عبد الرحيم: الأدوية »مش موجودة».. عاطف: »تأجيل متكرر لعملية زوجتي» الصحة: المعهد تابع للتعليم العالي.. ولجنة ثلاثية للمريض قبل علاجه وقت الظهيرة والشمس الحامية، ووسط زحام السيارات، تجد المغلوبين علي أمرهم، من مرضي السرطان وقد ألقو بأجسادهم التي أنهكها الوجع علي درجات سلالم معهد الأورام الساخنة التي لو نطقت لشهدت علي أوجاع جالسيها، مئات المترددين تناثرو يمينا ويسارا بعضهم يدخل وبعضهم يخرج وبعضهم يقف في أحد الأركان وبعضهم يجلس علي كرسي متحرك، وبعضهم غلبه النعاس فافترش أمتعته علي الأرض ونام، مشهد بائس »يقطع القلب» لا تميز فيه امرأة من رجل أو عجوزا من طفل، الكل متهالك من شدة الألم، يرتسم علي وجهه اليأس المختلط بالوجع وقلة الحيلة، الكل يجمعه حلم واحد وهو الشفاء من ذلك الألم القاتل، بعضهم من جلس ينتظر دوره في الجلسة المميتة التي تسري مسري النار في العروق، وبعضهم ينتظر إجراء التحاليل، وبعضهم جاء زائرا لعزيز في إحدي غرف العمليات، المهم هو أن كل من تواجد بهذا المكان هو مأساة منفردة تروي في صفحات طويلة. »الأخبار» قامت بجولة في معهد الاورام لرصد معاناة المرضي: البداية كانت من أمام معهد الأورام.. تحكي مني زغلول - 54عاما - من مركز أطفيح والمريضة بورم في الثدي معاناتها مع رحلة المرض قائلة: »بقالي سنة بتردد علي معهد الاورام عشان اتعالج من الوجع وكل مرة بدوق »المر» في كل جلسة، مضيفة: رحلة العذاب بتبدأ بتحركي من بيتي في أطفيح الساعة 8 الصبح عشان أوصل هنا الساعة 3 في ميعاد جلستي لكن بتفضل تتأجل الجلسة ممكن ساعات لحد المغرب الساعة 6 أو7 مساء».. بسافر في 4 ساعات عشان أوصل للمعهد وبرجع في 4 ساعات وبنتظر أكتر من 6 ساعات يعني بدوق العذاب في 14 ساعة دا غير التعب والإرهاق من الكيماوي اللي باخده يعني بوصل البيت زي الجثة مش قادرة أنطق بكلمة»، مؤكدة أنها تطالب إدارة المعهد بالتأكيد علي التزام الأطباء بموعد الجلسات لأن المريض بيكون »حاسس أن روحه بتطلع»، مشيرة إلي أن المريض يحتاج إلي عدة تأشيرات مختلفة تستوجب منه الانتقال إلي عدة مبان للموافقة علي تجديد بعض الأوراق مثل كارت المتابعة للدخول للمعهد فلا بد من تيسير الإجراءات علي المرضي.. ووقف عبد الرحيم محمد (60 عاما) من حلوان أمام بوابة المعهد يصرخ من نقص الأدوية بمعهد الأورام قائلا: »يعني إيه الأدوية مش موجودة»، مضيفا أن المعهد يقدم خدمة طبية جيدة ولا يختلف أحد في ذلك، إلا أنه عندما يأتي مع ابنته ملك التي تبلغ من العمر 4 سنوات ويجد أن بعض الأدوية غير متوفرة وعندما يسأل عن سبب عدم توفر الأدوية يرد المسئول »الأدوية دي بنستوردها من برة بالعملة الصعبة ومفيش عملة صعبة في البلد»، مؤكدا أنه يشاهد داخل المعهد بعض المرضي يستلقون علي الأرض بسب زحام المقاعد ومن شدة المرض ينامون إلي جوار »الحمامات»، مشيرًا أنه يأتي من حلوان ولا يتحمل عناء الانتقال ليأتي ليجد بعض الأدوية »مش موجودة»، مؤكدا أنه يطالب الدولة بتوفير الأدوية غير المتوفرة مع الاهتمام بزيادة عدد مقاعد الانتظار. تأجيل باستمرار ويشير عاطف الصاوي عبد الحميد من المنوفية أنه يقطع مسافة كبيرة للغاية للانتقال من المنوفية إلي القاهرة مع زوجته المريضة رضا محمد حمزة عبد المطلب بورم في الرئة، مؤكدا أن زوجته تحتاج إلي عملية وتم تحديدها وجاءت زوجته صائمة، كما أمر الأطباء وانتظرنا إجراء العملية في الساعة الثانية ظهرا ثم قالوا لنا »اتأجلت» إلي الساعة السابعة مساء ثم اعتذروا وتم التأجيل إلي يوم الأربعاء ثم انتظرنا في المعهد لإجراء العملية ولكن تم تأجيلها للمرة الثانية وعندما سألنا عن السبب قالوا »قائمة الانتظار كبيرة»، مؤكدا أن حالة زوجته تعرضت لتدهور كبير بسبب التأجيل المتكرر في إجراء العملية لها مشيرا أنه يطالب مدير المعهد بضرورة الانتهاء من جميع العمليات المؤجلة في قائمة الانتظار لأن المرضي لا يستطيعون تحمل اوجاع المرض أكثر من ذلك. فتقول مني زوجة أحمد أبو السعود إنها جاءت للمعهد مع زوجها في الساعة الثامنة صباحا للحصول علي جرعة الكيماوي والاشعاع التي يحصل عليها زوجها 3 مرات أسبوعيا، ولكن في كل مرة لا يأخذ زوجها محلول» إلا بعد موافقة الدكتورة المختصة وتبحث عن الدكتورة بالساعات من أجل التوقيع بموافقتها علي »المحلول»، مؤكدة أنها تقوم كل يوم برحلة عذاب من شبرا الخيمه وحتي المعهد من أجل تحسن صحة زوجها، مشيرة إلي أنها تطالب مدير المعهد بضرورة متابعة حضور وانصراف الأطباء. وفي نهاية جولتنا وجدناه شاردا يتأمل المارة بعينين زائغتين، تتنازع بها العروق الحمراء مع لمعة الطفولة الشقية، تهتز قدمه توترا، يترقب كل ما حوله بقلق وكأنه ينتظر شيئا مخيفا، يطيل تأمله يمينا ويسارا ثم ينهي شروده حين يقع نظره علي والده الذي لا يتحرك بصره بعيدا عنه، يطيل النظر إليه، لا تدري في تأمله إن كان يراه لأول مرة أم لآخر مرة، المهم هو الابتسامة الراضية التي تنتج عن التقاء عيناهما، ثم يعود بعدها كل منهم علي ماكان عليه إنه إسماعيل أحمد طفل لم تتعد سنوات عمره الإثني عشر عاما، دخل في صراع دامي مع مرض السرطان منذ أكثر من عام، وبدأ في جلسات الكيماوي القاسية منذ أكثر من 7 شهور بعد ان قرر الطبيب انه لا بديل لعلاج سرطان القولون سوي جلسات الكيماوي، يروي إسماعيل حكايته وكأنه يخبرك عن يومه الدراسي الذي اعتاد علي حضوره، يتلعثم لسانه حين يحاول نطق »القولون» ليخبرك عن مرضه، فالحروف أثقل من نطقه البريء، كما هو المرض الأثقل من جسده الهزيل، يروي إسماعيل »أتردد علي معهد الأورام منذ شهور طويلة كي آخذ جلسة الكيماوي كل أسبوعين، وفي كل مرة أظل منتظرا أمام باب المعهد لساعات طويلة، أخرج من بيتي والشمس تستعد للشروق، وأعود وقد كسا السماء الظلام، ففي كل مرة يكون موعد جلستي الساعة الواحدة ظهرا، لا أدخل للجلسة قبل الساعة الخامسة مساء، ودائما ما يخبرني والدي أن العدد كبير جدا، ولذلك فالمكان لا يستوعبنا دفعة واحدة، يتحدث الصغير بمنتهي المنطقية والإقتناع بكلام والده، ولكن لسان حاله يرفض قسوة واقعه، حيث يكمل بكلمات مهزوزة »لا أستطيع النوم طوال الليل قبل معاد الجلسة خوفا من الألم واستيقظ باكرا كي ألحق الميعاد المحدد للجلسة، ثم أظل كل هذه الساعات الطويلة منتظرا مع والدي علي الرصيف في حرارة الشمس الحارقة، فأتمني أن تلغي الجلسة لأعود لسريري دون الألم، فإنني بذلك أتعذب لأكثر من مرة وأنا أنتظر موعد الجلسة لساعات طويلة وقد فقدت اتزاني من شدة الإرهاق، ثم حين أدخل في رحلة العذاب التي أخوضها منذ دخولي لغرفة الجلسة، ثم رحلة عذاب جديدة مع عروقي التي تسري النار فيها لأيام طويلة بعد الجلسة، يتوقف إسماعيل عن الحديث للحظات فتخونه دموع الطفولة البريئة ليكمل باكيا: »مبحبش أعيط قدام بابا وماما عشان مخليهمش يعيطو بس الألم صعب جدا، وأنا بتعب أوي وأنا مستني ميعاد الجلسة، وتعب أكتر في ايام المدرسة ومبعرفش أذاكر وبعد ما كنت بطلع الأول كل سنة بقيت بنجح بالعافية». الوزارة ترد بعد ذلك عرضنا مشاكل نقص الأدوية في معهد الأورام بالقصر العيني علي مسئولي وزارة الصحة ووجهنا السؤال ما هي الخطة القومية للقضاء علي مرض السرطان؟ وكيف يتم علاج المواطنين المصابين بالسرطان علي نفقة الدولة؟.. يؤكد خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة ان بالنسبة لمشكلة نقص الادوية التي اشتكي منها بعض المواطنين المترددين علي معهد الأورام بالقصر العيني يسأل عنها الدكتور محمد لطيف عميد المعهد، مؤكدا أن المعهد يتبع وزارة التعليم العالي، مشيرا إلي أن الدولة تتجه للقضاء علي مرض السرطان اللعين من خلال خطة عاجلة تتم من خلال التعاون بين جهاز الخدمات الطبية التابع للقوات المسلحة مع إدارة المراكز الطبية المتخصصة بحيث تم الاتفاق علي أن تفتح مستشفيات القوات المسلحة أبوابها مجانا لعلاج المواطنين في المحافظات التي لا يوجد بها مراكز أو معاهد للأورام مثل محافظة كفر الشيخ، موضحا أن هذا البروتوكول سيساهم في تقليل الضغط علي معهد الاورام في القاهرة ويقضي علي مشكلة الانتظار التي تواجه مرضي الاورام.. ويضيف د. عماد كاظم مدير عام إدارة المراكز الطبية المتخصصة أن الدولة دشنت مشروعها القومي للقضاء علي مرض السرطان بالتزامن مع اطلاق مشروعها للقضاء علي فيروس سي، حيث تم التركيز عن نوعين هما الاكثر انتشارا وهما سرطان الثدي للسيدات وسرطان البروستاتا للرجال مؤكدا ان علي اي مريض بالسرطان ان يتوجه إلي اقرب معهد للاورام في محافظته او اقرب معهد في المحافظة المجاورة له، حيث يتم عمل قرار علاج علي نفقة الدولة للمواطن المصاب بالسرطان يتم عرضه علي اللجنة الثلاثية والتي تصدر له قرار وتعالجه بالمجان.