أول من قرأ القرآن فى البيت الأبيض والكونجرس الأمريكى والأممالمتحدة وقاعة الملوك بلندن، وأول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند وباكستان، ورتل القرآن فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم. يُعد القارئ الشيخ محمود خليل الحصرى ثالث أشهر قارئ للقرآن الكريم فى تاريخ مصر بعد معجزة التلاوة محمد رفعت وصاحب الصوت الذهبى الشيخ عبدالباسط عبد الصمد، ولد الشيخ الحصرى بقرية شبرا النملة بمركز طنطا بمحافظة الغربية، فى الأول من ذى الحجة لعام 1335ه، الموافق 17 سبتمبر لعام 1917م، واشتُهر بالحصرى؛ لما اشتهر به والده من كثرة التصدق بحصير المصليات والمساجد، والتحق الشيخ بكتاب القرية وهو فى الرابعة من عمره، وأتم حفظ القرآن الكريم مع بلوغه الثامنة، ثم التحق بالمعهد الدينى بطنطا فى عمر الثانية عشرة، وطلب علم القراءات على أكابر شيوخ وقراء الأزهر الشريف، حتى نال شهادة علوم القراءات العشر فى عام 1958م. 1- بدايته مع القرآن: كانت بدايته مع القرآن الكريم، عندما دعاه شيخ خفر قرية شبرا النملة لإحياء ليالى شهر رمضان فى بيته «بعدما ذاع صيته فى قريته»، ووعده بإعطائه ثلاثين قرشًا فى نهاية هذا الشهر، وكانت سعادته كبيرة، ثم قرأ القرآن ولأول مرة خارج قريته فى كفر الشيخ علىّ بكفر الريا طوال ثلاث ليال بمائة وعشرين قرشا، كان يقرأ القرآن فى مسجد قريته. فى عام 1944 تقدم للإذاعة المصرية بطلب لتحديد ميعاد لامتحانه أمام لجنة اختبار القراء وبالفعل تم تحديد الميعاد واجتاز الاختبار وتم التعاقد معه فى نفس اليوم، فكانت أول قراءة له على الهواء مباشرة يوم 16 نوفمبر عام 1944 وكان وقتها لا يزال مقيمًا بقرية شبرا النملة. فى عام 1948 عُين شيخًا لمقرأة سيدى عبدالمتعال فى طنطا، وبعدها صدر قرار تعيينه مؤذنا فى مسجد سيدى حمزة، إلا أن حبه لقراءة القرآن وتلاوته ولرغبته بأن يكون صيتًا مشهورًا فطلب أن يكون قارئا للسور بدلا من وظيفة مؤذن، فعدل القرار إلى قارئ فى المسجد مع احتفاظه بعمله فى مقرأة سيدى عبد المتعال. ليصدر بعد ذلك قرار وزارى لتكليفه بالإشراف الفنى على مقارئ محافظة الغربية، وفى 17 إبريل 1949م تم انتدابه قارئا فى مسجد سيدى أحمد البدوى فى طنطا، ثم انتقل إلى المسجد الأحمدى.فى عام 1955م ثم انتقل إلى مسجد الإمام الحسين فى القاهرة وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة سنة (1364ه – 1944م) وعُيّن مفتشًا للمقارئ المصرية (1377 ه – 1957م ) ثم وكيلًا لمشيخة المقارئ (1378 ه – 1958م) وتولى مشيخة المقارئ سنة (1381ه – 1961م)، كما عُيِّن خبيرًا بمجمع البحوث الإسلامية لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف، ثم رئيسًا لاتحاد قراء العالم عام 1967م، ومراجعا ومصححًا للمصاحف بمشيخة الأزهر (1379 ه – 1959م)، ظلت إذاعة القرآن بمصر تقتصر على صوته متفردًا حوالى عشر سنوات. 2- تسجيل القرآن على أسطوانات وشرائط كاست: كان الشيخ الحصرى بعيد النظر فى كثير من الأمور الخاصة بالعقيدة، فقد أحس بخطورة التبشير وحملات التنصير فى إفريقيا والتى بدأت تحرف فى القرآن، فأراد أن يكون القرآن مسجلا على شرائط كاسيت أو أسطوانات، فكانت رحلته مع الأستاذ لبيب السباعى وآخرين فتم تسجيل المصحف المرتل بصوت الشيخ الحصرى، وبعد أن رفض العديد من المشايخ والقراء للفكرة من بدايتها لاختلافهم حول العائد المادى منها، وبذلك أصبح الشيخ الحصرى أول صوت يجمع القرآن الكريم مرتلا على أسطوانات، كان ذلك براوية حفص، وقد تم تسجيل بعض السور التى عرضت على وزارة الأوقاف، التى وافقت على الاستمرار فى تسجيل المصحف مرتلًا كاملًا، وقد كتب لهذا التسجيل النجاح المنقطع النظير، ثم تم التسجيل برواية ورش عن نافع، ثم سجل الشيخ الحصرى القرآن مجودًا بصوته ثم مرتلًا برواية قالون والدورى، ثم سجل المصحف المعلم، وقد مكث مدة تقرب من العشر سنوات لتسجيل المصحف مرتلًا بالروايات المختلفة. ونجحت تلك الخطوات نجاحًا باهرًا، وقد منحه الرئيس عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967، تكريمًا له لتسجيله المصحف المرتل، كما نال تقدير الملوك والرؤساء فى العالم العربى والإسلامى. لم يسجل المصحف المرتل لحساب أى شركة من شركات القطاع الخاص أو لحسابه، ولكن لحساب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على أن يتولى المجلس توزيعه على إذاعات العالم الإسلامى، ولم يكن الشيخ الحصرى يسعى للعائد المادى قدر سعيه لنيل رضا الله، لدرجة أن الشيخ الحصرى قال: «إن النجاح الذى تحقق لم أكن أتوقعه، وهذا فضل من ربى على كبير». نادى الشيخ بإنشاء أماكن لتحفيظ القرآن فى جميع قرى ومدن جمهورية مصر العربية، كما نادى بضرورة إنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم لرعاية شؤونهم ومصالحهم. 3- مآثر الشيخ الحصرى فى عام 1954 اختارته الحكومة السعودية لافتتاح الحفل الرسمى لإضاءة مكةالمكرمة بالكهرباء، بدعوة رسمية، وفى عام 1960 كان أول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند وباكستان، وقراءة القرآن الكريم فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند، رشحته وزارة الأوقاف لمرافقة الرئيس جمال عبدالناصر، فى زيارته لبعض الدول الإسلامية فى آسيا كالهند وباكستان. وفى عام 1963م وفى أثناء زيارته لدولة الكويت عثر على مصاحف قامت اليهود بتحريفها، فتصدى – رحمه الله – لألاعيب الصهاينة، وفى عام 1965م قام بزيارة فرنسا وأتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم، وفى عام 1975م كان أول من رتّل القرآن الكريم فى العالم بطريقة المصحف المفسّر (مصحف الوعظ)، وفى عام 1977م كانت له زيارته الشهيرة للولايات المتحدة بصحبة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود لزيارة المراكز الإسلامية وافتتاح بعضها. وصحبه الإمام عبدالحليم محمود للقاء الرئيس الأمريكى جيمى كارتر الذى طلب من الشيخ الحصرى تسجيل المصحف المرتل، قبل أن يتشرف الكونجرس الأمريكى لأول مرة فى تاريخه، بتلاوة القرآن الكريم بداخله عبر صوت الشيخ محمود خليل الحصرى. كان أول من رتّل القرآن الكريم فى الأممالمتحدة أثناء زيارته لها بناءً على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية، وفى عام 1978م كان أول من رتّل القرآن فى قاعة الملوك بلندن، وسافر إلى جميع الدول العربية والإسلامية وكذلك روسيا والصين وسويسرا وكندا وأغلب عواصم العالم، وقد استقبله أغلب زعماء العالم. وفى عام 1980 عاد من رحلته من السعودية مرضيا، وقد ذاد عناء السفر وإجهاده من مرضه الذى كان يعانى منه وهو القلب، واشتد المرض عليه ونصح الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب وقد تحسنت حالته فعاد إلى منزله، إلا أنه توفى يوم الإثنين 24 نوفمبر سنة 1980 فور انتهائه من صلاة العشاء. شيّد الشيخ فى أواخر حياته مسجدًا، ومعهدًا دينيًّا، ومدرسةً لتحفيظ القرآن بمسقط رأسه، وأوصى فى خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحُفَّاظِه، وإنفاقه فى وجوه الخير.