انفتح بنيامين نتنياهو على مراوغة أوسع، للخلاص من مطاردة قضائية فى جرائم الفساد المدان فيها، ولاقت مناوراته عناقًا دافئًا من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى استغل الضائقة لتمرير «صفقة غامضة»، تضمن تجاوب إسرائيل مع أفكار البيت الأبيض عند تسوية ملفات إقليمية عالقة، لا سيما فى قطاع غزة. وتبادل نتنياهو وترامب اللعب على وتر المصالح المتبادلة منذ فوز الأخير بولاية رئاسية جديدة، لكن الفكرة تبلورت خلال زيارة الرئيس الأمريكى الأخيرة لإسرائيل، واندفاعه نحو مطالبة الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتسوج صراحة فى الكنيست بالعفو عن رئيس الوزراء، وعزز الطلب برسالة بعث بها من واشنطن إلى مؤسسة الرئاسة الإسرائيلية، ما دعا نتنياهو إلى طرق الحديد وهو ساخن، وطالب هيرتسوج رسميًا بعفو، يحول دون تقاعده السياسى، ولا يُلزمه إقرارًا بذنب أو حتى اعتذار. اقرأ أيضًا | هيئة البث الإسرائيلية: لقاء سري يجمع نتنياهو بتوني بلير ورغم ردود الأفعال المعارضة، التى تجاوزت حجرات المكاتب إلى 40 شارع «تسهالا» فى تل أبيب، حيث مقر الرئاسة الإسرائيلى، فطن نتنياهو إلى أن استقرار مفتاح العفو عنه يقبع فى المكتب البيضاوى، وليس فى مقر الرئاسة الإسرائيلى، ولذلك بث مساء الخميس الماضى مقطع فيديو باللغة الإنجليزية، استجدى فيه تعاطف البيت الأبيض والرأى العام الأمريكى، وفق تعبير مصادر دوائر سياسية فى تل أبيب، أكدت لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن خطوة نتنياهو تعد بمثابة «تسويق أجوف للاضطهاد والضعف أمام الرأى العام الأمريكى، خاصة فى ظل ضغوط ترامب لمنحه عفوًا رئاسيًا». وهاجم نتنياهو بشدة مكتب النائب العام الإسرائيلى، واتهمه ب«الرغبة فى عزله»، خاصة عند رفض المكتب مطالبة هيئة المحكمة المركزية فى تل أبيب بإسقاط تهمة الرشوة عن نتنياهو فى القضية المعروفة إعلاميًا ب«الملف 4000». وأضاف تعليقًا على المحاكمة: «هذا سخيف، وبالطبع تستمر هذه الكوميديا بلا هوادة». تعليقًا على مقطع الفيديو، وردًا على تحايل رئيس الوزراء الإسرائيلى للحصول على العفو، قال رئيس حزب «أزرق أبيض»، زعيم «معسكر الدولة» الانتخابي، بينى جانتس: «نتنياهو، من تخاطب؟ لا يمكنك طلب العفو باللغة العبرية، وتشويه سمعة النظام القضائى فى الخارج باللغة الإنجليزية. هكذا يبدو من يعتبر مصلحته الشخصية أهم من مصلحة الدولة». وهاجم عضو الكنيست جلعاد كاريف من حزب «الديمقراطيين» الفيديو وصاحبه، مشيرًا إلى أنه «محاولة مافيا، لإرهاب النائب العام والقضاة فى محاكمة نتنياهو». وأضاف: «الفيديو يُشوّه سمعة إسرائيل بأكملها، ويلطِّخ صورتها عالميًا بأكاذيب مضللة. وليس هناك دليل أفضل من ذلك على أن نتنياهو، كعادته، يقدم مصالحه الشخصية على مصالح إسرائيل». ودعا إسحاق هيرتسوج إلى إصدار إدانة شديدة وقاطعة للفيديو، ومطالبة نتنياهو بحذفه فورًا. وترى دوائر فى تل أبيب أنه رغم تأكيد إسحاق هيرتسوج على مراعاة الصالح العام عند البت فى طلب العفو، فإن الأخير يميل إلى تمرير قرار بالعفو، وعزت ذلك إلى منح والده، الرئيس الأسبق حاييم هيرتسوج عفوًا مماثلًا لكوادر جهاز الأمن العام «الشاباك»، حين تورطوا فى تجاوزات أمنية فى القضية المعروفة ب«حافلة الخط 300» عام 1986. وفيما يخص تبادل المصالح بين نتنياهو وترامب، وعلاقتها بالعفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلى، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» باعتزام نتنياهو زيارة واشنطن أواخر شهر ديسمبر الجارى، لوضع النقاط على الأحرف فى صفقة «غير معلنة»، يستجيب بموجبها نتنياهو لشروط جديدة فى أكثر من ملف إقليمي، مقابل حصوله على العفو. وتأتى الزيارة فى سياق دعوة تلقاها نتنياهو من ترامب خلال اتصال هاتفى جرى بينهما قبل أيام، لعقد قمة فى الولاياتالمتحدة. ولتهيئة مناخ دافئ للقمة، أدلى نتنياهو بتصريحات «إيجابية» لصحيفة «نيويورك تايمز»، وقال للصحفى أندرو سوركين: «لا أنتوى حل السلطة الفلسطينية، رغم أن أكثرية أعضاء الائتلاف، ودوائر أخرى خارجه، تحفزنى للإقدام على تلك الخطوة». وأضاف: «هناك فلسطينيون داخل غزة يقاتلون حماس الآن، وأعتقد أنه من الأولَى منحهم الفرصة، خاصة وهم يسعون لإحراز مستقبل أفضل لأولادهم، فضلًا عن رغبتهم فى السيطرة على قطاع غزة بعد الإطاحة بحماس». وربما كانت لغة نتنياهو ل«نيويورك تايمز» دليلًا على إقبال الطرفين الأمريكى والإسرائيلى على «شىء ما»، وفقًا لتعبير صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التى أكدت اعتزام ترامب خلال لقاء القمة المرتقب، الضغط على بنيامين نتنياهو لدفعه إلى «التناغم» مع رؤية الرئيس الأمريكى فى غزة، وساحات إقليمية أخرى. وعزت الصحيفة تقديراتها إلى تطرق الحديث خلال الاتصال الهاتفى إلى إشكالية العفو عن نتنياهو، ومدى إصرار الرئيس الأمريكى على تمريرها بمنتهى السرعة. ورغم أن الانطباع السائد فى إسرائيل يؤشر على دعم ترامب «غير المحدود» للعفو عن نتنياهو، فإن مستشارى الرئيس الأمريكى، نقلوا غضب البيت الأبيض من نتنياهو وحاشيته. وعزوا ذلك إلى أن «تصرفات إسرائيل لا تتناغم مع خطط الرئيس بشأن قطاع غزة والشرق الأوسط»، لدرجة أن واشنطن خلصت إلى أنه «ربما يحتاج الإسرائيليون إلى بعض التغيير»، وفق تعبير الصحيفة. ويعزِّز اعتقاد اقتراب ترامب ونتنياهو من «الصفقة»، تزامن الدعوة لزيارة البيت الأبيض مع «توقيت حساس»، يسود فيه الشعور بتعرض الساحات الإقليمية للخطر. فاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة هش، وتطبيق المرحلة الثانية من خطة ترامب يواجه صعوبات فى ظل غياب القدرة على نزع سلاح حماس، فضلًا عن عراقيل حشد قوة استقرار دولية فى القطاع. وبموجب مؤشرات مقايضة العفو عن نتنياهو بدفع الرؤية الأمريكية قدمًا، كشفت «يديعوت أحرونوت» اعتزام ترامب الضغط على نتنياهو خلال الزيارة المرتقبة، لإقناعه بإدخال قوات تركية إلى القطاع، والموافقة على الانتقال إلى المرحلة الثانية حتى دون عودة بقية جثث الرهائن. وفى السياق، يعتزم ترامب الضغط على نتنياهو، لاقتناص موافقته على مشاركة السلطة الفلسطينية فى إعادة إعمار القطاع، خلافًا للتوجه الإسرائيلى. وبحسب تقديرات الصحيفة العبرية، لن يغيب التنسيق بين واشنطن وتل أبيب حول إيران عن لقاء القمة المرتقب فى البيت الأبيض، إذ يتعين على تل أبيب وواشنطن، التوصل إلى توافق فى الآراء حول طبيعة التعامل مع الإشكالية الإيرانية، إلا أنه «فى هذه المرحلة ليس من الواضح ما إذا كان ترامب سيعطى إسرائيل ضوءًا أخضر للتحرك العسكرى ضد إيران». ويشعر الأمريكيون بقلق بالغ أيضًا إزاء التعاطى الإسرائيلى مع سوريا، إذ أشارت «تغريدة» سابقة لترامب إلى عدم رضاه عن السياسة الإسرائيلية، التى «لا تعطى الرئيس السورى أحمد الشرع ثقة كافية». وبموجب الصفقة غير المعلنة، يعتزم ترامب الضغط على نتنياهو، للتوصل إلى اتفاق أمنى مع سوريا، رغم أن المحادثات بين البلدين بوساطة أمريكية كادت تصل إلى طريق مسدود. وخلال القمة المرتقبة فى البيت الأبيض، يناقش ترامب ونتنياهو آليات تنسيق المواقف فيما بينهما حول إمكانية إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان، الذى جرى توقيعه العام الماضى مع نهاية ولاية جو بايدن، أو أنه «لا مفر من جولة قتالية جديدة فى بلاد الأرز».