عبر الهاتف، أكدت مندوبة المركز الطبى عدم وجود بدائل أخرى. الموعد المقرر لإجراء الأشعة بعد أسبوع، وأوضحتْ أن طبيبا واحدا يقوم بإجرائها، ولا يتواجد إلا فى اليوم الذى حدّدتْه. لو أننى المتصل لاقتنعتُ بمبررها ورضيتُ بالأمر الواقع، لكن زوجتى لا تستسلم بسهولة، وبنبرة صوت تمزج الحسم بالرقة قالت: ليس منطقيا أن يظل يعانى من آلامه لمدة أسبوع، وأعطتْها درسا فى ضرورة احترام معاناة المرضى، وأنا لا أستطيع النطق بكلمة تنهى هذا الحوار العبثى، لأن الوجع هذه المرة فاق حدوده. أغمضتُ عينى بعد أن طلبتْ موظفة المركز الانتظار للحظة، وعرفتُ النتيجة مسبقا لأن الموظفة غالبا قرّرت امتصاص غضبة زوجتى بلحظات انتظار، تعود بعدها لتكرر ما سبق أن ذكرتْه. مرت الثوانى وعادت المُتحدثة بالبشارة، تم تقديم الموعد ثلاثة أيام!! لم أستطع أن أفتح عينيّ لكنى تخيلتُ أن ابتسامة رضا ارتسمت على وجه زوجتى. عادة أفرح بالمواعيد المتأخرة، لأنها تؤجّل معاناتى مع الأشعة والأطباء، غير أن الوضع مختلفٌ هذه المرة، فالآلام المصحوبة بعدم النوم لعدة أيام، جعلتنى مستعدا لدخول غرفة عملياتٍ فورا، و«وجع ساعة ولا كل ساعة» كما يقول المثل الشعبى الشهير. استعنتُ على مواجهة آلامى بالمسكنات والمضادات الحيوية وجرعات علاج أكبر، إلى أن جاء اليوم الموعود. وصلتُ إلى مركز التحاليل والأشعة قبل موعدى بساعة، وجاء الطبيب بعد موعده بساعة، وخضتُ التجربة الموجعة فرحًا بانتهاء انتظارٍ يجمع بين القلق والتعب، واكتفيتُ بالتساؤل: لماذا لا تلتزم المراكز بتحديد موعد دقيق للفحص، ومراعاة ظروف مرضى لا يمتلكون رفاهية الجلوس على مقاعد الانتظار؟ صرتُ أفضل نسبيا، بعد أن اقترب أسبوع الآلام من نهايته، وعرفتُ خلاله كيف تُصبح مشاعر المحيطين بلسما، قد لا يقضى على الألم غير أنه يخفّف من تأثيره.. ولو معنويا. فى لحظة الضعف يملك المريض حاسة استثنائية، تتيح له فرصة استكشاف من يشعرون بقلق حقيقى عليه، ويظلّ الشكر حقا للجميع، فيكفى أنهم استقطعوا من دوامات الحياة.. ولو لحظة للتعاطف!