■ كتبت: هاجر علاء عبدالوهاب الفن عند جورج بهجورى ليس مجرد لوحة تعلق على الجدار، بل ذاكرة تتحرك، وابتسامة تختبئ خلف الخطوط، وحكايات إنسانية تروى بالألوان فى تجربته الطويلة، إذ ينجح بهجورى فى أن يجعل من اللحظة العادية مشهدا استثنائيا، ومن الوجوه المألوفة عالما مفتوحا على التأمل. مع كل معرض جديد يعيد بهجوري طرح سؤاله الأثير عن الحياة والإنسان، لكن بإجابات بصرية بسيطة، وصادقة، وقادرة على الوصول إلى المتلقى دون وسائط أو تعقيد. ولا يأتى المعرض الجديد «بهجورى ومختارات فنية» المقام في جاليري «بيكاسو إيست» حدثًا فنيًا عابرًا، بل احتفالا ممتدا بالحياة، والذاكرة، والفن الذي لا يشيخ حيث تبدو الأعمال وكأنها تفتح نوافذ واسعة على عالم تشكل عبر عقود طويلة من الرؤية، والتجربة، والالتصاق بالإنسان المصري. بهجورى لا يرسم ليحكى حكاية مكتملة، بل ليترك المشهد مفتوحا على التأويل في لوحاته، تتجاور السخرية مع الحنين، والبساطة مع العمق، وتتحول التفاصيل اليومية إلى رموز نابضة بالحياة، لكنها لا تقدم بشكل تقليدي، الوجوه مختزلة، الخطوط جريئة، والألوان تتحرك بحرية، وكأنها تسبق الفكرة أحيانا. تحضر أم كلثوم في المعرض ليس كصورة أيقونية جامدة، بل كحالة شعورية، نراها في المقهى، محاطة بالناس، يتوزع صوتها على الوجوه قبل أن يصل إلى الأذن، كل لوحة تحمل روحا مختلفة، رغم ثبات الملامح، وكأن الفنان يعيد اكتشافها في كل مرة، كذلك تظهر أعمال لعبد الحليم حافظ والفرق الموسيقية، لتكمل هذا المشهد السمعي البصري الذي يميز تجربة بهجوري. ولا يغيب المكان عن لوحات المعرض، فالنيل والأقصر والحياة الشعبية والريف، كلها عناصر تشكل خلفية إنسانية دافئة. بهجورى لا ينقل الواقع كما هو، بل يعيد صياغته بذاكرته الخاصة، فتبدو المشاهد مألوفة وغريبة فى آن واحد، قريبة من القلب، لكنها محملة بدلالات أعمق. ويميز تجربته قدرته على الجمع بين الكاريكاتير والتصوير الزيتي دون أن يفقد أىٌ منهما قيمته، الضحكة هنا ليست سطحية، بل أداة كشف، لوحاته تشبه حديثا صادقا مع المتلقى بلا تعقيد. يقدم المعرض، في مجمله، مساحة للتأمل فى مسيرة فنان عاش للفن، وجعل من الذاكرة الشعبية عالمًا حيًا ومتجددًا عبر الزمن.