22/01/2012 01:30:42 م شيماء قنديل منذ عقود طويلة والعلامة الكبير د.يوسف القرضاوي يعيش بعيداً عن مصر ولكنه لم ينفصل أبداً بقلبه وعقله عن هموم شعبها وأزماته. ظل رغم بعد المسافات والأزمنة ومطاردات النظام السابق يبشر بقرب الخلاص وانهيار دولة الفساد وزوال الطواغيت, وتحققت بشرة القرضاوي بقيام ثورة 25 يناير المجيدة التي كتبت صفحة جديدة في تاريخ هذا الوطن , والآن وبعد مرور عام علي ثورة يناير يبعث القرضاوي عبر "بوابة أخبار اليوم" رسائل حب وتهنئة للشعب المصري يؤكد فيها أن شجرة الثورة تؤتي اكلها كل حين باذن ربها. بداية ، هل تشعر فضيلتكم أن يوم 25 يناير المقبل سيمُرّ بردًا وسلامًا علي المصريين، أم أنه سيكون يوماً غير عادي ؟ لا بد لي أن أحيي "بوابة أخبار اليوم" وسائر الصحفيين الأحرار في مصرنا العزيزة, وأعتقد أن يوم 25 يناير المقبل، سيكون عيد مصر القومي، الذي انتظره المصريون منذ ما يقرب من ستين عاما،وسيفرح المصريون بما حقق الله تعالي من نجاح لثورتهم، وسقوط النظام الطاغوتي المتألّه في الأرض، فمن حق المصريين أن يفرحوا بعد حزن، وأن تنشرح صدورهم بعد ضيق. وهذا لا يعني هذا أن ينسي الناس حق الشهداء والمصابين،بل لا بد من رعاية هذا بجوار ذاك، فإن الحقوق تتكامل، ولا يُسْقط بعضها بعضاً. هل قطف المصريون ثمار ثورة 25 يناير؟ أم أن الثمار لم تنضج بعد ولم يحن وقت قطفها؟ يقول العرب من قديم: "من جدّ وجَد" ، ومن زرع حصد، وقد جدَّ المصريون بحمد الله تعالي، وزرعوا وغرسوا، حين ظن بهم السوء بعض الناس، ومنذ 25 يناير 2011 بدأوا ثورتهم الحرة المعلِّمة، فلم تضِع البذرة، ولم تمت الشجرة، بل بدأت تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وقد بدأ المصريون يقطفون الكثير من ثمار هذه الثورة: اجتماعاً علي الأحداث، وتحديداً للجدول الزمني، وانتخابات سابقة، وانتخابات حالية، فاجأت العالم كله بإقبال الناس عليها. لقد حدثت بعض الأخطاء ,ولكن مصر تفادتها، وخرجت منها سليمة، ونرجو أن تمضي الفترة القائمة علي أحسن ما يمكن لمصر، بشرط أن تتعاون القوي السياسية المنتخبة كلها. ما رأي فضيلتكم في موقف المجلس العسكري تجاه الأحداث المتلاحقة؟ وما هو تقييم فضيلتكم للآراء التي تقول: إن فلول الحزب الوطني المنحل هي التي تلعب هذا الدور؟ المجلس العسكري هو المجلس الذي يملك السلطة حالياً، سلمها له مبارك، وكان له دور محمود في أول الأمر شهد له بذلك كل المصريين، فلم يرض أن يطلق النار علي أبنائها، ولكن في فترة من الفترات صدر منه بعض التصريحات، ومن بعض أفراده بعض التصرفات، كان لها وقع شديد علي الشعب المصري العزيز، كدّرت صفاء ما بين الجيش والشعب،وسرعان ما تراجع الجيش، وبدأ يستقيم علي الجادة، وبدأ يعمل علي تحديد الجدول الزمني, وهذا ما جعل الناس يطمئنون. وادعو أبناء وطني ألا يستجيبوا للنزعات الموقِعة، التي سرتْ في العهد الماضي، ودعت إلي ضرب الناس بعضهم ببعض، وهو ما حذر منه النبي صلي الله عليه وسلم، حين قال: "دبّ إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين" رواه أحمد وحسنه الألباني. ويبدو أن هنا أناساً يريدون أن يثيروا فتناً، ويشعلوا ناراً، وأن يجعلوا من "الحبّة قُبّة"، ومن القِطّة جملاً، ولا يجوز لنا أن نغفل عن هؤلاء، فهم سوس المجتمعات، وربما كان بعضهم من فلول الحزب الوطني، الذين خسروا أنفسهم ومناصبهم ونفوذهم، فأرادوا أن يغرقوا البلد في الفساد، ولكنهم أقل وأذلّ وأجنّ من أن يستطيعوا ذلك، ما دامت الأمة لهم بالمرصاد. ما رأيكم في السيطرة الواضحة للتيارات الإسلامية علي نتيجة الانتخابات البرلمانية؟ وهل سينعكس – أيضا – علي الانتخابات الرئاسية؟. شعب مصر شعب متدين بمسلميه ومسيحييه, حتي المسيحيون في مصر أغلبهم متدينون, وليسوا كمسيحيي أوربا, الذين لا يكاد يذهب إلي الكنيسة منهم مرة كل أسبوع, إلا خمسة في المائة! والشعب المصري أغلبه مسلم, لا تكاد تجد فيه مُلحدا ينكر وجود الله تعالي, والإيمان طبيعة المصريين, والأغلبية المسلمة تتمسك بدينها ولا تفرط فيه, وقد حاولت القوي الغربية أن تتفكك أبناء مصر عن دينهم, والشعب المصري يميل بفطرته إلي الإسلام, وثقافته الأصيلة إسلامية, فلا عجب أن يميل إلي الإسلام إذا طُرح عليه, وأن يميل إلي ممثليه وحاملي رسالته, الذين طالما آذاهم مبارك, فلا غرو أن كافأهم الشعب المصري الذي يحب الأبطال, ويضع يده في أيدي المرابطين المجاهدين, وهذا ما رأيناه في المنطقة كلها, في تونس وفي المغرب وفي مصر, وسنراه بأعيننا في ليبيا إن شاء الله, وفي اليمن وفي سوريا {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. وهو ما لا نستبعده لمرشحي الرئاسة من ذوي الميول الإسلامية, فالذي أعتقده أن شعبنا لن ينصر الإسلاميين أولاً, ويخذلهم آخرا, بل أري أنه مع الإسلاميين الذين يقتنع الناس بسلامة أفكارهم, وحسن سلوكهم, واتساع خبرتهم, وملاءمة سنهم. ما هي الصفات التي تودّ أن تكون متوفرة في رئيس جمهورية مصر القادم ؟ وهل أنت من مؤيدي كثرة الوقفات الاحتجاجية، التي تقام كل يوم جمعة؟ أود أن تتوافر في رئيس مصر القادم ما قاله سيدنا يوسف من صفات (الحفيظ العليم) كما قال عليه السلام لملك مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] وهو ما قالته بنت الشيخ الكبير في مدين حين أشارت إلي موسي وقالت لأبيها: { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القصص:26] والقوي هو العليم؛ لأن قوته في كفاءته وعلمه وخبرته، والأمين هو الحفيظ، الذي يحفظ كل ما ائتمنته عليه الناس من أنفسهم وأموالهم وحرماتهم. وهذا يعني: أن كونه رجلاً راسخ الإيمان، قوي البدن، قوي الأخلاق، ملائم السن، حسن البشرة، بشوش الوجه، محبب للجميع، غير عصبي ولا عجول، متوازنا متكاملا، يشاور وينزل عن رأيه إلي رأي غيره. يقول الحق، ولا يخشي في الله لومة لائم. ومع هذا أنا لست من مؤيدي كثرة الوقفات الاحتجاجية، التي يقيمها بعض الناس في كل جمعة بميدان التحرير، فأنا أربأ بالناس من إخواني وأبنائي المصريين الشرفاء أن يضيعوا أوقاتهم في كل جمعة، منتظرين غلط حاكم أو مسئول ليقفوا ضده، وكأننا منتظرين الشر أبداً. هل يمكن أن نعرف موقف فضيلتكم من الأسماء التي أعلنت عن ترشيح نفسها للانتخابات الرئاسية؟؟ كل الإخوة الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة محترمون في نظري، وكلهم أهل لأن يقود ويتحمل المسؤولية، وقد كان منهم د.محمد البرادعي، الذي أعلن انسحابه من الترشيح، وكنت أري أن يستمر ولا ينسحب، وأري بحكم تكويني وتجربتي: أن الإسلاميين المعتدلين المعروفين بالكفاية والأمانة، وهم ثلاثة، انسحب أحدهم مؤقتاً، ولا أدري أيعود أم لا؟ وهو صديقي الأستاذ د.محمد العوا وبقي اثنان كل منهما صديق لي، أحدهما د.عبد المنعم أبو الفتوح، والثاني د.حازم أبو اسماعيل، ابن صديقنا العزيز الراحل، الشيخ صلاح أبو اسماعيل، وكلاهما علي خير. ولكني أفضِّل أبو الفتوح، لما أري فيه من صفات جمة، تؤهله لقيادة مصر في هذه المرحلة بالذات، فسنه أقرب إلي الملاءمة من كثير من المرشحين، ومواهبه وشخصيته السلسة مكنته من تحمل مسؤوليات مصرية وعربية كثيرة، وأصبح لديه من الإمكانات والقدرات علي ملاقاة المشقات والعلاقات الصعبة بابتسامة هادئة. وقد جربته في مواطن كثيرة, فوجدته الرجل الكفء الأمين, كل ما أرجوه أن لا تخذله الإخوان وحزب (الحرية والعدالة) الذي يمثلهم بحكم أنهم لا يريدون أن يرشحوا إسلامياً للرئاسة، ولا أدري لماذا يتعصبون لهذه الفكرة, مادام الشعب قابلا لذلك. في جمعة الاحتفال – أيضا – أشدتم بالجيش المصري، وأنه أثبت أنه ليس أقل من جيش تونس الذي حمي الثورة، بعد عام تقريبا ألا تزال فضيلتكم عند هذا الرأي؟ لا زلت أشيد بالجيش المصري, وأعتز به, وأري أنه لن يكون أقل وطنية من جيش تونس الذي وسع الثورة وحماها, وساعد الشعب علي التخلص من زين العابدين, وإن بدت بعض التصرفات في بعض الأحيان من المجلس العسكري المصري الأعلي للقوات المسلحة, أزعجت بعض المراقبين, وأقلقتهم علي مصير مصر, حيث يريد العسكريون أن يكون لهم وضع متميز خاص, يميزهم عن غيرهم, وهو ما لا يقبله حر من أحرار مصر, فالكل مصريون, عسكريون ومدنيون, لا يستغني أحد عن الخضوع للقوي السياسية التي أنتجتها وانتخبتها الأمة كافة بملاينها الثلاثين, فلابد للمجلس أن يكون كغيره من المصريين.