محمد إسماعيل لم يكن الموسم الغنائي لعام 2025 مجرد موسم مزدحم بالألبومات، بل هو استعادة لفكرة غابت طويلا عن المشهد، وهي أن الغناء مشروع متكامل وأن الألبوم مازال قادرا على أن يصمد أمام الأغاني المنفردة "السنجل".. فمنذ بداية العام ومع توالي الإعلانات عن ألبومات جديدة اتضح أن الاتجاه السائد والغالب هو عودة الألبومات للساحة الغنائية مرة أخرى، وبالفعل فإن عدد الألبومات التي صدرت خلال العام لم يشهدها السوق الغنائي منذ سنوات طويلة، ومنها ألبومات لأسماء كبيرة عادت بقوة، وأصوات أخرى راهنت على الوجود، وأسماء شابة قررت أن تعرف نفسها عبر ألبوم كامل في خطوة كانت جريئة في ظل سوق اعتاد الرهان على الترند السريع. اللافت أن هذه الكثافة لم تكن محصورة في لون واحد أو مدرسة بعينها، بل شملت ألوانا وأنماطا متعددة من الاتجاهات، من الرومانسي التقليدي إلى البوب المعاصر، مرورا بمحاولات تجريبية سعت إلى كسر القوالب السائدة .. "أخبار النجوم" طرحت العديد من التساؤلات علي النقاد الموسيقيين عن تقييم الموسم الغنائي، وهل كان مرضي لكافة الاذواق الغنائية؟ وما ابرز الظواهر التي ظهرت أو تجددت خلال العام؟ في البداية يقول الناقد الموسيقي عبدالرحمن طاحون أن هذا الموسم يمثل نقطة فاصلة في علاقة الفنان بالسوق، وفي خلال السنوات الماضية دفعت المطرب إلى التفكير بمنطق البقاء السريع، وذلك من خلال أغنية تحقق انتشارا، ثم تليها أخرى دون رؤية واضحة، لكن هذا الموسم كشف عن رغبة حقيقية في عودة المسار الصحيح، فالعودة إلى الألبوم تعني أن الفنان بات مستعدا لتحمل مسؤولية مشروع كامل بما يحمله من مخاطرة محسوبة. ويضيف طاحون إلى أن اللافت هذا العام ليس فقط عدد الألبومات، بل توقيت صدورها المتقارب، وهو ما خلق حالة تنافس حقيقية، فالتنافس هذه المرة لم يكن على أغنية واحدة بل على تجربة كاملة، معتبرا أن هذا التنافس انعكس إيجابيا على مستوى الأعمال، حيث سعى كل فنان إلى تقديم ما يميزه، ويؤكد أن الجمهور استفاد من هذا التنافس لأنه لم يعد أسير عمل واحد يفرض نفسه، بل أصبح لديه حرية الاختيار. ويشير طاحون إلى أن الموسم شهد تراجع هيمنة لون واحد على الذوق العام، خصوصا أغاني المهرجانات التي سيطرت لفترة طويلة على المشهد، فأغاني المهرجانات كانت مرحلة محددة، ومع تغير هذه المرحلة لم تعد قادرة على احتكار السوق، وهذا التراجع لم يكن مفاجئا بل جاء بالتدريج، مما أتاح ظهور بدائل أخرى في مقدمتها اغاني "الراب". ويؤكد طاحون أن صعود "الراب" في هذا التوقيت يعكس تغيرا في وعي الجمهور، موضحا أن المستمع لم يعد يكتفي بالإيقاع وحده بل يبحث عن معني يعبر عن واقعه، فالراب استطاع أن يستفيد من الفراغ الذي تركته المهرجانات دون أن يلغي وجودها تماما، وهو ما أضاف توازن للسوق الغنائي. ويستطرد طاحون حديثه مشيرا إلى أن أهمية موسم 2025 لا تتوقف عند عدد الألبومات أو تنوعها، بل تمتد إلى طريقة تفكير الفنان في علاقته بالجمهور، فاللافت هذا العام أيضا أن كثيرا من المطربين تعاملوا مع الألبوم بوصفه رسالة تعيش لسنوات لا مجرد محاولة للظهور والتواجد، وهذا الوعي انعكس على اختيارات الكلمات والألحان، حيث ظهرت كثير من الأعمال أقل استعجالا وأكثر هدوءا في التعبير، وكأن الفنان قرر أن يترك مساحة للأغنية كي تعيش لا أن تحترق سريعا.. كما أن المنصات الرقمية التي اتهمت سابقا بقتل فكرة الألبوم لعبت هذا العام دورا كبيرا إيجابيا، حيث وفرت مساحة عرض متساوية نوعا ما لكل الأعمال بغض النظر عن حجم نجمها، فالمنصة لا تفرض أغنية بعينها كما كانت تفعل الإذاعة، بل تتيح للمستمع أن يختار، وهذا أعاد الاعتبار لفكرة العمل المتكامل وكثيرا من المستمعين عادوا للاستماع إلى الألبومات الكاملة حتى وإن تم ذلك بشكل غير متواصل وهو ما خلق علاقة أكثر تواصلا بين الجمهور والعمل. من جانبه يقول الناقد الموسيقي محمد شميس أن هذا الموسم هو الأكثر تنوعا بشكل عام على مستوى الخريطة الغنائية منذ سنوات طويلة والأبرز هذا العام هو غياب الهيمنة المطلقة، فلا لون واحد يسيطر ولا اسم واحد يحتكر المشهد.. هذا التنوع منح الغناء فرصة للتنفس بعد سنوات من التكرار والملل، مضيفا إلى أن عودة الألبوم لعبت دورا في هذا الاختلاف، فالألبوم يجبر الفنان على التفكير في شكل وتسلسل الالبوم ويجبر الجمهور على الاستماع لا الاكتفاء بالمرور السريع.. هذا الاختلاف أعاد الاعتبار لفكرة الصناعة المنظمة بعد سنوات من العشوائية. ويضيف شميس أن ما يحدث من تراجع لأغاني المهرجانات هو نتيجة طبيعية لفقدان هذا اللون قدرته على التطور، فالمهرجانات ظلت تدور في نفس الاطار بينما تغير جمهورها وهو ما لم يلاحظه مطربو المهرجانات مما خلق فجوة واضحة، وفي المقابل استطاع الراب أن يقدم نفسه كبديل أكثر مرونة قادر على مواكبة تحولات الجيل دون التخلي عن طاقته الشبابية. ويتوقف شميس عند ظاهرة الديوهات قائلا أن 2025 هو العام الأكثر ازدحاما بالتعاونات الثنائية خلال السنوات الماضية، فكثرة الديوهات هذا العام ليست صدفة، بل تعكس رغبة في كسر العزلة الفنية، وهذه التعاونات أيضا أعادت فكرة الحوار الموسيقي بعد سنوات من الفردية، مضيفا أن بعض هذه الديوهات نجح لأنه قام على انسجام حقيقي بين الأصوات بينما بدا بعضها الآخر أقرب إلى التجربة لكنه في الحالتين أضاف حيوية للموسم، ومن وجهة نظري فان هذه الديوهات كشف أن هذا الموسم للتجريب حتى وإن لم تكن كل النتائج متساوية. ويشير شميس إلى أن هذا الموسم شهد أيضا العديد من الاختلافات والتغييرات، وهو ما شجع عددا من الفنانين على المجازفة سواء في الشكل الموسيقي أو في الموضوعات المطروحة، فبعض الألبومات هذا العام تناولت مشاعر أكثر تعقيدا وتجنبت المشاعر التقليدية، معتبرا أن هذا مؤشر على تغير في الذوق العام، فالجمهور حتى وإن لم يعبر عن ذلك صراحة أصبح أكثر تقبلا للأغنية التي تحمل فكرة وتفاصيل لا مجرد إيقاع جذاب. ويؤكد شميس أن التنافس داخل الموسم نفسه كان أحد أسباب تحسن المستوى العام، فوجود عدد كبير من الألبومات في توقيت واحد خلق حالة من الضغط الإيجابي حيث أصبح الفنان أكثر حرصا على تقديم ما يميزه خوفا من النسيان وسط الزحام، وهذا الضغط دفع بعض المطربين إلى إعادة التفكير في شكل التعاون مع الشعراء والملحنين والموزعين والعودة إلى فكرة الورشة الفنية بدل العمل الفردي السريع. ويؤكد شميس أن هذه الروح التنافسية أعادت للموسم الغنائي طابعه الجماعي بعد سنوات من الفردية، فالمشهد هذا العام لا يدور حول نجم واحد أو لون واحد، بل حول حالة عامة، معتبرا أن هذه الحالة هي ما يجعل موسم 2025 مختلفا حتى مع وجود ملاحظات نقدية بسيطة لا تقلل من قيمته. أما الناقد الموسيقي أمجد جمال فيرى أن موسم 2025 أعاد الثقة في فكرة الإنتاج طويل النفس، فعدد الألبومات هذا العام يعكس رغبة في استعادة وعودة الغناء في مصر لمكانته الحقيقية كما اعتدناه، فعودة الألبوم أعادت فكرة المشروع الفني، فالمشهد هذا العام اتسم بإيجابية واضحة رغم وجود ملاحظات بسيطة تتعلق بتشابه بعض الأعمال أو اعتمادها على صيغ آمنة لكن هذه الملاحظات طبيعية في موسم يشهد هذا الكم من الإنتاج "فالأسوأ هو الجمود لا التكرار". وعن تراجع المهرجانات يرى جمال أن الظاهرة وصلت إلى ذروتها في سنوات سابقة وكان من الطبيعي أن تدخل مرحلة هدوء، فالراب استطاع أن يستفيد من هذه المساحة لأنه يقدم مضمون أكثر قدرة على التطور ولذلك أن المشهد الصحي هو الذي يسمح بتعايش الألوان المختلفة لا بسيطرة لون واحد. ويتوقف جمال عند عودة محمد منير في 2025 قائلا أنها واحدة من أبرز علامات الموسم، فعودة منير بألبوم جديد في موسم مزدحم تحمل دلالة مهمة لأنها تؤكد أن الأسماء الكبيرة ما زالت قادرة على الحضور والمنافسة، والألبوم لم يكن مجرد استعادة للماضي بل محاولة للوجود داخل اللحظة الحالية.. كما أن تعاون منير مع روتانا أعاد طرح دور شركات الإنتاج الكبرى حين تمتلك رؤية واضحة وهذا التعاون أعطى رسالة بأن الغناء الجاد مازال له مكان في السوق حتى في ظل سيطرة المنصات الرقمية. اقرأ أيضا: ناقد: تتر ضرب نار محاولة لصنع النوستالجيا والحنين لمسلسلات التسعينيات