قال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سعى من خلال إدارته للمرحلة الانتقالية إلى تقليص أهداف الثورة في إطار التخلص من بعض رموز الحكم ومخطط توريث السلطة، وتبني مسار سياسي انتقالي يعمق الانقسامات بين القوى السياسية، ليظل المصريين أسرى لخيارات مرة، تفاضل بين استمرار النظام القديم، أو القبول بفاشية دينية تهيمن على مقاليد السلطة، وتسطو على حق المصريين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم في كتابة دستورهم. وأرجع المركز، فى تقريره السنوي الصادر بعنوان " سقوط الحواجز، حقوق الإنسان فى العالم العربي"، الإخفاقات الكبرى في حقوق الإنسان خلال المرحلة الانتقالية في مصر إلى تصاعد وتائر القمع وتطوير أدواته لمواجهة معارضي المجلس العسكري، وعودة القمع الوحشي للاحتجاجات السلمية، وتزايد الضغوط على وسائط الإعلام المستقلة، والتوسع غير المسبوق في الهجوم على منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني. ولفت التقرير النظر إلى استمرار إهدار معايير العدالة وتكريس نهج الإفلات من المساءلة والعقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، حتى في البلدان التي أزيحت فيها رموز الحكم التسلطي، مشيرا إلى أن القصاص لأرواح الشهداء في مصر اصطدم بصعوبات كبرى، تمثلت في التباطؤ الشديد في تقديم المتهمين للمحاكمة، والتقاعس عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع العبث بالأدلة أو إخفائها، وامتناع الأجهزة الأمنية عن التعاون مع جهات التحقيق، ومحدودية التدابير التي انتهجت للتطهير والإصلاح المؤسسي للمؤسسات الأمنية والقضائية. وأوضح المركز أن نتيجة تلك الأعمال آلت الغالبية العظمى من القضايا الخاصة بقتل المتظاهرين إلى تبرئة الضباط المتهمين ومعاونيهم؛ وعلى الرغم من أن محاكمة الرئيس المخلوع ووزير داخليته قد انتهت قبل أيام إلى معاقبتهما بالسجن المؤبد، فإن منطوق الحكم اعترف بقصور فادح في الأدلة، والإخفاق في التعرف على الفاعلين الأصليين في جرائم القتل، وهو ما استندت إليه المحكمة في تبرئة كبار معاوني وزير الداخلية الأسبق. ووصف المركز التطورات على الصعيد التشريعي والمؤسسي بالمخيبة للآمال في مجملها، وعكست نزوع القائمين على إدارة شؤون البلاد إلى التشبث بنهج النظام السابق، الذي توهم البعض سقوطه بعد إزاحة رأسه؛ فقد استهلت المرحلة الانتقالية بتعديلات دستورية مبتسرة، كان الرئيس المخلوع نفسه قد اقترح إجراءها قبيل سقوطه، وقد دمجت هذه التعديلات في إعلان دستوري، يمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجمل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية، التي كان يكفلها الدستور لرئيس الجمهورية والبرلمان. وأشار إلى أنه لم تقترن إزاحة مبارك بتوقف الضغوط على حرية التعبير والإعلام، وعلى الناقدين للسياسات التي ينتهجها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والانتهاكات التي صاحبت إدارته لشؤون البلدان حيث أحيل عدد من شباب الثورة والمدونين والنشطاء السياسيين إلى محاكمات عسكرية، أو إلى التحقيق من قبل النيابة العسكرية، كما تكرر استدعاء النيابة العسكرية لصحفيين وإعلاميين، بسبب انتقاداتهم للمجلس الأعلى، أو الزعم بالإساءة للقوات المسلحة، وطالت الضغوط بعض البرامج الحوارية ومقدميها في الفضائيات المصرية، أفضت إلى إيقاف بث بعضها، أو إبعاد مقدميها. وأضافت أن منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وجدت نفسها هدفا لهجوم كاسح على مستويات عدة، بدءا من حملات حكومية للتشهير الإعلامي الذي يستهدف تلويث السمعة، وتتضمن اتهامات تصل إلى حد الخيانة العظمى، والتدخل التعسفي من قبل البنك المركزي في مراقبة عمل الجمعيات الخاضعة أصلا لوصاية كاملة من جانب وزارة التضامن الاجتماعي، وتغذية الحملات الإعلامية بتسريبات متعمدة لمعلومات أو أرقام مغلوطة منسوبة لجهاز التحقيق القضائي غير المستقل.