما مثل مدير شركة النقل البحرى والبرى. فى وزارة الصحة، مساعد الوزير للشؤون المالية والإدارية جنرال متقاعد، مع كثيرين آخرين فى المكاتب الإدارية فى الوزارة. وهناك العشرات من الجنرالات المتقاعدين فى وزارة البيئة. رئيس المحكمة الدستورية العليا الآن كان فى الأصل ضابط جيش، وكان فى السابق قاضيا فى المحاكم العسكرية. هذا القاضى، فاروق سلطان، يشغل الآن أيضا منصب رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. عندما قرر مبارك خصخصة شركات القطاع العام، وعجل نجله جمال بهذه الخطة فى بدايات الألفية الجديدة، قام بتحويل تلك الأعمال المملوكة للدولة إلى شركات قابضة. حيث قام بجمع الشركات الحكومية المنخرطة فى أنشطة متشابهة تحت مظلة شركات موحدة جامعة وأطلق على كل منها شركة قابضة. شكلت الدولة عديدا من هذه الشركات بغرض خصخصتها فى النهاية. ووضع الجنرالات أقدامهم تقريبا فى كل شركة رئيسية قابضة والشركات المنضوية تحتها. وعندما جمد المجلس العسكرى فى العام الماضى بعد الثورة خطة الخصخصة التى كانت تسير عليها الحكومة السابقة، كان هذا نبأ سارا للجنرالات القائمين عليها، لأن هذا يعنى استمرارهم فى السيطرة على الشركات القابضة من دون منافسة من رجال الأعمال الذين كانوا من الممكن أن يشتروها. على سبيل المثال، يترأس الجنرالات المتقاعدون شركات المياه والصرف الصحى، و«مصر للسياحة»، والصناعات الغذائية و«الأسمنت الوطنية» فى القاهرة وفروعها فى المحافظات.
- بالإضافة إلى هذا، يدير الجنرالات المتقاعدون مشروعات واسعة متشعبة مملوكة للمؤسسة العسكرية نفسها، وتقوم بإنتاج بضائع استهلاكية لا حربية. يشمل هذا سلاسل من المصانع وشركات الخدمات والمزارع والطرق ومحطات الغاز ومراكز التسوق وغيرها كثير. هناك ثلاث هيئات عسكرية كبرى منخرطة فى الإنتاج المدنى: وزارة الإنتاج الحربى التى تدير 8 مصانع، والهيئة العربية للتصنيع التى تدير 12 مصنعا، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية الذى يدير 15 مصنعا وشركة ومزرعة. يقومون بإنتاج عدد متنوع من البضائع، بما فى ذلك سيارات الجيب الفاخرة، وحضانات الأطفال وأنابيب البوتاجاز والأنابيب البلاستيكية والطعام المعبأ والدجاج واللحوم وغيرها. يقومون أيضا بخدمات مثل التنظيف المنزلى وإدارة محطات البنزين.
- أما عن المدنيين العاملين تحت إمارة اللوءات المتقاعدين، سواء كانوا عمالا أو موظفين، فهم يظهرون عدم رضا دائم عن سوء الإدارة والفساد والظلم. وعلى مدار الشهور ال14 بعد تولى المجلس العسكرى السلطة، ظهرت عديد من الإضرابات العمالية والاعتصامات الكبرى فى مؤسسات يديرها جنرالات متقاعدون. فى بعض الحالات، استدعى المديرون من الجنرالات الشرطة العسكرية لفض تلك الاضطرابات العمالية. على سبيل المثال، خرجت احتجاجات ضخمة فى مصانع حربية وموانى قناة السويس والبحر الأحمر وشركة المياه والصرف الصحى. المجلس العسكرى أدان الإضرابات العمالية على العموم ودفع بأنها تضر باقتصاد البلد و«توقف عجلة الإنتاج» لكن أكبر هذه الإضرابات بدأت فى أماكن يحكمها مديرون عسكريون. الإضرابات العمالية ضارة بالأساس بمصالح الجيش الاقتصادية لا الاقتصاد الوطنى.
- فى فبراير 2011، احتج نحو ألفى عامل ومهندس فى قطاع البترول على أوضاعهم المتدنية، وزيادة التهميش فى وظائف القطاع. فى الوقت الذى كان فيه جنرالات الجيش المتقاعدون فى المناصب العليا يحصلون على آلاف الجنيهات، فإن العمال كانوا يتحصلون على النذر اليسير. فى الشهر التالى، انضم آلاف العمال فى نفس القطاع إلى الاحتجاجات، وهذه المرة من شركات مثل «بتروجت» و«بتروتريد». كانت استجابة الجيش عنيفة: قام باختطاف بعض المحتجين، وأرسلهم إلى المحاكمات العسكرية، ثم عاقبهم بعد ذلك بالسجن. وفى تحد للجيش، جدد العمال احتجاجاتهم أمام مجلس الشعب فى الأشهر القليلة الماضية، لكن البرلمان الذى لم يقدم لهم البرلمان الذى يسيطر عليه الإسلاميون أى عون. ونظم عمال قناة السويس مؤخرا سلسلة من الاحتجاجات ضد المعاملة غير العادلة. فى أحد الاحتجاجات، منع العمال حركة القطارات. وردا على هذا، أحالت هيئة قناة السويس بعض العمال إلى القضاء العسكرى وسجنت آخرين فى محاولة لترهيب البقية لتبتلع ألسنتها.
خرج عمال الهيئة العربية للتصنيع فى واحدة من بواكير الاحتجاجات. الهيئة مجموعة مكونة من 12 مصنعا يديرها رئيس أركان الجيش السابق، الفريق حمدى وهيبة. وإضافة إلى الفريق وهيبة، فإن جنرالات آخرين يديرون معظم هذه المصانع. نظم عمال أربعة من تلك المصانع اعتصامات فى شهرى فبراير وأغسطس من العام الماضى، واستدعى الفريق وهيبة الشرطة العسكرية لتفريق أحدها. أنشأ عمال الهيئة الساخطون عديدا من الصفحات غير الرسمية على «فيسبوك» للتعبير عليها عن غضبهم. تحدثت على إحدى تلك الصفحات مع عامل محتج. كتب العامل يقول «سيدتى إذا كنت تريدين أن تعرفى مشكلة الهيئة، فالمشكلة الأساسية هى فى إدارتها، كلها ما هم إلا مجموعة من متقاعدى الجيش يأتون إلى الهيئة ليقبض معاشه من الجيش ويقبض مرتبا من الهيئة، ومشكلة لوائح بالهيئة تضع كل الأمر فى يد الفريق «كأنه أمر الله فى الأرض» التقيت كذلك شخصيا عديدا من منظمى هذه الصفحات على «فيسبوك» والذين تعرضوا للملاحقة بسبب استخدامهم لموقع التواصل الاجتماعى هذا لانتقاد مدرائهم العسكريين.
إن وجهت النقد للهيئة العربية للتصنيع فى أعمدة رأى بالصحف، دعانى رئيس الأركان السابق الفريق وهيبة إلى زيارة الهيئة لكى يشرح لى السياسات العادلة التى يطبقها فى تعامله مع عمال المصانع الإثنى عشر. ومن خلال استماعى للرجل ذى المكانة العالية على مدار ست ساعات كاملة، استطعت التعرف على قناعات طبقة المديرين العسكريين والعقائد الراسخة فى عقولهم. سألت سيادة الفريق: لماذا تشغل وظيفتك هذه ولست شخصا مدنيا، تدير كل هذه المصانع بينما ليس لديك خبرة مسبقة بشؤون التصنيع؟ وفق تصريحات الفريق، 70% من إنتاج مصانع الهيئة مدنى وليس حربيا. كانت إجابة سيادة الفريق أن ضباط الجيش هم الأفضل فى الإدارة لأنهم مدربون عليها فى أثناء الخدمة. وأضاف أن أفضل المتقدمين للوظائف دائما هم ذوى الخلفية العسكرية. الجيش يُخرج أفضل المديرين، يقول وهيبة، بغض النظر عن مجال الإدارة. ردد الجنرال محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية وعضو المجلس العسكرى، جملة مشابهة وكشف عن القناعات نفسها عندما تحدث مدافعا عن إمبراطورية الجيش فى البزنس. قال إنه من الطبيعى أن يدير جنرالات الجيش ذلك البزنس، لأن الخدمة فى الجيش تدور كلها حول الإدارة الجيدة.
- وفى ظل هذا الوضع فى بلد متخلف اقتصاديا، تقترب الانتخابات الرئاسية لاختيار أول رئيس مدنى للبلاد منذ 60 عاما. فى غضون أسبوعين، سيتسلم الفائز، إسلاميا كان أو يساريا، السلطة من المجلس العسكرى وسيبدأ على الفور فى تطبيق خطط طموحة لتحقيق الرفاهية الاقتصادية للمواطنين. ولكن لأجل تطبيق تلك الخطط -والمشروحة تفصيلا فى برامج المرشحين- يحتاج الفائز أولا إلى التخلص من الجنرالات المتقاعدين، الذين يفتقرون للمعرفة والخبرة اللازمتين للتنمية الاقتصادية، من الهيكل البيروقراطى للدولة ومشروعاتها بإنهاء خدمتهم. ومن الغرابة بمكان أن المرشحين الرئاسيين من مختلف التوجهات السياسية يمتنعون عن إثارة مسألة نزع العسكرة عن الدولة. المرشحان اللذان يزعمان أنهما الأكثر ثورية، وهما القيادى السابق بالإخوان عبد المنعم أبو الفتوح والناصرى حمدين صباحى، لا يشيران على الإطلاق فى برامجهما المكتوبة أو خطبهما الشفاهية إلى هذه المعضلة الجوهرية، وليس من الواضح ما إذا كان هذا يعود إلى افتقار الوعى بوجود المعضلة من الأساس، أو نتيجة الخوف، أو بهدف إرضاء الزمرة العسكرية الحاكمة. وعلى مدار الأشهر الخمسة الماضية، فشل -أو تجاهل- برلمان منتخب وبه أغلبية من الإسلاميين فى فهم درجة الاختراق العميق من جانب العسكر للحكومة والاقتصاد المصريين. ويكافح البرلمان باستماتة الآن لاقتناص ولو جزء ضيل من السلطة من براثن المجلس العسكرى. وفى ظل وجود مرشحين رئاسيين غير مدركين للقضية أو يعانون من الخوف، فإن الرئيس الجديد سيفشل بالتأكيد فى إنهاء عسكرة الدولة. عندما يأتى رئيس جديد لمصر فى الشهر القادم، لن يتغير شىء.
(نُشر فى مجلة «فورين بوليسى» بتاريخ 8 مايو 2012)
ترجمة: محمود حسام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.