أثناء ركوبي مترو الأنفاق فوجئت بطفل صغير يلقي كيس الشيبسي في العربة بعد أن فرغ منه فنظرت إليه شزرا وكذلك فعل ركاب آخرون. وهنا انبرى والد الطفل ناهرا إياه ومؤكدا له أن ما قام به خطأ كبير والتقط الرجل كيس الشيبسي الفارغ من على أرض العربة.. وانفرجت أساريري.. نعم هناك أمل في جيل الغد طالما هناك مثل هذا الأب القدوة.. ولم يكد الأب القدوة يطمئن إلى أنه ليس هناك من يتابعه حتى ألقى كيس الشيبسي من شباك عربة المترو .. وابتسم لصغيره الذي لا يتجاوز العاشرة .. وابتسم الصغير لوالده .. فقد استوعب الدرس جيدا.. وأسقط في يدي. لقد تعلم الطفل من آبيه أنه ليس من المهم أن يرتكب الخطأ ولكن المهم أن يحدث ذلك سرا ودون أن يشعر أحد.. فالصغير تعلم النفاق. إن مثل هذا الطفل عندما يكبر سيتظاهر بالورع أمام المجتمع ولكنه في السر سيقف على جانب الطريق الزراعي المظلم وبصحبته صديقة أو يجري عملية تجميل ويزعم أن هناك من هشم أنفه وربما يسرق وربما يفعل ما هو أكبر من ذلك طالما أنه لم يدخل في صدام مباشر وواضح وصريح مع المجتمع. لقد ذكرني هذا الموقف بتلك الشخصية العبقرية التي رسمها نجيب محفوظ في الثلاثية وهي سي السيد فهو الأب الفاضل صاحب القيم بالنهار وهو نفسه صديق العوالم ليلا .. إنها شخصية تجسد حال مجتمع منافق. تساءلت .. ما الذي غيرته فينا الثورة؟ وجاءت الإجابة .. لا شيء.. بالمناسبة في أوروبا والدول المتقدمة يصنعون "باسكت" معدني للقمامة ملتصق بكراسي الركاب في المترو والقطارات .. مجرد فكرة بسيطة ولكنها تصنع فارقا كبيرا.