وسط عشرات الأعمال الدرامية التى تلاحق مشاهدى التليفزيون ليلا ونهارا.. تبقى مسلسلات السيرة الذاتية الأكثر إثارة للجدل، فأحيانا يجد أبطالها أنفسهم مضطرون للدخول فى مقارنة جماهيرية مع صاحب الشخصية.. وأحيانا أخرى يتعرضون لملاحقات أسر صاحب الشخصية لهم فى حال رفضهم للعمل.. ورغم أن رمضان الحالى لم يشهد سوى عرض مسلسلين ينتميان إلى تلك الفئة وهما «أبوضحكة جنان» الذى يروى حياة الفنان الراحل إسماعيل ياسين، و«قلبى دليلى» الذى يقدم قصة حياة الفنانة الراحلة ليلى مراد، فإنهما أثارا ضجيجا كبيرا بين مؤيد بشدة للعملين، ورافض لهما لعدم وجود تشابه فى الملامح أو مجرد تقارب مع روح الشخصية الأصلية. أحمد الإبيارى، مؤلف «أبوضحكة جنان» دافع عن مسلسله ضد حملات النقد اللاذعة التى تعرض لها قائلا: يهمنى رأى الجمهور فى المقام الأول لأننى أقدم العمل له وأيضا يهمنى أن يثير العمل إعجاب النقاد، لكن الجمهور سيظل الأهم وأرى أن المشاهدين يستمتعون جدا بالعمل حتى الآن وقد حقق المسلسل أعلى نسبة مشاهدة، وهذا يكفى. ويضيف الإبيارى: كيف نأتى بشخص يتطابق مع رجل كانت إحدى مميزاته هى شكله وتعابير وجهه المختلفة تماما، ثم إنه فى مسلسل «العندليب» كان الشكل متطابقا ولكن العمل فشل، وهذا يدل على أن الشكل شىء ثانوى وسيظل تقديم روح الشخصية هو الأهم، مهما قيل. وأبدى الإبيارى تعجبه من النقد الذى وجه للمسلسل بأن شبكة علاقات إسماعيل ياسين فى المسلسل محدودة للغاية، وتساءل: كيف يقال ذلك وكل حلقة تجد أكثر من 10 ممثلين جدد، كما أننى عرضت لعلاقاته فى السويس ولبنان وسوريا والسيدة زينب ومسرح بديعة ومع زملائه وعلاقات أخرى كثيرة فكيف كانت علاقات محدوده إذن؟! ورأى الإبيارى أن الذين عابوا على أشرف عبدالباقى استخدامه لإفيهات إسماعيل ياسين فى حياته العادية لم يرون «سمعة» فى الحقيقة ولم يتعاملوا معه.. لأن إسماعيل كان يعيش بنفس الطريقة فى مواقف كثيرة وخصوصا مع زملائه وحتى مع الباعة فى المحال فكانت روحه المرحة التى كنا نراها على الشاشة تصاحبه فى حياته الخاصة أيضا.. وقد نجح أشرف عبدالباقى فى تجسيد شخصية إسماعيل وتطابق معه بنسبة 80% وهذا نجاح كبير. تربص النقاد أمام محمد عبدالعزيز، مخرج المسلسل فقال إن علاقة الجمهور بالشخصية التى يرونها أو تعاملوا معها تجعلهم أشد تربصا للعمل من الشخصيات التى لم يروها وقرأوا عنها فقط فى كتب التاريخ كصلاح الدين الأيوبى وخالد بن الوليد مثلا فهى شخصيات لم يتم التعايش معها بأى صورة وكل ما يعرفه الجمهور عنها هو معلومات وانطباعات مأخوذة من الكتب، لذلك يكون الجمهور رحيم أكثر مع الممثل الذى يؤدى هذه الشخصيات أكثر من لممثل الذى يؤدى شخصية معاصرة عرفها الناس عن قرب. وأضاف أن شخصية مثل إسماعيل ياسين بينه وبين الجمهور علاقة نتجت عن أفلامه، ولكن الجمهور فى نفس الوقت لا يعلم الكثير عن خفايا حياة إسماعيل ياسين، لذلك ليس لهم الحق فى أن ينصبوا أنفسهم حكاما على ما قدمه أشرف عبدالباقى دون معرفة أن ما تم تقديمه ليس تقليدا بل هو بالضبط ما كان يفعله إسماعيل ياسين فى حياته وهذا معروف لمن يريد أن يرى ويسمع فى لقاءات إسماعيل التليفزيونية والإذاعية، كما أن أشرف «لا نكت ولا استظرف» بالعكس الموضوع بأكمله تراجيدى ومأساوى. واستطرد قائلا: إن ما أردنا إبرازه وظللنا نعمل عليه لمدة عام ونصف العام بمجهود كبير، هو كيف عاش هذا العظيم كل تلك المآسى والمواقف التراجيدية ولم تفارق الابتسامة شفتيه، وكان له تأثير كبير فى جميع من حوله، وكان أيضا أستاذا فى فن المونولوج الذى يعد أحد أساطينه. وقال محمد عبدالعزيز إنه لاحظ تربص بعض الأقلام بالعمل، ومنها أن أحد النقاد كتب يقارن بين أداء صلاح عبدالله فى «أبوضحكة جنان» وأدائه فى «الأدهم» قبل أن يظهر صلاح من الأصل فى المسلسل مع أشرف!.. فالناقد كتب ذلك فى الحلقة 8 ويبدأ ظهور صلاح فى الحلقة 13!. وشدد عبدالعزيز على أن مسسلسل السيرة الذاتية ليس تقليدا أبدا بل هو محاكاة للواقع، فمجدى كامل لم يكن عبدالناصر وأحمد زكى لم يكن السادات 100% ولكن المطلوب هو الروح والتفاصيل والدراما والحياة التى تعيشها الشخصية.. ويجب على الممثل أن يصنع حالة من التواصل مع روح الشخصية ليخلق ما يسمى دراميا «التصديق».. مؤكدا أنه لم يستخدم «ماسكا» كاملا لإسماعيل ياسين لأنه لا يجد مشكلة فى الشكل بقدر الروح. النقاد يصطادون الأخطاء مجدى صابر، مؤلف «قلبى دليلى» يرى أن المسلسل حتى الآن حقق نجاحا كبيرا مع الجمهور، وحصد ردود أفعال متميزة لأن العمل يحتوى على صورة رائعة ودراما جيدة وجميع الممثلين أجادوا على حد رأيه. وأعرب صابر عن دهشته من آراء بعض النقاد الذين هاجموا المسلسل واتخذوا موقفا سلبيا منه بتركيزهم على بعض السلبيات الهامشية وتجاهل كل الإيجابيات التى ظهرت به، ومنها التأريخ الذى قام به والفترة التى حاول رصدها، ورأى أيضا أنهم نظروا فقط لصوت صفاء سلطان وإلى عدم التشابه بينها وبين ليلى مراد. واعتبر مؤلف «قلبى دليلى» أن عدم التشابه بين صفاء سلطان وليلى مراد مسألة ثانوية بحتة لأن العمل يحتوى على تفاصيل كثيرة مهمة وأكبر من مجرد التطابق الشكلى.. كما أن هناك أعمال سيرة اهتموا فيها بالشكل على حساب الروح ولكنها فشلت فشلا ذريعا، ولكن البعض لا يرضيه شيئا. وأشار صابر إلى أن مشكله ليلى مراد أنها تعيش مع الجمهور حتى الآن كل يوم فى أفلامها وأغانيها، عكس أسمهان، على سبيل المثال، والتى لم يتوغل الجمهور معها فى علاقة شخصية تسمح له بالحكم على شكلها وتصرفاتها مثلا لأن تاريخها السينمائى قليل للغاية. وتساءل صابر: من أين نأتى بممثلة تتطابق مع ليلى؟.. هل نستنسخها؟!.. فصفاء جاهدت كى تحاكى الشكل وما قدمته هى وفلوكس يثير الإعجاب، والمهم فى عمل الاثنين أنهما حافظا على روح الشخصية. ودافع صابر عن اختيار نهاية المسلسل فى عام 1955، وهى السنة التى اختارت فيها ليلى مراد أن تعتزل الأضواء، موضحا أنا ما قيل إنها تعرضت لأزمات مادية اضطرتها لأن تحاول العمل مرة أخرى كلام غير لائق التعرض له، خصوصا أنها اعتزلت فى أوج مجدها ونجاحها وكان يجب الاحتفاظ بهذه الصورة لها على مر الأجيال.. وأكد صابر أن السيرة الذاتية فخ كبير بلاشك لأن هناك مناطق كثيرة يصعب الخوض فيها، خصوصا إذا كان للفنان ورثة، موضحا أنه لو وجد عمل سيرة ذاتية مهمة سيقدمها ولكن ليس قبل عدة سنوات لأن «قلبى دليلى» استنفده للغاية. سيرة وطن محمد زهير، مخرج «قلبى دليلى» قال إنه لا يقدم ليلى مراد أو أنور وجدى ولكنه استخدم كل تلك الشخصيات كبوابة لعصر ملىء بالأحداث السياسية والاجتماعية التى شكلت نقط تحول كبيرة فى تاريخ مصر والعالم العربى. وأضاف: أحب أن أشدد على أن أهم شىء فى ذلك العمل هو روح الشخصية والعصر فى وقت واحد لأنه مستحيل أن نأتى بفنانة تتطابق مع ليلى مراد، كما أن قضيتى الكبرى هى العصر الذى عاشت فيه وتناولنا فى المسلسل قضايا كثيرة مهمة مثل «قيام دولة إسرائيل، ودور اليهود العرب فى ذلك وهى قضية جريئة خشيت الدراما أن تتناولها قبل ذلك والثورة الاقتصادية على يد طلعت حرب وثورة 19 وتحرير المرأة»، وفى كل هذا لا يهمنى على الإطلاق شكل ليلى مراد أو أنور وجدى أو راقية إبراهيم.. الأهم هو كيف عاش الوطن تلك الفترة». تجربة أنتونى كوين ويقول الناقد كمال رمزى: أشرف عبدالباقى أجاد كثيرا فى الشخصية واقترب منها، ولكن المشكلة كانت فى الكتابة التى لم تتطرق لأبعاد كثيرة فى العصر، ومنها مثلا علاقته بعائلة صديقه أبوالسعود الإبيارى الذى ظهر ككاتب وصديق للبطل فقط وليس كشخصية تحمل أبعادا مختلفة ولها حياتها، ولو أن المؤلف اهتم أكثر بتفاصيل وأبعاد العصر لتغير الموقف قليلا. وحول دور الفنان أحمد فلوكس، قال إنه أجاد واقترب كثيرا من أنور وجدى ولكنه مازال «أخضر العود» طريا لم يتعلم بعد قيمة الاختصار فقد لمس الجمهور قدرا من الإسراف فى حركة الرأس وتحريك الذراعين ولكنه فى النهاية لديه مستقبل. وفيما يتعلق بمسلسل «قلبى دليلى» شدد كمال رمزى على أن اختيار صفاء سلطان لأداء الشخصية من الأصل لم يكن موفقا.. لأنها ليست ليلى مراد على جميع المستويات وهذا ما أضعف الشخصية فى الأساس. ورأى رمزى أن صعوبة مسلسلات السيرة الذاتية تكمن فى أن الشخصية تنقسم إلى وجهين؛ روح وشكل، وإذا أمسك الممثل بالاثنين وإلا فيكون هناك نقص، وتلك المسئولية تقع على عاتق المؤلف والممثل والمخرج معا.. فالأول يكتب ويرسم الصورة العريضة للشخصية ولعصرها بكل تفاصيله، والثانى يتلقى الورق ويدرسه ويقدم رؤيته للشخصية ممزوجة مع رؤية المؤلف، ثم يأتى المخرج ليكون المايسترو الذى يعزف بكل تلك الآلآت لأنه صاحب التوجيه والرؤية الأخيرة. وأضاف رمزى: على سبيل المثال، سليمان الحلبى لم تكن له صورة ولذلك من حق العمل الفنى أن يتخيله كيفما شاء، ولكن يمكن استنباط حياته والدوافع التى أدت إلى قيامه بقتل الجنرال كليبر من خلال الكتب التى خرجت من عصره وبهذا يتوفر لصناع العمل أن يصبوا اهتمامهم على روح الشخصية فقط.. أما إذا قدمنا حياة نجيب محفوظ فلن تتوافر لنا حرية اختيار ممثل يختلف عنه فى الشكل.. وهذا هو التحدى فى أعمال السيرة الذاتية هذا العام وهو أن تقوم باستحضار الروح والشكل معا. وضرب مثلا بالممثل الكبير أنتونى كوين عندما تصدى لدور عمر المختار.. وقال إنه فكر كثيرا أن يرفض ذلك العمل نتيجة للقراءات المتضاربة التى طالعها عن المختار.. والتى انعكست عليه حيث لم يستطع استبيان رؤية واضحة عن تفاصيل روح ذلك الرجل وكيف كان يعيش بين الناس حتى وصلته فكرة أن هذا الرجل كان يحمل بين ضلوعه وقلبه نورا وضياء. فاستشعر طوال العمل ذلك النور وتعامل وكأنه يحمل هو الآخر نفس الضياء وقال فى كثير من الحوارات إنه استشعر ذلك الإحساس حتى عندما قدم مشهد الإعدام.