مَن كان يتصور صفاء الجو بين مصر وقطر بعد سنوات من القطيعة وسوء العلاقات؟! وسبحان الله اتفقا وتصالحا، وتشابكت الأيدى من أجل القضية الفلسطينية، وتضخ الاستثمارات القطرية خيرا فى الاقتصاد المصرى بعد اتهامات بالاستهداف. الدرس المستفاد أن الخلافات العربية مهما اشتدت لا تدوم، الأرضية المشتركة بين الدول أكبر من الأزمات، وما يجمع الشعوب من تاريخ ومصير ومصالح، أقوى من أى محاولات لإشعال الفتن أو الصيد فى الماء العكر. ورغم ما يُثار من أحاديث «غير موثقة» عن توتر محتمل بين القاهرة والرياض، إلا أن من يعرف عمق العلاقة يدرك أنها عصية على العبث، فالعلاقات بين مصر والسعودية ليست مجرد تفاهمات وقتية، بل شبكة ممتدة من المصالح والمصير، ومهما حاول المتربصون وجماعة الشر النفخ فى رماد الخلاف، فلن يجنوا إلا الخيبة. أما بشأن ما يثار من خلافات حول مصير حماس والقضية الفلسطينية، فتعددت التحليلات وتشابكت الرؤى، لكن الحقيقة أن هناك إجماعًا إقليميًا ودوليًا على ضرورة نزع سلاح الفصائل وإعادة غزة إلى حضن الدولة الفلسطينية، غير أن تطبيق هذه الرؤية يحتاج إلى واقعية سياسية، فحماس بحضورها المسلح وتاريخها المعقد، ليست رقماً يمكن شطبه بسهولة من المعادلة. الجميع يتفق على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار، واستمرار وقف الحرب التى جعلت غزة جرحًا نازفًا فى جسد الأمة، والخطوة التالية كما تتناولها بعض الدوائر هى انتقال هادئ للسلطة، بأقل خسائر ممكنة، لأن الهدف ليس إقصاء طرف بل إنقاذ شعب. ذلك لا يعنى ان العلاقات على صفيح ساخن، فغدا او بعد غد -كما حدث فى مرات سابقة- يجلس الزعماء ويتعانقون ويتفقون، لأن ما بين دولهم أكبر بكثير من تحليلات لم يتم تاكيدها او نفيها من مصادر رسمية. ووسط كل هذا الحراك تبقى مصر اللاعب الرئيسى، ورؤيتها الثابتة تؤمن بأن قوة الأمة العربية فى توحيد الصفوف ونبذ التدخلات، وتغليب صوت العقل على الخلاف، فهى لا تبحث عن أدوار بقدر ما تسعى لتثبيت استقرار المنطقة، مدركة أن أمنها القومى يبدأ من أمن جيرانها، وأن اليد التى تبنى الجسور لا يمكن أن تهدمها. فى السياسة ليس عيبا إعادة ترتيب الاوراق فى زمن تتغير فيه الخرائط كل يوم، من القطيعة إلى الشراكة ومن الشك إلى الثقة، ويبقى المصير الواحد لا يحتمل الانقسام، وأن طريق المستقبل لا يُعبَّد إلا بالتفاهم لا بالخصام. وما بين التباعد والتقارب تتجلى الحكمة حين تتجاوز الانفعال إلى الفعل، وحين تُقدم المصلحة العربية على القرارات الانفعالية، وما حدث بين مصر وقطر ليس مجرد صفحة جديدة فى العلاقات الثنائية، بل نموذج على أن الحوار أقوى من الجفاء، وأن وحدة الموقف العربى هى السلاح الأصدق فى مواجهة الأزمات. فى زمن تموج فيه المنطقة بالاضطرابات، تبقى الرسالة الأوضح: حين تتكاتف العقول قبل الأيادى، يمكن للأمة أن تعيد لنفسها مكانتها، ولشعوبها الأمل فى غد أكثر استقرارا واتزانا .