سميحة شتا أعاد قرار مجلس الأمن الدولى الصادر يوم الاثنين الماضى بشأن غزة فتح النقاش داخل الساحة الفلسطينية حول موقع كل من السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة فى المرحلة المقبلة، بعد أن تمكّنت الولاياتالمتحدة من تمرير مشروع قرار يستند بصورة مباشرة إلى خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن غزة، حسبما كما أكدت شبكة CNN فى تقريرها المنشور فى 17 نوفمبر 2025. شكّل القرار الذى حصل على تأييد 13 عضوًا وامتناع الصينوروسيا عن التصويت من دون استخدام الفيتو، تحوّلًا لافتًا فى الموقف الدولى، إذ يمثل أول محاولة لإضفاء شرعية أممية على خطة أمريكية مؤلفة من عشرين بندًا، سبق لواشنطن أن دفعت باتجاه اعتبارها الإطار الرئيسى لوقف إطلاق النار فى غزة وإعادة ترتيب أوضاع القطاع. اقرأ أيضًا | غزة.. «2803» قرار أممى تحت الاختبار |إسرائيل.. ارتياح نسبى.. ورفض سياسى واسع السلطة الفلسطينية تابعت التصويت باهتمام بالغ، إذ رأت فى مضمون القرار فرصة لإعادة إدماجها فى مسار سياسى كانت مهمّشة عنه خلال الأشهر الأخيرة من الحرب. وبحسب CNN، فإن إدارة ترامب دفعت بقوة لتمرير القرار، معتبرة أنه قادر على تحويل الهدنة الهشة فى غزة إلى سلام مستدام وبرنامج لإعادة إعمار القطاع. هذا الطرح وجد صدى داخل أروقة السلطة فى رام الله، التى حاولت منذ بداية الحرب الإصرار على أن أى ترتيبات أمنية أو سياسية فى غزة يجب أن تتم تحت مظلة فلسطينية موحّدة. ومن هنا، بدا واضحًا أن السلطة تتعامل مع القرار باعتباره اعترافًا دوليًا بأن المرحلة المقبلة لا يمكن أن تكون خارج إطار مؤسسات منظمة التحرير، رغم علمها بأن الخطة الأمريكية تتضمن بنودًا لا تنسجم مع رؤيتها التقليدية، خصوصًا تلك المرتبطة بترتيبات الأمن الداخلى وتقييد نفوذ الفصائل المسلحة. ورغم الترحيب الرسمى الفلسطينى الحذر بالتصويت، فإن القيادة فى رام الله تواجه معضلة مزدوجة: فمن جهة، يُتوقّع منها الانخراط فى مفاوضات تطبيقية على أساس الخطة الأمريكية، ومن جهة أخرى، عليها التعامل مع رفض قطاعات واسعة من الشعب الفلسطينى لأى خطة يُنظر إليها باعتبارها نتاجًا للنفوذ الأمريكى المطلق على مسار الحرب. وتقول مصادر دبلوماسية عربية إن السلطة تخشى، فى حال رفضت القرار أو تحفظت عليه بشدة، أن تتجاوزها واشنطن مجددًا فى إعادة ترتيب الأوضاع داخل القطاع، كما حدث خلال الشهور الأولى من الحرب. لذلك، تبدو السلطة ماضية فى استراتيجية «القبول المشروط»، أى الاستفادة من الغطاء الدولى دون الانخراط فى التزامات تمسّ مكانتها السياسية أو تتعارض مع برنامجها الوطنى. على الجانب المقابل، جاء موقف فصائل المقاومة، وفى مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامى، أكثر تعقيدًا وتمايزًا. فبينما تنظر هذه الفصائل إلى القرار باعتباره جزءًا من مشروع أمريكى يستهدف إعادة هندسة غزة سياسيًا وأمنيًا، إلا أنها تدرك فى الوقت ذاته أن تجاهل القرار لن يكون ممكنًا، خصوصًا أنه يحمل لأول مرة منذ سنوات موافقة واسعة داخل مجلس الأمن. وبالنسبة لحماس تحديدًا، فإن القرار يُقرأ على أنه محاولة لفرض عملية سياسية جديدة تستبعد سيطرتها على القطاع، أو تقلّصها إلى ما دون دورها الحالى، عبر وضع ترتيبات أمنية دولية وعربية قد تشمل قوات مراقبة أو إشرافًا خارجيًا على إعادة الإعمار. وتشير تحليلات إسرائيلية وأمريكية نشرتها وسائل إعلام خلال الأسابيع الماضية إلى أن خطة ترامب تتضمن بنودًا تقيد نفوذ الفصائل المسلحة وتدفع نحو تشكيل إدارة محلية جديدة بإشراف دولى. وبذلك، ترى المقاومة أن القرار ليس اعترافًا بصمودها، بل محاولة لاستثمار وقف إطلاق النار لفرض وقائع سياسية تتجاوز نتائج الحرب الميدانية. ومع ذلك، لم تظهر الفصائل موقفًا موحدًا حتى الآن؛ إذ تتعامل بعض القيادات داخل حماس مع القرار باعتباره فرصة لإدخال الحركة فى معادلة الحكم الفلسطينى عبر قنوات تفاوض غير مباشرة، فيما تعتبره قيادات أخرى تهديدًا مباشرًا لوجودها داخل غزة. وتبرز هنا إشكالية داخلية تتعلق بمدى استعداد المقاومة لقبول أى دور للسلطة فى غزة فى المرحلة القادمة. فبينما يصرّ الرئيس محمود عباس على أن السلطة وحدها هى الجهة الشرعية القادرة على إدارة القطاع - سواء عبر حكومة توافق أو حكومة تكنوقراط - ترى المقاومة أن عودة السلطة بهذه الطريقة قد تُمكّن واشنطن وتل أبيب من فرض ترتيبات أمنية تستهدف قدراتها العسكرية وهذا التباين يعكس تاريخًا طويلًا من الانقسام الذى انفجر منذ عام 2007 ولم تُثمر محاولات المصالحة المتكررة عن إنهائه. ولعل ما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن القرار الأممى لم يحدد بدقة كيفية تطبيق بنود خطة ترامب، ولا شكل القوة الأمنية التى ستتولى مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، ولا الجهة التى ستدير عملية إعادة الإعمار، وهى ملفات حساسة ترتبط بشكل مباشر بتوازنات القوة بين السلطة والمقاومة. مصادر دبلوماسية تحدثت لوسائل إعلام غربية، بينها CNN، أشارت إلى أن واشنطن تعوّل على دعم عربى واسع، خصوصًا من مصر وقطر والسعودية والإمارات، لإنجاح الخطة. وهذا الدعم قد يخلق معادلة جديدة تضغط على الفصائل للانخراط فى مسار سياسى، حتى إن كانت ترفضه مبدئيًا. فى الشارع الفلسطينى، تلقّى القرار بقدر من الريبة والتساؤل. فالكثيرون يرون أن خطة ترامب التى تبنّاها القرار لا تُلزم إسرائيل فعليًا بوقف استهداف المدنيين أو رفع الحصار، كما أنها لا تتضمن أى آلية واضحة لمحاسبة تل أبيب على انتهاكاتها المتكررة. وهو ما يدفع قطاعات واسعة من الفلسطينيين إلى الشك فى أن القرار قد يتحول إلى غطاء دبلوماسى لإدارة الأزمة لا لحلها. ولكن فى المقابل، هناك رأى آخر يقول إن أى تدخل دولى يمكن أن يوقف القصف ويفتح باب المساعدات يعدّ خطوة ضرورية، مهما كانت عيوبها، فى ظل الوضع الإنسانى الكارثى فى غزة. وتدرك السلطة والمقاومة على حد سواء أن مجلس الأمن بتركيبته الحالية، كما يظهر من خلال تصويت روسياوالصين بالامتناع بدل استخدام الفيتو، أصبح يميل إلى منح الولاياتالمتحدة مساحة أكبر فى إدارة الملف الفلسطينى، وهو تحول قد يعيد صياغة قواعد اللعبة الدبلوماسية والإقليمية. وربما يشير هذا الامتناع - كما ذكرت CNN - إلى تفاهمات دولية ضمنية حول ضرورة إنهاء الحرب بأى ثمن، حتى لو كان ذلك عبر خطة أمريكية مثيرة للجدل. بناءً على ذلك، يبدو الفلسطينيون اليوم أمام مفترق طرق سياسى غير مسبوق. فالسلطة تسعى لاستغلال القرار لتعزيز شرعيتها واستعادة دورها، بينما تحاول المقاومة منع أى ترتيبات تنتقص من نفوذها. وفى ظل غياب رؤية فلسطينية جامعة، يخشى مراقبون من أن تتحول المرحلة المقبلة إلى صراع نفوذ داخلى تزداد حدته كلما اقترب موعد تطبيق البنود العملية للخطة الأمريكية أو خطوات إعادة الإعمار. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن القرار يحمل أيضًا فرصة - وإن كانت محدودة - لإعادة بناء النظام السياسى الفلسطينى ضمن صيغة جديدة تجمع بين الدور الدولى المتزايد، والحاجة إلى ترتيب البيت الداخلى، والضغط الشعبى المتصاعد لإنهاء الانقسام. فاللحظة التى خلقها قرار مجلس الأمن، بما فيه من دعم دولى غير مسبوق لخطة مثيرة للجدل، قد تكون مناسبة لإعادة طرح سؤال الوحدة الوطنية، وإن كان ذلك يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين السلطة والمقاومة وفق قواعد جديدة وواقعية. فى النهاية، يكشف القرار الأممى - كما أوردت CNN - أن واشنطن نجحت فى تحويل رؤيتها لغزة إلى إطار دولى، لكن نجاح تطبيقه على الأرض سيظل مرهونًا بمدى قدرة الفلسطينيين على توحيد موقفهم، والتعامل مع الخطة الأمريكية لا كقدر مفروض، بل كمجال للمناورة السياسية يتيح لهم الحفاظ على ما تبقى من مشروعهم الوطنى فى لحظة شديدة التعقيد.