طارق الطاهر مما لا شك فيه أن افتتاح المتحف الكبير سيستتبعه مجموعة من الأحداث والفعاليات، التى تلقى الضوء أكثر على تراثنا وحضارتنا، وبالتالى ننشط ما يمكن أن نطلق عليه «الذاكرة الوطنية» التى تحتاج من وقت لآخر إلى ما ينعشها، لاسيما أن هناك مشروعًا أستطيع أن أقول بكل فخر إنه أكبر من «المتحف الكبير» نفسه وهو معركة «الوعى» التى تتبناها القيادة السياسية، ويأتى هذا المتحف وغيره من المشروعات الكبرى من أجل هذه المعركة، التى هى فى حقيقة أمرها تشكل «وعيًا مجتمعيًا»، بماضينا وحاضرنا، من أجل مستقبل، يدرك الحقائق ويبنى عليها. فى هذا الإطار، تأتى سعادتى بالكتاب الذى أصدرته د. الشيماء محمد عيد، ابنة واحد من أهم رجال الثقافة المصرية عامة، والثقافة الجماهيرية على وجه الخصوص. سر «السعادة» أن الشيماء وهى ابنة لهذا المتحف، شاهدته وهو يكبر أمام عينيها، وهى الأخرى كبرت معه، لاسيما على المستوى العلمى، لتحصل على الدكتوراه فى الكيمياء العضوية من جامعة القاهرة، وهى تتولى حاليا منصب رئيس جهاز السلامة والصحة المهنية بالمتحف المصرى الكبير، فضلًا عن كونها واحدة من الخبراء فى مجال الاستدامة وإدارة الأزمات، وحاصلة -كذلك- على شهادات دولية فى مجال المبانى الخضراء من مؤسسة التعاون الدولى. سر «السعادة» أيضًا، أنها تفهمت المغزى الكامن وراء هذا المتحف، وعندما أصدرت كتابها «المتحف المصرى الكبير.. هدية مصر للعالم» والصادر فى سلسلة «حكاية مصر» عن هيئة قصور الثقافة، لم تبدأ دراستها بالحديث عن المتحف الكبير، بل توقفت فى فصل متكامل عند «نشأة المتاحف المصرية وتطورها» فى إشارة واضحة إلى أن هذا المتحف جاء لتتويج مسيرة من العطاء والتميز، انفردت بها الدولة المصرية عن غيرها من شعوب العالم، بامتلاكها أسرار «الحضارة القديمة» عبر عصورها المختلفة، وتمكنها من بيان هذا الامتلاك، عبر مجموعة متنوعة من المتاحف، كما توقفت «الشيماء» عند تاريخ إنشاء «المتحف الكبير» وما استتبعه من جهود مضنية بسواعد مصرية، قادرة على الإنجاز بحرفية يشهد لها الجميع، هذه الحرفية أوصلتنا لهذا العرض المبهر، الذى يروى -على حد تعبير مؤلفة الكتاب- قصة مصر القديمة مما قبل الأسرات إلى العصرين اليونانى والرومانى، عبر كنوز مثل: مجموعة حنب حرس، ومراكب خوفو، من البهو الرئيسى إلى الدرج العظيم، قاعات توت عنخ آمون، القاعات الدائمة والمؤقتة، متحف الطفل، ومتحف مراكب خوفو، وتضيف فى إطار شرحها لمقتنيات المتحف: «ينسج المتحف سردًا يمزج الحقيقة التاريخية بالإبداع العرضى باستخدام تقنيات حديثة، يصحح المفاهيم الخاطئة، يشعل خيال الزوار، ويضع مصر فى قلب المشهد الثقافى العالمى». إن هذا المتحف مشروع طموح، لا يتوقف عند افتتاحه، بل لا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذا المشروع بدأ لحظة الافتتاح، فهذه اللحظة ليست نهاية، بل بداية لعمل شاق، نسعى من خلاله إلى تنمية شاملة، متخذين من هذا الصرح المولود «عملاقا»، أداة فاعلة من أدوات التنمية الشاملة.