شهد العقدان الأخيران من القرن الحادي والعشرين تصاعدًا واضحًا للدور القطري على المستوى الإقليمي في ظل تراجع الدورين المصري والسعودي، خاصةً بعد ثورات الربيع العربي والدعم القطري للتيارات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في دول الربيع العربي. ويعتبر البعض أن الدور الذي تلعبه قطر لا يتناسب مع حجمها؛ فهي تلعب دورًا كبيرًا باستخدام عدة وسائل وإستراتيجيات كبرى، مثل دعمها الفصائل والحركات الوطنية في المنطقة، سواء دعمًا ماديًّا أو لوجيستيًّا، كذلك ما تقوم به الأداة الإعلامية ممثلة في قناة الجزيرة القطرية التي توسع من نشاطها على المستوى الإقليمي والعالمي. يأتي ذلك مع تطور العلاقات بين قطر والنظام المصري الجديد ودفء العلاقات مع حركة حماس ودعم قطر القوي لها، والذي ألقي بظله في الآونة الأخيرة مع زيارة أمير قطر لقطاع غزة وحماس، والتي تبعتها العديد من الزيارات المكوكية المتبادلة لوفود من حكومة حماس والحكومة القطرية في مرحلة تشهد تطورًا كبيرًا في العلاقات، وبالتالي في الأهداف. وفي ظل هذا التصاعد، فقد بدت قطر كداعم مادي رئيسي مواكِب لثورات الربيع العربي في ليبيا ومصر وتونس، وبصفة خاصة للتيارات الإسلامية الصاعدة في دول الربيع العربي. وهنا يمكن الاستطراد في توضيح العلاقة بين قطر وحماس، بداية من دبلوماسية الوساطة التي اتبعتها قطر بين “,”حماس“,” والأردن، ثم تطور العلاقات حتى التقارب والدعم التام الذي يسيطر على العلاقات الآنية التزاوجية بين الدويلة والحركة. § محددات وأهداف السياسية الخارجية القطرية من أجل فهم الدور القطري المتصاعد في العقدين الأخيرين من القرن الحادي والعشرين لا بد من التطرق إلى محددات السياسة الخارجية القطرية وهي محددان أساسيان؛ أولهما: إستراتيجية البقاء وتجنب الصدام المباشر مع إيران ؛ حيث إن جزءًا كبيرًا من حقول الغاز الطبيعي الكبيرة لقطر على السواحل داخل مناطق الحدود المتنازع عليها مع البحرين، وتمتد للحدود البحرية مع إيران. ثانيهما: رغبة قطر تحقيق مكانة على المستوى الإقليمي والخليجي في ظل تراجع الدور السعودي على المستوى الخليجي، وكذلك الدور المصري على المستوى العربي. وبناءً على المحددات السابقة رسمت قطر سياستها الخارجية من خلال الاعتماد على دبلوماسية الوساطة، حيث اهتمامها بلعب دور الدولة الراعية لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وكذلك الدبلوماسية العامة التي تمارسها من خلال الإعلام، حيث قيام قناة الجزيرة بالدور الإعلامي، والتي قدمت نفسها على أنها صوت الشعوب والمنبر المفتوح لكل من لا صوت له. وقد تكامل هذان النوعان من الدبلوماسية مع بعضهما بعضًا. فغالبًا ما سلطت الجزيرة الضوء على النزاعات التي تقوم قطر بالتوسط فيها لإبراز وتضخيم الدور “,”المهم“,” الذي تلعبه. وتهدف قطر من وراء سياستها الخارجية إلى تحقيق عدد من الأهداف التي تتمثل في: 1. الحفاظ على بقاء نظام الحكم القائم على الوراثة وعائلة “,”آل ثاني“,” في الحكم. 2. رغبة القيادة القطرية الاضطلاع في كتابة سطور التاريخ. 3. تعزيز مكانتها ودورها الإقليميين من خلال تفعيل قيامها بدور الوساطة الناجحة، والمثال الأبرز هنا والمتعلق بالموضوع هو دور الوسيط الذي لعبته قطر بين حركة حماس والأردن. 4. ضمان استمرار النمو الاقتصادي القطري واستمرار الاستثمارات القطرية، سواء على مستوى أو الاستثمارات الأخرى. وقبل الحديث تفصيليًّا عن تاريخ وحالي العلاقات بين قطر وحماس، نتطرق إلى قضيتين فرعيتين هامتين في تطور العلاقة، أولاهما بداية حركة حماس والتأرجح بين الأردن وسوريا، ثم الدور القطري في مقابل جهود طهران والملف السوري. § بدايات الحركة.. الأردن وسوريا في بداية نشأتها، احتضنت المملكة الأردنية الهاشمية حركة حماس؛ ومرت العلاقة بمرحلتين؛ الأولى: في عهد الملك حسين خلال عشر سنوات منذ نشأة الحركة في 1987 حتى وفاة الملك حسين في فبراير 1999، وقد كانت هذه العلاقة متينة برغم ما واجهتها من رياح عاتية. الثانية: في عهد الملك عبد الله الثاني، فتدهورت العلاقة بين الجانبين؛ حيث تحول وتغير المعادلة التي تحكم معادلة صنع القرار في المملكة الأردنية الهاشمية للعلاقة مع حركة “,”حماس“,”، بعد تحول إدارة ملف حماس إلى دائرة المخابرات العامة، وقد استمرت القطيعة للسلطة الفلسطينية، وعدم استقبال أي مسئول في حكومة إسماعيل هنية آنذاك. وفي ظل توتر هذه العلاقات وإغلاق المكاتب السياسية لحركة حماس بالأردن في 1999 لكونها أصبحت من وجهة النظر الأردنية تمثل عبئًا أمنيًّا وسياسيًّا على المملكة الأردنية، فتحت قطر ذراعيها لحركة حماس، وقد قسمت الحركة نفسها ما بين قطر وسوريا. ومن هنا، تحركت حماس نحو النظام السوري منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي “,”إسحق رابين“,” بإبعاد 415 من أهم قيادات حركة “,”حماس“,” من فلسطين إلى لبنان، وهنا سرعان ما اهتم الرئيس السوري آنذاك “,”حافظ الأسد“,” بإرسال مندوب رسمي للتحدث إلى هذه القيادات ودراسة مطالبهم وأخذها في الاعتبار وعرض التعاون معهم. وبالفعل حدث تعاون بين الطرفين منذ ذلك الوقت حتى اندلاع الثورة السورية في 2011، ورفض الحركة دعم النظام السوري “,”بشار الأسد“,”، وقد كان هناك دعم لوجيستي، حيث تلقي القيادات الحمساوية تدريبات في سوريا وإيران فضلاً عن تزويدهم بالأسلحة وتوفير مقار آمنة لقيادات الحركة داخل سوريا بالرغم من التناقض الغريب كون النظام السوري قائم على الطائفية العلوية والفكر القومي المتمثل في حزب البعث وعدائه الشديد لحركة الإخوان المسلمين، في حين أن حركة “,”حماس“,” جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية، إلا أنه كان للطرفين أهداف لدعم هذه العلاقة، وتتمثل هذه الأهداف بالنسبة للنظام السوري في رغبته الشديدة في وجود تنظيم حليف لها داخل فلسطين لمحاربة عدوه الرئيسي “,”إسرائيل“,”، في حين كان هدف حركة “,”حماس“,” هو وجود دعم وقاعدة خارجية قوية؛ مما يساعدها في توفير الدعم المادي واللوجيستي المتمثل في التزويد بالأسلحة والتدريبات. إلا أنه سرعان ما تدهورت العلاقة بين الطرفين إثر قيام الثورة في سوريا 2011، وطلب الرئيس السوري “,”بشار الأسد“,” الدعم من جانب حركة “,”حماس“,” و“,”الجهاد الإسلامية“,” لنظامه ولكنهما رفضا ذلك؛ مما أدى إلى خروجهم من سوريا إلى أجل طويل. § بين الدوحةوطهران تقف حركة حماس عند خطين؛ خط فاعل يسعى إلى تغيير المعادلات السياسة في دمشق وهي دولة قطر، وأخرى ترى ما يحدث تدخلاً أجنبيًّا لا يهدف إلا إلى ضرب عناصر المقاومة في المنطقة، وهو الرأي الذي تميل إليه طهران. ويتجلى ذلك في زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة، إسماعيل هنية، جولته الإقليمية، والتي أخذته إلى أربع دول إقليمية وهي تركيا قطرالبحرينوإيران في فبراير 2012. وتظل كل من محطتي طهرانوالدوحة الهامتين في الجولة، وتنعكسان على واقع الحركة وتعاطيها مع المستجدات على الساحة الفلسطينية، لكن ذلك لا يعني أن ننفي الدور التركي الذي وعد بتقديم مساعدات مالية تصل إلى 300 مليون دولار سنويًّا، وهو ما أثار غضب رئيس الكيان الإسرائيلي (شيمون بيريز) في ملتقى دافوس، حيث اتهم تركيا بتمويل الإرهاب على حساب التيارات المعتدلة. أما عن ثنائية الدوحةوطهران فالأحداث التاريخية تؤكد أن إيران هي من سبقت الدوحة في الدخول على خط حماس، وكان ذلك أوائل تسعينيات القرن الماضي، وقد جاءت هذه العلاقة بعد إبعاد المئات من كوادر حماس إلى لبنان على خلفية أسر الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدو، لكن ظلت العلاقة في أدنى مستوياتها، رغم أن حماس فتحت لها مكتبًا في طهران. فلقد قامت قطر ابتداءً بدبلوماسية الوساطة بين حماس والأردن عام 1999 عقب توتر العلاقات بينهما. والتي بدأت مع توقيع اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل في يوليو 1994، وكذلك محاولات الاغتيال التي تعرض لها قادة حماس (“,”خالد مشعل“,” في 1997)، ثم القطيعة عام 1999 عندما قامت السلطات الأردنية بإغلاق مكاتب الحركة بحجة اتهام قادة الحركة بالإضرار بالأمن القومي للمملكة. فالعلاقة بين الأردن وحركة حماس وصلت على مد وجزر وقامت الأردن بتوجيه اتهامات لحماس بتهريب أسلحة وجمع معلومات، لكن العامين الأخيرين حصل تطور لإعادة المياه إلى مجاريها وسمح لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بزيارة الأردن، وكذلك لدى معلومات تفيد بحصول لقاءات على مستويات سياسية لكنها ليست عالية. ولقد كان موت الملك حسين سببًا في أن دخلت حركة حماس في مرحلة جديدة مع النظام الأردني، الذي وصل إلى رأس هرمه الملك عبد الله الثاني، فأجبر قادة حماس على مغادرة الأردن والانتقال إلى دمشق ودخلت بعدها إلى المحور الإيراني السوري، وفي بعض الأحيان تحسب فقط على إيران. فقد أصبحت السياسة الإيرانية واضحة تجاه حماس وأصبح دعم الحركة ماليًّا وتسليحها قرارًا إستراتيجيًّا في طهران، وهو ما أعلنه قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي الخامنئي في آخر خطبه، واعترف صراحة بدعم بلاده للحركات الفلسطينية وعلى رأسها حماس. مرحلة الانتقال هذه من الأردن يمكن القول عنها إنها حلقة الوصل بين إيرانوقطر. ففي عام 1999، وبعد قرار ترحيل قادة حماس من عمان دخلت القيادة القطرية، والتي تولت السلطة لتوها بعد انقلاب الأمير حمد بن خليفة آل ثاني على أبيه على الخط، وأقنعت الطرفين بخروج حماس إلى قطر؛ وهو ما شكل بداية الحضور القطري في القضية الفلسطينية. وتمثل تلك المرحلة محطة التقارب بين العواصم الثلاث، طهرانوالدوحةودمشق، ويمكن القول إن اتخاذ قطر لهذا الخط دعمته عناصر التباعد بينها وبين المملكة العربية السعودية والخلاف الحدودي بينهما، الذي أصبح يخيم على العلاقات السياسية بين البلدين. وأصبح هذا الثلاثي يشكل فريق الممانعة العربية، وظهر بوضوح جلي خلال العدوان على الجنوب اللبناني عام 2006 والعدوان على غزة عام 2008، وحضور هذا الثلاثي بقوة في مؤتمر دعم غزة الذي احتضنته الدوحة. لكن مع الربيع العربي والحراك الذي تشهده دول المنطقة أصبحت تفاصيل المعادلة في دول الممانعة تتغير، وقد برز ذلك بوضوح على خلفية الأزمة التي تمر بها سوريا. وهنا تقف حركة حماس عند خطين خط فاعل يسعى إلى تغيير المعادلات السياسة في دمشق وهي دولة قطر، وأخرى ترى ما يحدث تدخلاً أجنبيًّا لا يهدف إلا إلى ضرب عناصر المقاومة في المنطقة، وهو الرأي الذي تميل إليه طهران. ويبقى السؤال عن موقع حماس في ظل التجاذب بين ثنائية طهران/ الدوحة. إن موقف حماس من الملف السوري كان مختلفًا، فطهران كانت تتوقع موقفًا أقوى من حماس في دعم النظام السوري على غرار حزب الله في لبنان، إلا أن موقف الحركة كما يقول قادتها هو الحياد الإيجابي، ويقرأ موقف حماس انطلاقًا من ارتباطاتها التنظيمية وعلاقتها الأيديولوجية، فحماس هي امتداد للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وعلى الساحة السورية فالإخوان المسلمون يوجدون على رأس معارضي النظام السوري، كما أن الحركات الإسلامية ذات التوجهات الإخوانية التي استلمت السلطة في الدول العربية اتخذت موقفًا سلبيًّا تجاه النظام السوري؛ ما يجعل موقف حماس أقرب إليها في الموقف من النظام السوري. وفي هذه النقطة قد تلتقي حماس مع قطر، فالدوحة أصبحت مركزًا للتنظيمات الإخوانية أو تيارات الإسلام السياسي السني، هذه المجموعة التي ترتبط فتوائيًّا بجمعية علماء المسلمين التي يتزعمها الشيخ يوسف القرضاوي. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستتحرك قطر تجاه القضية الفلسطينية وحماس في هذه الفترة بالذات؟ نقف عند حدثين هامين: الأول يتمثل في الوساطة القطرية بعقد لقاء بين رئيس المكتب السياسي خالد مشعل والملك الأردني عبد الله الثاني، والموضوع الثاني هو احتضان قطر لتوقيع اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية بين حماس وحركة فتح. تشير بعض القراءات إلى أن وجود نوايا خليجية لإلحاق حماس بالمعسكر العربي وإبعاده عن المعسكر الإيراني والتحركات القطرية الأخيرة لا تخرج عن هذا الإطار، وقد يساعد على هذا نجاح الإخوان المسلمين في مصر وتزايد نفوذ الإخوان في الأردن وانخراط الإخوان القوي في معارضة النظام السوري. في ظل هذه التركيبة السياسية الجديدة كيف سيكون مستقبل العلاقة بين طهران وحماس؟ الحديث عن هذه العلاقة ينطلق من تشخيص القواسم المشتركة التي تجمع طهران بالحركة. أول هذه القواسم العداء للكيان الإسرائيلي، واعتماد حماس على مفهوم المقاومة كخيار إستراتيجي؛ ما يخافه المراقبون هو موضوع الإملاءات، هل هناك إملاءات إيرانية على حماس؟ وهل هناك قابلية من حماس للخضوع للإملاءات القادمة من طهران؟ والحديث حول هذا الموضوع يجب أن نأخذ فيه بالحسبان ميزان القوة على الساحة. § تاريخ العلاقات بين قطر وحماس اتسمت العلاقات بين قطر وفلسطين، حماس تحديدًا، بوجود نفوذ استثنائي في فلسطين لقطر، الإمارة بالغة الصغر، ولم يأت هذا النفوذ فجأة، فقد جرى تعزيزه على مدى سنوات عديدة؛ فحتى منتصف التسعينيات، كانت مكانة قطر في الوعي السياسي لمعظم الفلسطينيين تعكس حجمها وتعدادها السكاني الضئيلين. كانت سياستها تحدد عن طريق السعودية وأولياء نعمتها الأجانب. كما كانت المكان الذي أقام معه أحد قادة فتح غير البارزين، وهو محمود عباس، علاقات مع العائلة الحاكمة عن طريق إقامته هناك منذ الخمسينيات ودوره في الخدمة المدنية. كما هو الأمر بالنسبة للعديد من الأشياء المتعلقة بقطر، فقد بدأ هذا الوضع بالتغير بعدما خلع الشيخ حمد والده عام 1995، وخاصة عندما رعت السعودية ومصر محاولة فاشلة لإعادة آل ثاني الأب، وتم البدء ببذل جهد للخروج من كنف الرياض وتحدي السعودية ومصر في ريادتهما للشئون العربية. وكان المحرك الرئيسي لهذه الحملة قناة الجزيرة والإخوان المسلمون، واللذان كانا منذ مطلع الأمر ظاهرتين متلازمتين. على الرغم من أن الإعلام العربي كان يتمتع درجة أكبر من الحرية في انتقاد القادة الفلسطينيين من باقي نظرائهم العرب، فقد قامت الجزيرة، بوضع ضوابط جديدة، مهنية وكذلك سياسية. في نفس تلك الفترة، وبعد أن استغلت بشكل ماكر تآكل ريادية القاهرة في السياسة العربية (مصر في عهد مبارك) بزغت قطر كمصلح بارز لمشاكل المنطقة. في عام 1999، زودت قيادة حماس في المنفى بملاذ مؤقت بعد طردها من الأردن، ولكنها لم تتردد في وضعها على طائرة متجهة إلى عمان بعد أن قام الأخير بنكث عهده باستعادتها بعد فاصل زمني طويل إلى حد ما. ولعب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني دورًا مهمًّا خلف الكواليس في حل حصار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقره في رام الله أثناء عملية الدرع الواقي في ربيع 2002. بدا قادة قطر كأنهم أبطال الانتفاضة الفلسطينية ضد إسرائيل، ولكن وفي نفس الوقت كانوا لا يجدون أي حرج في مقابلة نظرائهم الإسرائيليين والسماح لمكتب الاتصال الإسرائيلي في الدوحة بالاستمرار في عمله بعد أن تم إغلاقه رسميًّا مرتين. ولو أن الدوحة نأت بنفسها عن قيادة السلطة الفلسطينية واقتربت من حماس أكثر من معظم العواصم العربية، فإن الأزمات خلال حقبة عرفات نادرًا ما تطورت إلى ما هو أكثر من معاقبة بعض المصالح التجارية المتعلقة بقطر. كما حصل عند سجن عيسي أبو عيسى في غزة، وهو شقيق رئيس مجلس إدارة المصرف الدولي الفلسطيني وينحدر من واحدة من أعرق العائلات الفلسطينية في قطر. تم اعتقاله بسرعة من قبل السلطة الفلسطينية عندما كان برفقة وفد قطري رسمي إلى غزة عام 2000. كان الوفد يسعى لحل الخلاف بين السلطة الفلسطينية، التي استحوذت على المصرف الدولي الفلسطيني بعد أن اتهمته بمخالفات عديدة، وبين عصام أبو عيسى الذي رد بأن جرمه الوحيد هو رفضه وضع المصرف تحت تصرف السلطة الفلسطينية. لم يتم السماح للأخوين عيسى بمغادرة مدينة غزة باتجاه الدوحة إلا بعد أن هددت قطر بقطع التمويل والعلاقات مع السلطة الفلسطينية. في تلك السنوات، كانت الجزيرة في مقدمة العلاقات الفلسطينية القطرية، سواء كان ذلك من خلال كشف سياسات السلطة الفلسطينية وأعمالها المحظورة أو من خلال إجراءات عقابية ضدها، بما في ذلك هجوم اللجان المحلية على أفرادها ومقارها. § مرحلة الرعاية القطرية إن خلافة عباس في أواخر عام 2004 بالإضافة إلى انتصار حماس في انتخابات عام 2006 حوّل العلاقة المتوترة أصلًا إلى علاقة تسودها العداوة المتبادلة والعلنية. في واجهة الأمور لم تكن التطورات التي حصلت بعد عام 2005 تبدو ذات مغزى، وبالنسبة لقطر، فإن الأمر كان يتعلق بانضمام حماس إلى النظام السياسي الفلسطيني وتأسيس نفسها لتكون النصير السياسي دون أي منازع للحركة الإسلامية الفلسطينية؛ وذلك من أجل زيادة نفوذ الدوحة، ولمنع الحركة الإسلامية من الانضمام إلى المعسكر الإيراني المنافس، وفي أثناء هذا دفعها باتجاه التكيف. أما بالنسبة لعباس، فكان الأمر يتعلق بعدم فقد سيطرته على فتح وإخضاع حماس لبرنامجه الخاص. وبسبب ضخامة المصالح، فإن دبلوماسية قطر في تلك الفترة عجزت عن تحقيق أي شيء يفوق حجمها. استمرت الجزيرة في هذه الأثناء بنشر السياسة الرسمية بشكل حذِق، محافظة في الوقت نفسه على معايير مهنية لم تكن موجودة بشكل واضح عند الآخرين، سواء كان ذلك على مستوى المنطقة أو أبعد من ذلك. لم يستطع حكام هذا البلد أن ينافسوا بشكل فعال السعودية ومصر في مفاوضات التفاهم بين فتح وحماس قبل أن يستولي الإسلاميون على السلطة في حزيران/ يونيو من عام 2007، أو اتفاقات المصالحة التي تلت ذلك. الاتفاقية الوحيدة بين عباس ومشعل التي استطاعت قطر أن تديرها في عام 2012 ولدت ميتة. ومع ذلك، استطاعت قطر في السنوات التي تلت ذلك من رفع الرمزية الضخمة والراسخة للقضية الفلسطينية؛ وذلك لتحسين مظهرها ومصداقيتها، ولتمتين رعايتها لحماس. في وقت كانت العلاقات القطرية السورية أكثر تقاربًا من أية علاقة بين دمشق وأي من دول الخليج الأخرى، نجحت الدوحة خلال العدوان الإسرائيلي (2008 – 2009) على قطاع غزة بتحدي معظم العالم العربي (بما في ذلك الجامعة العربية) والغرب، باستضافة قمة عاجلة لإظهار تراخي العرب. وبعد ذلك بعام، استطاعت الجزيرة عن طريق نشر “,”الأوراق الفلسطينية“,” بإلزام السلطة الفلسطينية باتفاقية يتم التفاوض عليها مع إسرائيل ضمن إطار عمل أوسلو، وذلك في أسوأ وضع ممكن. لم يكن هناك الحاجة للكثير من للتسويق والإثارة، ولكن مع ذلك تم تضمين ذلك في هذا الخليط. ومن الجدير بالذكر أن سياسة وأهداف قطر في هذا المجال كانت مختلفة عن سياسات وأهداف سوريا وإيران. حيث إن الأخيرة سعت لإضعاف السلطة الفلسطينية لكي تقوي النضال الفلسطيني ضمن سياق صراع بالوكالة مع إسرائيل، بينما لم تسع قطر للصراع، بل من أجل حصة من السلام، سواء أكان بشكل مباشر أو غير ذلك، ومقعد بارز على الطاولة. إن ما ميز الدوحة عن بقية العواصم العربية هو حذقها ومقدرتها الانتهازية التي تبدو كأنها بلا حدود. فعلى خلاف السعودية، لم تهتم قطر بالألفة الأيديولوجية لمن رعتهم طالما أن هذه المنظمات والهيئات والأفراد، اللذين تدرجوا على كامل طيف الفكر والنشاط السياسي العربي، استطاعوا أن يوسعوا من طموحها وبرنامجها. وبالتالي، وعلى خلاف مصر في عهد مبارك، كانت قطر تُقبل وبشكل مستمر على المناورة بين المعسكرات المتنافسة، والمشاركة في الخلافات العامة مع الحلفاء والرعاة المقربين، لكي توسع من سياساتها. ويبدو أن الانتفاضات التي اندلعت في المنطقة في أواخر عام 2010 قد أتمت الدائرة التي رسمتها السياسة القطرية. فبصفتها الراعي الرئيسي للإخوان المسلمين، وهي بالطبع لديها القدرة الكبيرة على الرعاية، أصبحت قطر الآن المهيمن بلا منازع، ولكن –كالجزيرة- ربما لفترة أقل مما يفترضه العديد من الناس. وبتقربها بشكل كبير من حلفائها التقليديين في مجلس التعاون الخليجي في خضم انتشار هذه الثورات، وبالأخص البحرين، وبازدياد المنافسة الحادة مع إيران، فقد رمت بثقلها وراء المعارضة السورية ضد حليفها السابق بشار الأسد. فبالإضافة إلى دعمها المباشر للجيش السوري الحر، كانت مساهمة قطر الرئيسية هي نجاحها في أن تفطم حماس عن دمشق. لم يعد خالد مشعل يقيم في دمشق، ولكن في الدوحة. وانتقل نائب رئيس المكتب السياسي موسي أبو مرزوق إلى القاهرة، وغادر بعض القيادات الإسلامية سوريا قبل أن تبدأ دمشق الهجوم على حليفها الإسلامي السابق. وبداية الدعم القطري الحقيقي والقوي لحركة حماس بدأ مع السنوات الأخيرة، خاصة مع الوقت الذي وضعت المملكة العربية السعودية معوقات وعوائق حول مساعداتها الخيرية للحركة، في حين قدمت قطر دعمًا ماليًّا ولوجستيًّا للحركة، فقد قدمت قطر للحركة مساعدات مالية قدرت ب 50 مليون دولار، بعد تجميد المساعدات الأمريكية والأوروبية إلى السلطة الفلسطينية، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في بداية عام 2006 وتشكيلها السلطة الفلسطينية. وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في منتصف عام 2007، بررت قطر دعمها للحركة بالأزمة الإنسانية في القطاع نتيجة حرمان حماس من المساعدات المالية الدولية، وفي بداية عام 2008 قال أحد مساعدي رئيس السلطة الفلسطينية: “,”إن قطر تعطي( حماس) ملايين الدولارات في الشهر يستخدم جزء كبير منها في شراء الأسلحة. قام أمير قطر “,” الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني“,” بزيارة إلى غزة في أكتوبر 2012 عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، وتلك الزيارة تعتبر الأولى من نوعها التي يجريها رئيس دولة إلى القطاع منذ سيطرة حركة حماس عليه بعد نزاع مسلح مع السلطة الفلسطينية، كما جاءت الزيارة تدشينًا لمشاريع إعادة الإعمار التي تمولها قطر في القطاع . وأعلن أمير قطر آنذاك عن دعم يُقدر ب 400 مليون دولار. وجاء الاعتداء على غزة، الذي بدأ في 14 نوفمبر 2012 ليبرهن أن حماس قد اختارت الرهان على الجواد الرابح في الوقت الحالي، وبالفعل قامت قطر بالتدخل بقوة من أجل وقف العدوان، بالإضافة لمصر وتركيا، ولم يقتصر الأمر على الجهود الدبلوماسية فقط، ولكن جاءت زيارة رئيس الوزراء المصري على رأس وفد رسمي لدعم قطاع غزة أثناء القصف لتبرهن على أن شيئًا ما تغير في المنطقة، كما بعثت تونس بوزير خارجيتها، رفيق عبد السلام ، مع وفد رفيع المستوى يتضمن 12 وزيرًا إلى غزة للتضامن مع الفلسطينيين. كل هذا أكد لحماس أن برودة العلاقات مع إيران لن تؤثر على موقفها الإستراتيجي في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي. § زيارة حمد بداية لجولات مكوكية تعد زيارة الأمير حمد لقطاع غزة في أكتوبر 2012 غير مسبوقة في تاريخ العلاقات القطرية الفلسطينية، وبالتحديد مع حركة حماس التي اقتصرت عليها وحدها الزيارة، والتي شهدت منح قطرية بقيمة 400 مليون دولار أمريكي مخصصة من أجل بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية تحت بند مشروع مدينة حمد، وبناء مساكن خاصة للأسرى المحررين، بالإضافة لإنشاء مركز للتأهيل. لكن مضمون الزيارة لا يبتعد عن الدور القطري المتزايد مع رياح التغيير في الدول العربية، لا سيما دعم التيارات الإسلامية التي تحركت في فضاء الاحتجاجات. ومن المتوقع زيادة هذا الدور، خاصة مع خروج قيادة حماس من سوريا والتحول في موقفها من الأزمة السورية، وما يتركه هذا الموقف من انعكاسات على علاقة حماس بإيران. وتدور عجلة هذه العلاقة بسرعة ليس لها نظير بين “,”حماس الإسلامية الإخوانية“,” و “,”الإمارة الغنية قطر“,”، التي تحتضن الزعيم الروحي للإخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي. في حين أتت هذه الزيارة بأثر سلبي على الجانب الداخلي من تكريس مخاوف منظمة التحرير الفلسطينية “,”فتح“,” من تكريس الانقسام الفلسطيني. · زيارة مشروطة سواء من حيث التوقيت أو من حيث الجوهر، فإنه من الصعب تفسير زيارة أمير قطر بشكل مبسط ، حيث تظهر بعض التأويلات والتفسيرات؛ فإما أن قطر كانت تسعى لضمان دعم قادة حماس لإعادة انتخاب خالد مشعل لقيادة المكتب السياسي للحركة الإسلامية، وذلك عن طريق استخدام نفوذها الكبير على الإخوان المسلمين للمساعدة في تحويل رفح إلى معبر حدودي اعتيادي ومنتظم بين مصر وفلسطين؛ متذرعة بذلك للمطالبة بحصتها من غاز البحر الأبيض المتوسط، بالاعتماد على التفاهمات غير الرسمية بين حماس وإسرائيل؛ ومروجة لتطوير قطاع غزة المعدم ب 400 مليون دولار؛ لكي تزيد، وبشكل كبير، فاتورة النضال، وموسعة بذلك المخطط الأمريكي الإسرائيلي لجعل الشقاق الفلسطيني مؤسساتيًّا عن طريق وضع الدعائم الدبلوماسية لكيان فلسطيني يقتصر على قطاع غزة؛ ومتحدية السيطرة المصرية على المفاوضات والجهد الذي يبذل للمصالحة الوطنية. هناك تفسير آخر يرى أنه على الأغلب، فإن هذه الزيارة جاءت من أجل زيادة عزلة الأسد عن طريق الاستهزاء بادعائه بأنه الراعي المتبقي الوحيد لاستمرارية المقاومة الفلسطينية في أوضح صورة ممكنة. ففي المحصلة، فإن “,”حمد الوهابي“,” وليس “,”بشار البعثي“,”، هو أول قائد عربي يقود موكبًا من رفح إلى غزة. وبفعلته هذه، جعل القطيعة بين حماس ودمشق حاسمة ونهائية. إن كثرة النظريات حول الزيارة القطرية، وبالتالي عند وصوله إلى غزة، جرى استقبال الشيخ حمد على أساس أنه بطل فاتح وليس على أساس أنه ألعوبة صهيونية وخائن. إن الفعالية التي استطاعت أن تحصل قطر من خلالها على التأييد ممن رعتهم تشهد على حذق استثماراتها السياسية على مدار العقدين الماضيين. سيكون من الممتع مشاهدة ما سيلي هذا: دفعة متجددة للمصالحة الفلسطينية، أو بدلًا من ذلك مزيد من الدعم لحماس؛ لضمان صعودها المستمر ضمن النظام السياسي الفلسطيني، ولكن مع برنامج سياسي سيصعب في نهاية المطاف تمييزه عن البرامج التي تسعى لاستبدالها. وربما الأكيد هنا أن أمير قطر ، وهو الذي اتخذ مواقف منحازة للكيان الصهيوني خلال التطورات الأخيرة في المنطقة، عرض على قادة حماس في زيارته عدة شروط مقابل دعمه لحماس، وهي عبارة عن إنهاء التحالف مع إيران، واستئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني بدون شروط مسبقة، والاعتراف بالكيان الصهيوني، وبأن القدس هي العاصمة للكيان الصهيوني، إلى جانب وقف الكفاح المسلح . وحسب مصادر فلسطينية رفض إسماعيل هنية الشروط المشار إليها؛ ما تسبب في أن يقلل أمير قطر زيارته لبضع ساعات، والتي كان من المقرر أن تستمر ليومين. كذلك خفض أمير قطر مبلغ المساعدات المالية من 600 مليون دولار إلى 350 مليون دولار . ووفق تقارير بعض وسائل الإعلام الغربية، بما فيها “,”بي بي سي“,” و“,”أسوشيتدبرس“,”، قدر المسئولون الأمريكيون والإسرائيليون مساعي أمير قطر في إطار تحقيق أهدافهم في المنطقة. من جانب آخر شراء عدة حمولات عسكرية أمريكية من جانب قطر يثبت أن أمريكا والكيان الصهيوني بصدد الدفاع عن قطر مقابل المخاطر المحتملة . وبدا ذلك التحول في العلاقات الدافئة؛ بعديد الزيارات المتبادلة؛ منها التي قام بها في النصف الثاني من فبراير 2013، بقيام وفد من أربعة شخصيات قيادية من حماس برئاسة الدكتور غازي حمد، رئيس سلطة المعابر والحدود في غزة، بزيارة لعدة أيام إلى الدوحة لبحث آخر تطورات الأوضاع في القطاع، وسبل المساعدات التي يمكن أن تقدمها قطرلغزة خاصة فيما يتعلق بفتح المعابر لدخول المساعدات القطرية والدولية . بالإضافة لزيارة الدكتور إسماعيل رضوان وزير الأوقاف والشئون الدينية في حكومة حماس إلى قطر في أوائل مارس 2013، والتي بحث فيها التعاون بين حكومته ووزارة الأوقاف والشئون الدينية في قطر؛ لإعادة بناء وترميم المساجد التي دمرها الاحتلال في قطاع غزة، بالإضافة إلى بحث سبل التعاون بين الوزارتين في شتي المجالات العلمية والبحثية . نضيف إلى ذلك قيام وزير الشباب والرياضة في حكومة غزة، الدكتور محمد المدهون، باستقبال رجل الأعمال القطري محمد العمادي، الذي سيدشن العديد من المشاريع الرياضية في قطاع غزة. يأتي ذلك مع تأكيدات الدكتور أحمد يوسف، القيادي في حركة “,”حماس“,” ورئيس مؤسسة بيت الحكمة، بدور قطر في دعم الشعب الفلسطيني، وبالزيارة التاريخية لأمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى قطاع غزة ، فهو يرى أن قطر كانت طوق النجاة لغزة في كل وقت، وقدَّمت مساعدات بشكل كبير عندما كانت تُقطع السُبل. وقيام المنحة القطرية للشعب الفلسطيني في غزة بتحريك الوضع الداخلي بشكل كبير، وأن الزيارة التي قام بها سمو الأمير أوجدت أفقًا سياسيًّا، وقطر لم تبخل ولم تقصر منذ البداية، “,”وكانت طوق النجاة لنا في كل أزماتنا الداخلية“,”. يأتي ذلك في سياق متصل من وجود اتصالات تجريها الحركة، بمساعدة دول عربية وإسلامية، مثل قطر ومصر وتركيا؛ لإقناع الدول الكبرى والأوروبية برفع اسم الحركة عن قائمة الإرهاب، لافتًا إلى أن تلك الاتصالات لاقت تجاوبًا إيجابيًّا من قبل بعض الدول الأوروبية. المفارقة هنا، وفقًا لما يراه البعض، أن هذا التعاون يأتي في ظل وجود ملاحظات على علاقة قطر الاقتصادية مع الكيان الصهيوني قبل الحرب على غزة، والقاعدة الأمريكية، وموقفها من أي حراك خليجي ضد الأنظمة فيها. ووجود أسئلة لا تحمل إجابة واضحة عما تريده قطر من مصر وحماس بجانب علاقاتها مع أمريكا وإسرائيل. § جهود القرضاوي.. ووثيقة التمويل يقوم الشيخ يوسف القرضاوي، المقيم بقطر، بتقديم الدعم الكبير لجماعة الإخوان المسلمين، وكذا حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ فقد شارك مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “,”مشعل“,” في حفل الاحتفال بنصر حركة حماس المقام في قطر، كما استخدم برنامجه بقناة الجزيرة لتدعيم الحركة، واللافت هنا أن قطر تتسامح مع رؤيته المتشددة وجمعه للأموال لصالح حماس، وهو معروف بالفتاوى التي تدعو المسلمين إلى قتل الأمريكيين وبعض المدنيين في العراق، ويبرر لحركة حماس هجماتها ضد المدنيين الإسرائيليين. ولقد أسس الشيخ القرضاوي في أكتوبر من عام 2000 منظمة تسمى “,”ائتلاف الخير“,”، والمعروفة أيضًا بالتحالف الخيري، وتعد تلك المنظمة من أكبر المنظمات الداعمة لحركة حماس، فيما يتعلق بالدعم المادي. ولهذا حظرت إسرائيل في فبراير 2002 المنظمة، وفي نوفمبر الماضي (2008) اعتبرت الولاياتالمتحدة الأمريكية المنظمة كيانًا إرهابيًّا عالميًّا. وفي هذا الصدد تقول وزارة الخزانة الأمريكية: “,”إن حماس هي من أنشأت هذه المنظمة (ائتلاف الخير)؛ لتسهيل نقل الأموال إلى الحركة . ومن المتوقع أن يزور القرضاوي قطاع غزة في أوائل شهر مايو 2013 المقبل، وهذا ما صرح به إسماعيل رضوان وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في حكومة غزة، من أجل توطيد العلاقة بين حماس وحركة الإخوان المسلمين ، وكذلك قطر التي كانت من بين البلدان القليلة التي اعترفت بحكومة حماس في القطاع . وتتضح العلاقة بين حماس وقطر، وأيضًا الإخوان المسلمين في مصر، من خلال وثيقة التمويل القطرية، والتي هي عبارة عن خطاب صادر من مساعد وزير الخارجية القطري، إلى رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، يخطره فيه بأنه تم إصدار شيك بقيمة 250 مليون دولار من أموال الطوارئ بوزارة المالية القطرية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل؛ وذلك حتى تتمكن حكومة حماس في غزة من تمكين الرئيس محمد مرسي والحفاظ على حياته، واستقرار إدارته للبلاد لأطول فترة مقبلة . ووفقًا للخطاب ستتولى حركة حماس بموجب هذا المبلغ 250 مليون دولار حماية الرئيس محمد مرسي والحفاظ على حياته وعلى حكمه. “,” “,” § رؤية غربية وعن تدعيم قطر لحركة حماس يسوق الكاتبان سايمون هندرسون وماثيو ليفيت عددًا من الدلائل على هذا الدعم، مؤكدين على أن المسئولين القطريين يدعمون الإسلاميين الراديكاليين منذ فترة طويلة، ففي تسعينيات القرن المنصرم عمل “,”خالد شيخ محمد“,”، أحد العقول المدبرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مهندسًا في قطر. وعندما اكتشفت الولاياتالمتحدة وجوده في قطر، وطلبت القبض عليه، ساعده أحد الوزراء القطريين بتهريبه جوًّا إلى باكستان. فلقد كانت قطر الدولة الوحيدة التي عرضت استضافة قادة حماس بعدما لم ترض بهم دولة أخرى، كما كانت أول دولة هنأت حماس على فوزها بالتشريعي، كما أنها أوفدت لإسرائيل للوساطة ما بين إسرائيل وحماس. إن قطر تتبنى سياسية رسمية لدعم الحركة، فقد سمحت بأن يكون للحركة مكاتب رسمية بالدوحة، والسماح بزيادة جمع الأموال من خلال الأنشطة الخيرية بقطر، وعادة ما تستضيف مسئولي الحركة. فحسب مشعل وعدد من قيادات الحركة، فإنهم كانوا يقسمون وقتهم بين الدوحة والعاصمة السورية دمشق. ويقول مشعل إنه تربطه علاقات شخصية بالمسئولين القطريين، منهم الشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته، ورئيس الوزراء شيخ حمد بن جاسم بن جبر. ويقول الكاتبان: إنه في السنوات الأخيرة، زاد الدعم القطري للحركة بصورة كبيرة . وفي الوقت الذي كانت هناك قيود ومعوقات صارمة على المساعدات الخيرية من المملكة العربية السعودية للحركة، أعلنت قطر علنًا عن دعمها المالي للحركة، والذي زاد بصورة دراماتيكية. فقد قدمت قطر مساعدات مالية قدرت ب 50 مليون دولار، بعد تجميد المساعدات الأمريكية والأوروبية إلى السلطة الفلسطينية، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في بداية عام 2006 وتشكيلها السلطة الفلسطينية. وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في منتصف عام 2007، بررت قطر دعمها للحركة بالأزمة الإنسانية في القطاع نتيجة حرمان حماس من المساعدات المالية الدولية، وفي بداية عام 2008 قال أحد مساعدي رئيس السلطة الفلسطينية: “,”إن قطر تعطي (حماس) ملايين الدولارات في الشهر، يستخدم جزء كبير منها في شراء الأسلحة“,”. وعن دوافع الدعم القطري، فترى الكتابات الغربية أن الحيوية الدبلوماسية القطرية تجاه حركة حماس ترجع إلى وزير الخارجية ورئيس الوزراء شيخ حمد بن جاسم بن جبر. وهناك بعض الشك في التحول من التحالفات الحالية يعكس الرأي الشخصي للأمير -الشيخ خليفة- الذي “,”ارتاح“,” إلى الرئيس السوري بشار الأسد. ويلاحظ عدد من المراقبين أن لدى الأمير قناعة بضرورة مساندة قطر لحركة حماس، والذي يأتي تمشيًا مع نزعته الإسلامية المحافظة، ناهيك عن التوصل القطري إلى أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها القيام بكثيرٍ، في وقت تسعى فيه إيران لأن تكون قوة إقليمية في المستقبل بمنطقة الخليج العربي؛ والذي يدفع قطر إلى تطوير علاقاتها مع طهران. ولهذا؛ تزعمت قطر محاولة الخروج على القيادة المصرية والسعودية للعالم العربي، بعقدها قمة في الدوحة؛ لتدعيم حركة حماس بعد العدوان الإسرائيلي على الحركة في قطاع غزة، وحضر القمة -التي أخفقت في تحقيق النصاب القانوني- الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد. وفي القمة التي عقدت في الكويت حاول العاهل السعودي، الملك عبد الله، القيام بمصالحة بين مصر والمملكة العربية السعودية من جهة وسوريا وقطر من جهة أخرى، ولكن كاتبي المقالة يقولان: إن العاهل السعودي في حاجة إلى إعادة النظر في التزاماته السابقة للعمل من أجل السلام مع إسرائيل . § مستقبل العلاقات بين قطر وحماس يمكن وضع عدة سيناريوهات متوقعة يمكن أن تحكم العلاقة المستقبلية بين قطر وحماس في ضوء من الأحداث والمتغيرات السياسية على الساحة العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعلاقات الفلسطينية –الفلسطينية، ثم الفلسطينية الإسرائيلية؛ وفقًا للرؤية التالية: - السناريو الأول: زيادة التقارب في ظل صعود القوى الإسلامية في العالم العربي، المرتبطة تنظيميًّا بجماعة الإخوان المسلمين؛ فمن المتوقع أن تستمر العلاقات القطرية الحمساوية في التقارب، ما دامت العلاقات القطرية الإخوانية دافئة، ويبدو أن ذلك هو المتوقع في ظل تشابك المصالح بين النظام القطري والأنظمة الإسلامية الجديدة في مصر وتونس. وفي حالة استمرار هذا التقارب، سيقل تأثير إيران على المنطقة كثيرًا، وستصبح ليس لها حلفاء باستثناء حزب الله اللبناني، والذي سيصبح محاصرًا في حالة سقوط النظام السوري. ووقتها سنكون إزاء معادلة إقليمية جديدة تلعب فيها قطر دورًا متعاظمًا، بسبب اعتماد أغلب الأنظمة العربية الجديدة، خصوصًا الإسلامية منها -والتي تمر بظروف اقتصادية صعبة في الوقت الحالي في مصر وتونس- على المساعدات القطرية. ووفقًا لهذا السيناريو فستكون المساعدات القطرية (المادية واللوجستية) لحماس هي عصب الحركة، وهي البديل عن الدعم الإيراني، وهو ما يعني تقاربًا أكثر وأكثر بين قطر وحماس، خاصة إذا حققت أنظمة الحكم الجديدة ذات الصبغة الإسلامية نجاحات ملموسة شكلت بها ورقة ضغط وتقارب خاصة مع النظام المصري بقيادة الإخوان المسلمين وتأثيره على علاقة قوية بين قطر وحماس. - السيناريو الثاني: تراجع العلاقات سيحدث ذلك في حالة تراجع المد الإسلامي في الفترة القادمة عن طريق الديمقراطية وصندوق الانتخابات، خصوصًا في ظل الاحتجاجات على حكم الإسلاميين في مصر وتونس، وهو ما يمكن أن يقود إلى انحسار تيار الإسلام السياسي، ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين وفروعها المختلفة، بعد ثبوت فشلهم في إدارة البلاد، ووقتها بطبيعة الحال ستطمع إيران إلى استعادة دورها في المنطقة عن طريق اجتذاب حركة حماس وتدعيمها؛ حتى تكون بعدًا إستراتيجيًّا لها في المنطقة بجانب حزب الله. - السيناريو الثالث: استمرار حالة الشد والجذب ويقوم هذا السيناريو على استمرار حالة التدافع بين إيرانوقطر حول ولاء حركة حماس، وفي هذا السيناريو ستصبح حماس هي الرابح الأكبر في معركة الولاءات تلك، وخصوصًا أن لحماس باعًا طويلاً في التعايش مع جدليات الأنظمة العربية، والتناقضات بينها، وأثبتت عبر سنين قدرتها على التعامل مع هذه التناقضات والاحتفاظ بمسافات آمنة من الجميع. ووفقًا للمعطيات الإقليمية الحالية، يبدو هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق خاصة في ظل حالة من عدم وضوح الرؤية بمستقبل الإستقرار والتنمية في الأنظمة الجديدة، وبشبكة المصالح القطرية المتشعبة، ومدى نجاح أو فشل إدارة الملف السوري.