حسام بركات فى الرابع والعشرين من شهر نوفمبر من كل عام تتجدد ذكرى رحيل صوت أسر الألباب بتلاوته الخاشعة، هو الشيخ محمود الحصرى، الذى كان بمثابة نبراس يضيء دروب المؤمنين ويهديهم إلى طريق الحق بكل ما فيه من جمال وخشوع؛ رغم مرور السنوات، ما زالت حنجرته الذهبية تتردد فى أنحاء العالم.. فى هذا الحوار نلقى الضوء على جوانب من شخصيته وحياته. اقرأ أيضًا | «الأوقاف» تحيي ذكرى ميلاد رائد التلاوة الشيخ محمود خليل الحصري كيف كانت بداية اكتشاف موهبة الشيخ الحصري؟ أبى رحمة الله عليه كان موهوبًا بالفطرة، وقد ظهرت هذه الموهبة عندما التحق بكُتاب القرية لحفظ القرآن الكريم، فقد وجد فيه شيخ الكُتاب: قوة الحفظ، وفصاحة اللسان، ودقة المخارج، وسلامة الحروف، مع حسن صوت، وجودة تلاوة لا تكلف فيها، فصار يصطحبه معه فى إحياء الليالى بالتلاوة فى القرى المجاورة. هل بالفعل لقب الحصرى لكثرة تصدقه بالمصليات فى المساجد؟ «الحصرى» لقب لعائلة الشيخ، نشأ عن صنعة جده الكبير، فقد كان رحمه الله ينسج الحصر المصنوعة من الخوص، وأما التصدق بالحصر لفرش المساجد، فكان من عادة والده الشيخ رحمه الله، وفى اليوم الذى فرش فيه الجامع الكبير بشبرا النملة بالحصير، رأى رؤيا أنبأته عن اصطفاء الله لولده ليكون من أهل القرآن، أهل الله وخاصته. متى بدأ يذيع صيت الشيخ الحصرى ؟ الشيخ الحصرى رحمه الله ولد فى عام 1917م، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو فى سن العاشرة، وقد بدأ صيته يذيع فى قريته والقرى المجاورة لها فى تلك الحدود تقريبًا، يعنى من عام 1927م وما بعدها، لكن شهرته بدأت تأخذ منحى أكبر وأوسع، بعد تخرجه من المعهد الأحمدي، عام 1938م، حيث تخطت شهرته محافظة الغربية، لتصل إلى أقصى الصعيد، مما كان تمهيدًا لاعتماده فى الإذاعة عام 1944م، وعمره سبع وعشرون عامًا، ليصبح ذائع الصيت فى مصر كلها، بل وفى العالم الإسلامى كله، وقد اختير رحمه الله تعالى قارئًا للسورة بالجامع الحسينى عام 1955م، ليكون التعيين إشارة على مكانة الشيخ واصطفائه، فقد حضر إليه شيخه فى القرآن وفى التصوف: الشيخ على الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية آنذاك، ليطلب منه الانتقال بأهله للقاهرة، لأن شأنًا مهمًا ينتظره، وما إن استقر بالقاهرة حتى فوجئ بقرار اختياره قارئًا للجامع الحسيني، بعد أن قارنت لجنة من أكابر العلماء بينه وبين عشرة من كبار القراء، ليقع اختيارهم عليه هو، وبالإجماع، ولذلك لم يتنازل الشيخ عن هذه الوظيفة إلى وفاته، لأنها جاءته من طريق الإشارة الباطنة. كيف أُلحق بالإذاعة المصرية ومنَ شجعه على ذلك؟ كان الذى نصحه بالتقدم لاختبارات القراء بالإذاعة: أحد المشايخ الكبار بمدينة طنطا، وقد اعتمد عن جدارة فى الإذاعة المصرية، وأذيعت أول تلاوة له بها فى يوم الخميس، غرة ذى الحجة الحرام 1363ه، الموافق: 16 نوفمبر عام 1944م. كيف جاءت قراءته للقرآن فى الكونجرس؟ الشيخ الحصرى رحمه الله كان حاضرًا وبقوة فى الشأن الدينى العام، فيما يتعلق بالقرآن الكريم، ولذلك قرر الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر آنذاك: اصطحابه ضمن وفد مشيخة الأزهر، لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1978م، وهناك افتتح الشيخ جميع اللقاءات بتلاوة آيات الذكر الحكيم، حتى طلب منه الرئيس الأمريكى جيمى كارتر أن يقرأ القرآن فى البيت الأبيض، كما أذن لصلاة الظهر فى قاعة الكونجرس ليكون القارئ الأول، بل والوحيد الذى تتاح له هذه الفرصة. هل تقاضى الشيخ الحصرى أجرًا على تسجيله للقرآن الكريم؟ كل من حضر هذا الحدث العظيم، أعنى الجمع الصوتى للقرآن الكريم، يعرف تمام المعرفة أن الشيخ الحصرى رحمه الله لم يتقاض أى أجر عن تسجيل المصحف المرتل، بل إنه رفض ذلك، وقال: لا أتقاضى أجرًا عن كتاب الله، ولعل الله كافأه بأن أبقى ذكره بين العالمين بسبب إخلاصه لربه ولكلام ربه. بماذا أوصى قبل وفاته؟ الشيخ الحصرى رحمه الله كان صاحب صفات مميزة فى كل جوانب حياته، لكن أكثر ميزة فيه أنه كان شخصية تتجه إلى الله تعالى بكل ما تستطيع، ولذلك لم يكن يهتم بالأمور الدنيوية، بل الدنيا وما فيها بالنسبة له، كانت مجرد وسيلة يستعملها فى مرضاة الله، وفى خدمة كتاب الله، ودائمًا ما كان بيته مفتوحا للقراء، وأهل القرآن صغارا وكبارا، ويقصده الناس من كل مكان، وما رد واحدا من أصحاب الحاجات أبدا، مهما كانت حاجته، ولا يسأل لماذا أنت محتاج، ولا يتحقق من الحاجة، بل كان يعتبر مجرد الطلب والسؤال من أى شخص بمثابة رسالة من الله واجبة التنفيذ، وقد أنشأ فى قريته مسجدًا ومعهدًا أزهريًا على نفقته الخاصة، كما أوصى رحمه الله بثلث ثروته للإنفاق على أهل القرآن، وأعمال البر والخير. ماذا كانت أبرز نصائحه لكم؟ كان يوصينا دائمًا بصحبة القرآن، ويشجعنا على ذلك بالجوائز الأدبية والمالية، ويتولى تسميع المحفوظ لنا بنفسه، فلم تكن أعماله تشغله عن هذه المسئولية تجاه أولاده.