محمد إسماعيل قبل ما يقرب من عشر سنوات فقط لم يكن إنتاج أفلام السيرة الذاتية في مصر والمنطقة العربية يحدث بالشكل الذي نراه الآن. كانت الأعمال التي تتناول حياة شخصيات عامة لا تتجاوز في المتوسط ثلاثة إلى خمسة أعمال سنويًا في أفضل الأحوال، معظمها تلفزيوني ومرتبط بموسم دراما رمضان، لكن خلال السنوات الخمس الأخيرة تحديدًا قفز العدد بشكل ملحوظ، إذ شهدت الشاشات العربية ما يزيد على 22 عملًا بين أفلام ومسلسلات تناولت سيّر سياسيين ومطربين ورياضيين وممثلين، بالإضافة إلى مشروعات معلنة ولم تنفذ بعد يصل عددها إلى 11 مشروعًا آخر وفق بيانات شركات الإنتاج. هذه الزيادة اللافتة في الكم انعكست أيضًا على شكل النقاش العام حول السيرة. فهناك ظهور لأعمال ومسلسلات عربية تتناول سير شخصيات فنية أو تاريخية من أم كلثوم أعاد طرح أسئلة جديدة على الجمهور: هل ما يشاهدونه هو "استعادة" حقيقية للشخصية أم أنه "نسخة سينمائيّة" بمواصفات أخرى؟ وهل الممثل الذي يجسد شخصية معروفة يجب أن يكون نسخة مطابقة منها بصريًّا؟. مقاييس مطلوبة وخلال آخر موسمين فقط ظهر ما لا يقل عن ستة أعمال سيرة قيد التنفيذ، من بينها مشاريع عن شخصيات فنية معاصرة وأخرى تاريخية. وفي المقابل شهدت مواقع التواصل جدلًا واسعًا حول ثلاثة أعمال تم عرضها بالفعل، انقسمت التعليقات فيها بين فريق يرى أن الشبه الخارجي شرط أساسي لنجاح السيرة، وفريق آخر يعتبر أن الأداء يمكنه أن يعوض الفارق في الشكل، وفريق ثالث يرفض فكرة الالتزام بمقاييس التشابه. هذا التحول من متابعة أعمال السيرة إلى البحث عن درجة التشابه جعل مسألة التطابق الشكلي جزءًا أساسيًّا من الحوار حول أي عمل جديد يُعلن عنه. وخلال عام واحد فقط تصدرت ثلاث صور دعائية لممثلين يجسدون شخصيات حقيقية عناوين النقاش قبل عرض الأعمال نفسها، ووصلت بعض المنشورات إلى أكثر من مليون تفاعل، ما يكشف أن الجمهور يقف عند اللحظة الأولى: هل يشبهه أم لا؟ وآخرهم فيلم "الست" لمنى زكي. في ظل هذا المشهد أصبح سؤال التطابق الشكلي وهل هو أهم من الأداء؟ وهل غياب التطابق يعني تزييفًا أو تحريفًا؟ ولذلك طرحت "أخبار النجوم" تساؤلاتها على النقاد للوقوف على كيفية قراءة هذه الظاهرة وحدود العلاقة بين الشكل والأداء، وكيف يتعامل كل منهم مع الجدل الدائر حول التشابه وشرط النسخة المطابقة. في البداية تقول الناقدة ماجدة موريس بأن التشابه الشكلي له وزنه خصوصًا في الشخصيات التي يعرفها الناس جيدًا ولا تزال صورها حاضرة في الذاكرة. فحين يتعامل الفيلم مع شخصية لها شهرة واسعة، فإن الجمهور يتوقع قدرًا من التشابه، وهذا ليس طلبًا غير منطقي، لأن الذاكرة الجمعية أصبحت جزءًا من اللعبة السينمائيّة. لكن هذا التشابه ليس شرطًا ثابتًا، لأن أهم ما يجب أن يقدمه الممثل هو الحقيقة الشعوريّة للشخصية، تلك المنطقة التي لا تظهر في الصور بل في السلوك وطريقة الكلام وتفاصيل الموقف. أداء جامد وتضيف ماجدة أن هناك ممثلين صاروا أسرى المكياج أو الأقنعة، مما جعل أداءهم جامدًا. ولذلك، حين يتحول التشابه إلى عبء يصبح ضد الفيلم. لذلك فإن التشابه الشكلي قد يساعد في كسر المسافة بين المشاهد والفيلم في اللحظات الأولى، لكنه ليس معيارًا للصمود، لأن الفيلم يعيش من خلال الأداء لا من خلال اللقطة الدعائية الأولى. وتشير ماجدة إلى أنه من الممكن أن يجذبك الشبه في الإعلان، لكن من سيجعلك تكمل ساعتين أمام الشاشة هو الأداء لا درجة التطابق في الأنف أو العين. ولذلك، بعض الشخصيات تتطلب تشابهًا بصريًّا أكبر من غيرها، خاصة الشخصيات التاريخية التي أصبحت رموزًا بصرية مثل القادة السياسيين أو الفنانين أصحاب الكاريزما، بينما هناك شخصيات أخرى تعتمد أكثر على المضمون والسياق الدرامي. ولذلك فإن الأمر متغير حسب الشخصية وحسب الفيلم، فهناك أعمال تستند إلى الدقة التاريخية وأعمال أخرى تحتفي بالخيال. ما يهم هو وضوح رؤية المخرج وقدرة الممثل على أن يحمل هذه الرؤية. في حين يقول الناقد رامي المتولي إن التركيز المفرط على الشبه الخارجي أصبح مشكلة تواجه تلقي أفلام السيرة الذاتية، لأن الكثير من المشاهدين يختزلون التجربة في لحظة مقارنة بين صورة أرشيفية وصورة الممثل على الشاشة. فالتطابق الشكلي ليس معيارًا للحكم على فيلم قد يفشل رغم وجود شبه كبير وقد ينجح رغم اختلاف الملامح. لهذا يعتبر الشكل جزءًا ثانويًّا في عملية التلقي. وسيلة فنية ويؤكد رامي المتولي أن السينما وسيلة فنيّة وليست لوحة تنسخ ملامح البشر بدقة، وأن الدور الحقيقي للممثل هو أن يجسد طاقة الشخصية ونبرة حضورها لا مجرد مظهرها الخارجي. فالذاكرة البصرية للمشاهد قوية لكن الذاكرة الدرامية أقوى، فالجمهور قد يلاحظ الفارق في الشكل لكنه سينشغل بالأداء إذا كان قويًّا. ويؤكد المتولي عن تجارب عالمية أثبتت أن الأداء يمكنه أن يتغلب على أي فارق شكلي، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الممثلين استندوا إلى مفاتيح داخلية مثل طريقة الكلام، ردود الفعل، الإيقاع النفسي للشخصية، لا ملامح الوجه بدقة. فالممثل حين يقترب من الشخصية داخليًّا يصبح قادرًا على جعل الجمهور يراها من جديد حتى لو لم يكن هناك شبه كامل. فالسينما في النهاية إعادة خلق لا إعادة إنتاج. ويشير المتولي إلى أن التطابق البصري يظل مفيدًا حين يخدم الفكرة الإخراجية، لكنه لا يجب أن يتحول إلى عقبة أو شرط مسبق يستبعد ممثلين قادرين على تقديم أداء قوي. وهناك أعمال حققت نجاحًا كبيرًا لأنها جمعت تلك العوامل سويا مثل "أم كلثوم" و"ناصر 56" و"أيام السادات" وغيرها. البحث عن المضمون أما الناقد أحمد سعد الدين فيقول إن التزوير يحدث عندما يغير الفيلم الحقائق لا عندما يختار ممثل لا يشبه الشخصية. وهناك فرق كبير بين شكل الممثل والمضمون الذي يقدمه، فالممثل ليس مطلوبًا منه أن يكون نسخة مطابقة من الشخصية، بل أن يفهمها ويعيد صياغتها بطريقة تصل للجمهور. فلو كان التطابق هو الأساس، لنبحث إذن عن أشخاص مشابهين في الشارع ونضعهم أمام الكاميرا. فالسينما ليست مسابقة شبه بل اختبار لقدرة الممثل على التحول. ويرى سعد الدين أن جزءًا كبيرًا من الجدل نابع من توقعات الجمهور، لأن محبة شخصية ما تجعل المشاهد حساسًا لأي اختلاف بصري، لكنه يعتبر ذلك رد فعل مفهوم وليس معيارًا يمكن البناء عليه فنيًّا. فالتجارب الكبيرة في أفلام السيرة دائمًا ما اعتمدت على ممثلين أعادوا ابتكار الشخصية لا استنسخوها. فالتقمص لا يعني التقليد الحرفي بل فهم دوافع الشخصية ومناطق ضعفها وقوتها. يشير سعد الدين إلى أن بعض الممثلين صنعوا علامات في تاريخ أفلام السيرة رغم أنهم بعيدون تمامًا عن الشكل الأصلي، لأن ما قدموه كان مزيجًا متوازنًا بين الصدق الداخلي والانضباط الفني. فغياب التطابق ليست مشكلة في حد ذاته، فالمشكلة تكون فقط عندما يعجز الأداء عن سد الفجوة بين صورة الممثل وصورة الشخصية في ذهن الجمهور. اقرأ أيضا: بعد الهجوم عليها بسبب «الست».. نجوم الوسط الفني يدعمون منى زكي