تعليم القاهرة تعلن مواعيد العام الدراسي الجديد 2025-2026 من رياض الأطفال حتى الثانوي    20 نوفمبر أولى جلسات محاكمته.. تطورات جديدة في قضية اللاعب أحمد عبدالقادر ميدو    بعد هبوط الأخضر في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 17-9-2025    نتنياهو يهدد برد قاس على حماس إذا تضرر أي رهينة    جوتيريش: ما يحدث في غزة مدمّر ومروع ولا يمكن التساهل معه    الخارجية السورية توضح تفاصيل الاجتماع الثلاثي واعتماد خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء    لأول مرة.. المتهم باغتيال الناشط السياسي تشارلي كيرك يمثل أمام المحكمة    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم الشيف حسن بمدينة أبوحمص بالبحيرة    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في حادث تصادم موتوسيكل وسيارة نقل بمركز بدر بالبحيرة    الصورة الأولى للشاب ضحية صديقه حرقا بالشرقية    اليابان: لا اعتراف بدولة فلسطينية حاليًا حفاظًا على العلاقات مع واشنطن    محافظ جنوب سيناء يشيد بإطلاق مبادرة «صحح مفاهيمك»    أسعار الخضار في أسوان اليوم الأربعاء 17 سبتمبر    مباحثات سعودية إيرانية في الرياض حول المستجدات الإقليمية    أسعار طبق البيض اليوم الاربعاء 17-9-2025 في قنا    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاربعاء 17-9-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    خبير أمن معلومات: تركيب الصور بالذكاء الاصطناعي يهدد ملايين المستخدمين    د.حماد عبدالله يكتب: البيض الممشش يتلم على بعضه !!    رئيس جامعة المنيا يشارك في اجتماع «الجامعات الأهلية» لبحث استعدادات الدراسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 17-9-2025 في محافظة قنا    زيلينسكي: مستعد للقاء ترامب وبوتين بشكل ثلاثي أو ثنائي دون أي شروط    مبابي: مباراة مارسيليا تعقدت بعد الطرد.. ولا أفكر في أن أكون قائدا لريال مدريد    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    التعليم تكشف حقيقة إجبار الطلاب على «البكالوريا» بديل الثانوية العامة 2025    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    سارة سلامة بفستان قصير وهيدي كرم جريئة .. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    أمين عمر حكما لمواجهة الإسماعيلي والزمالك    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    بسبب زيزو وإمام عاشور.. ميدو يفتح النار على طبيب الأهلي.. وينتقد تصريحات النحاس    حريق هائل بمطعم شهير بمدينة أبو حمص في البحيرة (صور)    اليوم، الفيدرالي الأمريكي يحسم مصير أسعار الفائدة في سادس اجتماعات 2025    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    أبرزها الإسماعيلي والزمالك، حكام مباريات الخميس بالجولة السابعة من الدوري المصري    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    تظاهرات في القدس ضد نتنياهو وسط مخاوف على حياة الرهائن في غزة    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل في الوراق    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    على باب الوزير    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرضى أعياهم البحث عن العلاج: عايزين مستشفى زى «57357»
«محمد» وأبناؤه الأربعة يتلقون العلاج على نفقتهم الخاصة.. و«رشاد»: بتسول من أجل دفع التكاليف
نشر في الوطن يوم 31 - 07 - 2014

يبتسمون ابتسامة من نجا لتوه من الموت، ليحصل على فرصة حياة جديدة، يعانون فى صمت على أسرة جلسات العلاج الكيماوى، يقاومون المرض بعزيمة صلدة لا تلين وقوة كامنة فى كلمات الوجع على صوت الأجهزة والمحاليل التى تصل بين أجسادهم المهترئة وأنبوب لا يفصله عن جاره، سوى بضع سنتيمترات، فالمرض الذى لا يعرف الفارق بين كبير وصغير، يجعل كليهما سواء أمام رحلة، بدايتها قلق وتوتر والنهاية ربما تكون جثة مسجاة على ظهرها فى ثوب أبيض.
عندما يغلبك اليأس والإحباط وتغلق كل أبواب الأمل فى وجهك، لا بد أن تزورهم فى معاهد الأورام والأقسام المنتشرة بأنحاء الجمهورية، حيث يتراصون على أرصفة الدولة ويتسكع بعضهم فى الشوارع، ولم يغلق فى وجههم باب الرجاء، ولسان حالهم يقول «لو كان السرطان رجلاً لقتلته»، المرض واليأس فى صراع، الفائز الوحيد فيه هو من لديه أمل فى إقامة مستشفى مجهز قادر على استيعاب أعدادهم وآلامهم وأحلامهم لاسترداد الشعور بالعافية التى نسوها بعد أن هاجمهم المرض اللعين وبات ينهش فى أرواحهم قبل أجسادهم.
شعور بالدوار ووعكة صحية وبرد شديد لم يفلح العلاج فى ردعها، فبدا لا مفر من أن يطرق الحاج أحمد عبدالله باب الطبيب ليخبره الأخير بإصابته بسرطان الدم، مصحوباً بحالة ضعف عامة وغثيان، صدمة تحملها على أعصابه، فكان أمامه إما الفحص الدورى لدى طبيب خاص قد يستنزف معظم أمواله أو يتخذ قراراً بالعلاج فى المستشفيات التابعة للمعاهد الحكومية، السنوات الخمس الماضية ذاق فيها الرجل الستينى مرارة العلاج بسبب الانتظار الطويل فى ردهات المستشفيات، أملاً فى صرف الدواء والحصول على موعد محدد وقاطع لإجراء العملية الجراحية، فحسب كلامه: «الطوابير طويلة قدام معهد الأورام، والدور عارف إنه جاى، بس بعد سنتين تلاتة لو كان فى العمر بقية».
الحاج محمد لديه 4 أبناء، كلهم مصابون بالمرض وخرج على المعاش المبكر فى عمله بإحدى الوزارات بعد أن باغته السرطان ولم يجد من يحنو عليه: «كل عيالى عندهم سرطان فى الدم وبيتعالجوا على حسابهم، بعنا اللى ورانا واللى قدامنا، مش معانا نصرف علشان ناكل أو نلبس»، نظرة مريض السرطان إلى الصرح الطبى الخاص بسرطان الأطفال والقائم بالتبرّعات مغايرة تماماً، حسب قوله المصحوب بصرخات الوجع: «مستشفى سرطان 57357 نجدة للمرضى من صغار السن والأطفال اللى مالهومش ذنب، أما إحنا وأمثالنا فمش قدامنا إلا العلاج بفلوسنا فى مستشفيات صعب دخولها، مش تلقى العلاج فيها، والدولة لازم تنظر إلى 10 ملايين مصرى مصاب بأورام مختلفة من كبار السن، دول عدد مش هيّن، عايزين مستشفى بالمجان للكبار». فى غياب التأمين الصحى والرعاية الطبية الجيدة فى المعاهد القومية للأورام، تبقى الأبواب موصدة أمام رشاد إبراهيم، مريض سرطان الرئة، فكلما يطرق باباً يمد له يد العون فى العلاج، يتلقى صدمات موجعة، فالمرض الذى ينهش فى جسده رويداً رويداً، أحن عليه من الدولة التى تتركه يشحذ بسبب نفقات العلاج: «من 10 سنين، عرفت أنى مريض بسرطان فى الرئة، ماكانش قدامى غير المتابعة فى مستشفى الأورام، ووقتها شعرت أنه ممكن الخدمة الطبية تكون مناسبة، بس صرف الأدوية والعلاج قليل لدرجة إنى باضطر أدفع كل يوم 58 جنيه وأنا راجل على باب الله».
يتحدث والدموع فى عينيه عن قرار أرباب الشركة الخاصة التى كان يعمل بها، بفصله من عمله بعد أن تغيّب فترات طويلة عنه بسبب خضوعه لجلسات العلاج المركزة، الأمر الذى زاد مع قرار الزوجة الرحيل عن الحياة كلها، وزواج أبنائه، فوجد نفسه دون أبناء أو زوجة وعلاج، فى الوقت الذى يحتاج فيه إلى الدعم النفسى لمواظبة العلاج، ولم يبقَ سوى هو والمرض يتبادلان الشكوى: «كل يوم باموت نفسياً، لأن وقوع الموت ولا انتظاره، بس المهم أولادى هيعملوا إيه من بعدى، هيلاقوا ديون كتيرة صعب يسددوها بسبب تكاليف العلاج»، يعجز عقل عم رشاد عن استيعاب المأساة التى قد تكون فى انتظار الأبناء حين يعلمون أن والدهم مديون بمبلغ يزيد على 25 ألف جنيه بسبب العلاج على نفقته الخاصة، «يعنى كمان هامشى من الدنيا وولادى شايلين هم الديون والفقر».
مناشدات كثيرة بعث بها الرجل الخمسينى لوزير الصحة لإقامة مستشفى يضم كل حالات مرضى السرطان من كبار السن، خصوصاً من وصل بهم الحال للحظات اليأس والاستسلام للموت ومراحل متقدمة من المرض: «عارفين أن المستشفى هياخد وقت طويل علشان يتبنى، بس على الأقل هيكون فيه أمل للعلاج، لو لحقنا، يبقى ربنا بيدينا أمل، ولو مالحقنهوش يبقى أمل للى جاى بعدنا».
يستمد شجاعته من ابتسامة شقيقه الذى يجر الكرسى المتحرك له بعد أن أقعده سرطان النخاع الشوكى الذى أصيب به منذ سنوات، الحزن يختلج صدره ويعتصر قلبه، حين يتذكر أنه لا يستطيع الحراك دون مرافق، يخرج «حسن كمال» من مستشفى الأورام وعيون تدمع خلسة خشية أن يراه مخلوق، رغم أن الألم لا يعرف الكرامة، والمرض لا يعترف بالمشاعر، يمر شريط حياته أمام عينيه فى كل مرة يتلقى فيها العلاج الكيماوى، فالزوجة طلبت الانفصال على أثر المرض، والابن رحل مع والدته، ليتركونه يعانى المرض والألم النفسى الذى فاقم من الأوجاع».
الوصول إلى مرحلة الجراحة يعنى بالنسبة لمريض السرطان أنه فشل فى الاستجابة للعلاج الكيميائى، لكن إذا وصل الأمر إلى تأجيل العمليات الجراحية بعد أن تردد عشرات المرات على المعهد القومى للأورام ليقابله الرد نفسه: «دورك لسه ماجاش»، يبقى الحل الوحيد أمام «حسن» الاستسلام للمسكنات أملاً فى تخفيف الآلام المصاحبة للعلاج الكيميائى والإشعاعى: «باموت فى اليوم 100 مرة، الحل الوحيد إنى آخد مسكن وأنام بعدها على طول بعد ما باستنى حوالى من شهرين لتلاتة لإجراء العملية».
تأجيل العمليات الجراحية مشكلة كبيرة تواجه «حسن» بصفة مستمرة بعدما خاض رحلة علاج طويلة من مستشفى قصر العينى إلى السلام للأورام، ثم المعهد القومى، لتنتهى جرعات العلاج الكيماوى، ويصبح رهين العلاج الإشعاعى: «كل يوم يقولوا لى فوت علينا بكرة، والعملية بتخلينى أصوم قبلها بيومين، يعنى بابقى هاموت من الجوع، والألم ومستنى التخلص من الوجع وأعمل العملية، لكن مفيش حل». يئن من مصروفات السفر فى رحلة يومية يقطعها من مركز إطسا بالفيوم إلى القاهرة، لا يغادره الوجع المصاحب لورم فى المعدة، يقف فى بهو المستشفى التابع للمعهد القومى للأورام المكتظ بالمرضى، يحاول إسناد ظهره المحنى إلى الحائط خلفه، ثم ينظر بعد تنهيدة تخرج من الأعماق إلى المرضى المتراصين على جنباته، قائلاً: «أعمل إيه بس يا رب؟»، ثم يعود إلى سؤال موظف الاستقبال عن دوره الذى لم يأتِ منذ شهرين: «هو المفروض أدخل أكشف إمتى؟»، فلا يجد سوى إجابة تتخللها نظرة ازدراء: «لسه بدرى عليك، اتفضل استريح بره، لما ييجى دورك هنبقى نندهلك»، يشعر السيد محمد مروان باليأس والعجز عن تحمل الألم ومشقة السفر فيطلب التعجيل بدخوله إلى الطبيب، فيأتيه الرد الذى لا يعجبه «ابقى روح اتعالج فى بلدكم أحسن».
من السابعة صباحاً حتى الخامسة مساءً هو موعد الانتظار اليومى لا يخلو من رحلة بحث عن الدم أو تكلفته التى تتجاوز 250 جنيهاً لشراء فصيلة الدم النادرة لتكون النهاية داخل مستشفى الشبراويشى القريب من معهد الأورام، وإذا استسلم لليأس وفاته موعد جلسة العلاج بالكيماوى يشتد ألمه ويكاد يفقد صوابه «بسبب الزحمة أوقات كتيرة بآخد العلاج قدام غرفة الكيماوى، ولو دخلت الغرفة قبل موعد العلاج، الدكاترة يطردونى». يحلم «السيد» فقط بمستشفى كبير يحتوى الأعداد الهائلة من مرضى السرطان فى مصر ويوفر سريراً لكل منهم: «نفسى أنام على فرشة نضيفة وأنا باتعالج أو بآخد الكيماوى مش واقف على رجل واحدة، وألاقى العلاج والدم لما احتاجه مش أدفع دم قلبى ويمكن مش ألاقيه».
بصوت منخفض هزمه المرض لكنه ما زال متمسكاً بالبقاء، يحاول عثمان عبداللطيف التقاط أنفاسه قبل الحديث «إحنا بنموت بالبطىء فى البلد دى»، يؤكد الشاب العشرينى القادم من مركز فاقوس الشرقية مصطحباً معه الأوراق والتحاليل، قابضاً عليها بكلتا كفيه، مبادراً بالقول: «كل مرة يعالجنى دكتور، بوصفة جديدة، بيجربوا فينا الموت». «عثمان» أصيب بورم فى الغدد الليمفاوية وعولج 4 مرات بطرق مختلفة وهرمون جديد، مفسراً السبب «لأنى على قد حالى باوافق وانا ساكت».
تكاليف الفحوص والأشعة المقطعية والرنين المغناطيسى عجز «عثمان» عن تحمل نفقاتها، يحاول تدبيرها ببيع جزء من أثاث المنزل تارة، والاستغناء عن الطعام تارة أخرى، وإذا أهمل بعض الشىء فسوف يلقى مصير والده نفسه الذى عانى المرض نفسه، ومات أسيراً للفقر وقلة الحيلة والإهمال الطبى «كنت باجى مع أبويا كل يوم، وباشوف معاناته، يقولوا لى ادفعوا وإلا تتطور حالته ويموت، وسبحان الله مات قبل ما يشوف كل الغلب اللى أنا باشوفه»، ويسترسل الشاب فى الحديث عن والده الذى ورث عنه المرض الذى لا يرحم «أبويا لو كان معاه فلوس أكيد كان اتعالج فى مستشفى كبير».
داخل غرفة الأشعة، يستلقى عادل حماد على أحد الأسرة، فى انتظار قدوم الطبيب الذى تجاوز تأخيره عن موعده ساعتين: «لو معايا واسطة وفلوس ماكانش ده حالى»، هكذا أكد الرجل الذى شارف على الخمسين، قضى منها 10 أعوام مصاباً بسرطان فى الدم، «يوم ما جالى المرض كان عندى 35 سنة، جريت على أقرب مستوصف، قالوا لى مفيش فايدة، لازم تروح مستشفى قصر العينى، هناك بلغونى أنى لازم أروح معهد الأورام»، تدريجياً تأقلم «عادل» على المرض وتعايش معه لكن أصعب ما يكابده هو الإهمال داخل المعاهد والمستشفيات التى يتردد عليها: «باستنى ساعات طويلة علشان استلم التحاليل».
كواليس المرض تحفل بمزيد من المعنويات المنخفضة التى يفترض أن يتمتع بها المريض ليصير أكثر إقداماً على العلاج والتقدم فى مراحل الشفاء، لكن الرجل الذى أخفى عن زوجته إصابته بالسرطان، المرض الذى شاع أنه لا يرحم، كان المرض سبباً فى طلب الزوجة الانفصال بعد انكشاف أمره، وأن يترك لها الابنة التى رزقا بها «سنين وانا باعانى من المرض، وكل اللى بيحصل لى من تحت راسه، وكل الظروف دى بتأثر فى نفسيتنا، وللأسف فى المستشفيات مش بنلاقى حتى حد يضحك فى وشنا أو يديلنا أمل، شعرى دايماً بيقع، باقعد بالخمس أيام من غير أكل بسبب العلاج الكيماوى، جسمى كله بقى لونه أزرق».
كل من حوله هجره إلا المرض ظل يؤنس وحدته «الأيام بتجرى، باتمنى أتعالج أو أريح أهلى من السؤال علىّ وأموت»، العلاج فى مستشفى مجهز هو الحلم الذى يعيش بقية أيامه على أمل تحقيقه «الدولة لازم تفكر فى مريض السرطان، اللى مايعرفش فرق بين طفل وكبير فى السن، كله بيتوجع».
معهدان متخصصان فى علاج الأورام السرطانية لكل المراحل العمرية ولم نصل حتى وقتنا هذا إلى تطبيق 3% نسب العلاج المتميز، كما نص الدستور الذى أقر مؤخراً، حسب على زيدان استشارى ومدرس الجراحة العامة وجراحة الأورام زميل كلية الجراحين الملكية بلندن: «فيه المعهد القومى للأورام بجامعة القاهرة ومعهد جنوب تابع لأسيوط و7 معاهد أخرى، وفيه أقسام بمستشفيات 6 أكتوبر والتأمين الصحى وصيدناوى، لكن نسب الشفاء منخفضة جداً، والجراحة معقدة وتحتاج مستوى معيناً من العلاج الطبى والعلاج الإشعاعى وفيه تقصير لعلاج المرضى بسبب ضعف فى الإمكانيات وسوء الإدارة، وكل ده بسبب كبر العدد، والأولى البدء فى جمع تبرعات شعبية لإقامة مستشفى 57357 للكبار».
علاج الكبار من مرضى السرطان على نفقة الدولة أصبح وهماً يفسد ما يمكن للوطن أن تصلحه فى المستشفيات والمعاهد المختلفة بدءاً من الإهمال إلى الفساد، حسب «زيدان»: «الورم اللى حجمه 2 سم ممكن بعد أسبوع من الإهمال يبقى 4 سم، ويبقى مفيش غير العلاج على نفقة دولة عجزت عن توفير العلاج مبكراً، وضعف التمويل غالباً يكون السبب».
ورغم أن أقسام الأورام هى أكثر الأقسام الناجحة فى المستشفيات الحكومية لكن الأبحاث مهدر حقها بشكل كبير وقيمتها عالية، حسب د. محمود عبدالرؤوف، باحث فى مجال عقاقير الأورام بالمركز القومى للبحوث «معظم الأدوية والعقاقير لعلاج المرضى يتم استيرادها من الخارج، لأنه ليس هناك إمكانية مالية وتقنية تتيح فرصة رعاية الابتكار والتحديث والتجديد».
ورم النخاع الشوكى والغدد هو أحدث ما توصل إليه الباحثون فى مجال العقاقير السرطانية، بحسب د. محمود: «التحرك وإن كان بطيئاً لكنه ملحوظ، التقدم فى مجال البحث العلمى، وإرسال بعثات إلى الخارج يعود بالنفع فى مجال علاج الأورام، لكن الجديد غير موجود بسبب الإمكانيات المحدودة للغاية فى ظل وجود أبحاث مركونة فى الأدراج، ومعظم الصيادلة بيشتغل على الأدوية المستوردة».
نقص عدد الأسرة والزحام تسبب فى تذمر المرضى الفترة الماضية.. حسب الدكتور محمد جميل وكيل المعهد القومى للأورام، مضيفاً «المستشفى التابع للمعهد كان عبارة عن مبنيين أحدهما جنوبى والثانى شمالى، تم الاستغناء عن الأول لأنه كان آيلاً للسقوط ليقل عدد الأسرة، وبالتالى يشعر المريض بنقص الاستعدادات والتجهيزات لاستقباله»، لافتاً إلى أن مستشفى سرطان الأطفال هو صرح نشأ على أكتاف أطباء المعهد القومى للأورام وكان معداً لإلحاقه بمقره الرئيسى.
يعترف الدكتور جميل بأن نوعية الخدمة المقدمة لمريض السرطان تحتاج إلى إعادة نظر، وإضافة المزيد وفقاً للإمكانيات المتاحة، التى يأتى معظمها من التبرّعات، ويكمل: «عندنا يمكن مشكلة فى صرف العلاج والأدوية، لأننا بنخدم 20 ألف حالة، فى اليوم حوالى 100 مريض، ما بين حالات جديدة أو متابعة وحالات أشعة وأخرى فحوصات».
علاج الأورام يأخذ أولوية فى قرارات العلاج على نفقة الدولة، حسب الدكتور محمد عابدين المشرف العام على المجالس الطبية بوزارة الصحة والسكان السابق: «القرارات بتطلع بصعوبة، لأن المريض لازم يبقى عنده تقرير باثولوجى لعلاج حالات السرطان الحقيقية مش أى ورم فى الرجل أو اليد أو الوجه، عن طريق عينة للورم، حسب مكان السرطان، وفقاً لتشخيص الأورام وترنيم مغناطيسى للمخ أو أشعة مقطعية، علشان العلاج المجانى مايروحش لغير مستحقيه، وفيه أورام حميدة وأخرى خبيثة».
صرف أدوية باهظة التكاليف يعد أولوية لعلاج كيماوى السرطان، حسب الدكتور محمد: «هناك أخطاء يرتكبها بعض الأطباء واستشارى الأورام فى تشخيص الورم، وبالتالى صرف العلاج أو استخراج القرار ياخد وقت طويل، لأنه غالى جداً ومفعوله لم يثبت، فمثلاً نلاقى دواء لسرطان الكبد غالى بيتكلف حوالى 20 ألف شهرياً للفرد الواحد، ودون نتيجة قوية»، ويكمل «إقامة صرح طبى بديل يتسع لكل المرضى يستطيع الإسهام فى معاناتهم، والبعد عن فكرة قرارات العلاج الاستثنائية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.