لا يمكن النظر إلى فيلم «الست» باعتباره عملا فنيا بريئا أو اجتهادا إبداعيا أخطأ الطريق، بل هو نموذج واضح لتشويه متعمد لرمز مصرى بحجم أم كلثوم، تحت غطاء الإنتاج الضخم والتقنية العالية. فالفيلم لا يخطئ من باب السهو، وإنما يختار بعناية لحظات الضعف، ويعيد صياغتها بمنطق الإدانة، ويزرع الشك فى تاريخ امرأة صنعت وجدان أمة كاملة. ولا يمكن فصل الكارثة التى خرج بها فيلم «الست» عن اسم كاتب السيناريو أحمد مراد. فالمشكلة هنا ليست إخراجا، ولا تمثيلا، ولا ماكياجا فقط، بل عقلية كتابة تتعامل مع أم كلثوم باعتبارها مادة خام للتشويه، لا رمزًا ثقافيًا شكّل وجدان أمة كاملة. أحمد مراد لم يكتب سيرة، ولم يقدم قراءة فنية، بل مارس هوايته المفضلة، تفكيك الرمز حتى يتحول إلى كائن هش، مريب، قابل للإدانة. هذه ليست جرأة فنية، بل فقر رؤية. فالكاتب الذى يعجز عن فهم عظمة الشخصية، يلجأ تلقائيا إلى هدمها، ويستبدل العمق بالإثارة الرخيصة، والتاريخ بالافتراضات، والحقائق بالسمّ الدرامى. أحمد مراد لم يكتب عن أم كلثوم التى نعرفها من مئات التسجيلات والشهادات والوقائع، بل كتب عن أم كلثوم المتخيلة فى رأسه امرأة وحيدة، مكسورة، خالية من الروح، فاقدة للتلقائية وخفة الدم والذكاء الاجتماعى. وهى صورة كاذبة، ومجحفة، ومهينة، ولا يمكن تبريرها تحت أى شعار فنى. الكاتب هنا لم يبحث، لم يقرأ، لم يتحقق، بل استسهل اللقطة السوداوية لأنها "تبيع" دراميا، حتى لو كانت كاذبة. وكأن السيناريو كتب بعقلية كيف نصدم الجمهور؟ لا كيف نفهم الشخصية؟ المفارقة أن أحمد مراد يقدم نفسه دائما ككاتب "حداثى"، بينما ما فعله فى «الست» هو أبسط أشكال الكتابة الاستهلاكية تشويه الرمز لإرضاء ذائقة إنتاجية خارجية تحب رؤية الأيقونات مكسورة. لا عمق نفسى، لا بناء دراميا حقيقيا، لا تطور منطقيا للشخصية، فقط مشاهد منتقاة بعناية لتغذية سردية واحدة أم كلثوم ليست كما نعتقد. إن فيلم «الست» ليس فشلا تمثيليا، ولا إخراجيا، بل سقوط مدو لسيناريو قرر أن يخون رمزه. وأحمد مراد، فى هذا العمل، لم يكن كاتبا لسيرة، بل شريكا فى واحدة من أسوأ محاولات تشويه أيقونة مصرية تحت ستار الفن.