في مدينة بيليم البرازيلية، عند حافة نهر الأمازون، تجتمع وفود العالم في مؤتمر المناخ COP30 بينما تغيب الولاياتالمتحدة الغياب الذي صار عنوانًا أكبر من المؤتمر نفسه، وبينما يرفع العلماء رايات التحذير من اقتراب درجات الحرارة من نقطة اللاعودة، يتحرك العالم مُكرهًا نحو معركة وجودية "مع أو بدون واشنطن". توتر في بيليم.. واحتجاجات تبزر أزمة أعمق ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن الأيام الأولى لمؤتمر المناخ في مدينة بيليم شهدت اضطرابات لافتة، بعدما اقتحم متظاهرون من السكان الأصليين مقر الاجتماعات واحتكّوا مع قوات الأمن، احتجاجًا على ما وصفوه بانتهاكات شركات الزراعة الكبرى وأباطرة النفط والتعدين الذين يتهمونهم بتدمير غابات الأمازون. ورغم انتهاء المواجهات سريعًا، فإن الحادثة كشفت عن عمق الاحتقان البيئي والاجتماعي الذي يطغى على المؤتمر منذ لحظة انطلاقه، في ظل الصراع بين حقوق الأرض والمصالح الاقتصادية العابرة للحدود. اقرأ أيضًا| مؤتمر المناخ COP30.. العالم يجتمع في قلب «الأمازون» لإنقاذ كوكب الأرض عشر سنوات بعد اتفاق باريس رصدت الصحيفة الأمريكية، أن الذكرى العاشرة لاتفاق باريس تأتي في وقت تبدو فيه أهدافه مهددة أكثر من أي وقت مضى، فالحفاظ على ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية بات شبه مستحيل، وقد يتجاوز العالم هذا الحد خلال عقد واحد فقط. ورغم توسع استخدام الطاقة المتجددة، تتجه انبعاثات الوقود الأحفوري إلى مستوى قياسي جديد. كما أشارت تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن استمرار السياسات الحالية قد يؤدي إلى ارتفاع حرارة الكوكب بنحو 3 درجات مئوية بحلول 2100 وهو سيناريو يحمل آثارًا كارثية لا يمكن التراجع عنها. مخاوف علمية غير مسبوقة في رسالة موجهة لوفود المؤتمر، قال يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث المناخ، إن العالم يقترب من "نقاط تحول خطيرة" قد تُدخل الأنظمة البيئية في مسار لا يمكن الرجوع عنه. وحذر روكستروم من أن مليارات البشر قد يتأثرون بنتائج هذه التغيرات، مؤكدًا أن المطلوب الآن هو زيادة سرعة وحجم العمل المناخي بشكل لم يسبق له مثيل. ترامب خارج الصورة على الجانب الأمريكي، أكدت «واشنطن بوست» أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يواصل تبني موقف معادٍ للعمل المناخي، إذ وصفه سابقًا بأنه "خدعة"، ويسعى لتعزيز التنقيب عن النفط والغاز، والانقلاب على السياسات البيئية داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. وخلال خطابه في الأممالمتحدة، هاجم الدول الساعية للتحول البيئي قائلاً: "إذا لم تتخلوا عن هذه الخدعة البيئية، فسوف تفشل بلادكم، أنتم بحاجة إلى طاقة تقليدية لاستعادة عظمتكم". وأضافت الصحيفة الأمريكية ذاتها، أن إدارة ترامب تخلت للمرة الثانية عن اتفاق باريس، وعرقلت مبادرات دولية مهمة مثل معاهدة الحد من التلوث البلاستيكي واتفاق خفض انبعاثات قطاع الشحن. غياب أمريكي كامل عن COP30 لم يشارك ترامب في القمة، كما لم يرسل البيت الأبيض وفدًا رفيع المستوى، على عكس ما فعلته دول كبرى أخرى رغم غياب قادتها مثل الصين والهند. وخلال قمة القادة التي سبقت انطلاق المؤتمر، تحدث رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر بلهجة متشائمة قائلاً إن "إجماع باريس قبل عشر سنوات قد اختفى". ووجّه الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو، انتقادات حادة لدونالد ترامب، معتبرًا أن إنكاره للعلم "يدفع البشرية نحو الهاوية". وقال بيترو: "السيد ترامب مخطئ... العلم يوضح الانهيار الحتمي إذا لم تتحرك الولاياتالمتحدة نحو إزالة الكربون". ورغم غيابه، لاحظ الصحفيون انتشار قبعات خضراء بين المندوبين تحمل شعارًا ساخرًا مشتقًا من عبارة ترامب الشهيرة: "لنجعل العلم عظيمًا مجددًا". من جهة، زار حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم قمة المناخ، مهاجمًا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بشدة، وواصفًا إياه بأنه "رئيس مدمّر" يحاول إعادة الولاياتالمتحدة إلى "القرن التاسع عشر". وأشار التقرير إلى أن المشهد أعاد أجواء ولاية ترامب الأولى، حين تحرك حكام الولايات الديمقراطية لملء الفراغ الذي تركته الحكومة الفيدرالية في مؤتمرات المناخ السابقة. الصين تتحرك لفت التقرير إلى تقدير صادر عن جامعة جونز هوبكنز يؤكد أن الشركات الصينية استثمرت ما لا يقل عن 227 مليار دولار في مشاريع التصنيع الأخضر حول العالم منذ 2011 معظمها في دول الجنوب العالمي. وبعد تعديل القيمة وفق التضخم، يتجاوز حجم هذه الاستثمارات ما قدمته الولاياتالمتحدة لأوروبا في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، ما يعكس حجم التحول العالمي في سباق الطاقة النظيفة. وقالت الصحيفة، إن دولًا مثل البرازيل بدأت في تشكيل "تحالفات الراغبين" لتنفيذ سياسات مناخية محددة بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية داخل الأممالمتحدة. وفي كلمته الافتتاحية، قال الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا: "لم يعد تغير المناخ تهديدًا للمستقبل، بل هو مأساة الحاضر.. نسير في الاتجاه الصحيح، لكن بالسرعة الخاطئة". صرحت كريستيانا فيجيريس، إحدى مهندسي اتفاقية باريس، أن غياب دونالد ترامب عن القمة كان "أمرًا جيدًا" لأنه حمى المفاوضات من التوتر والضغط السياسي المباشر. وأضافت أن الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة أصبحت الآن أعلى بمرتين من استثمارات الوقود الأحفوري، مؤكدة أن التحول للطاقة الخضراء "أصبح مسارًا لا عودة عنه.. سواء بوجود الولاياتالمتحدة أو بدونها". اقرأ أيضًا| الأمازون البرازيلية تستضيف إحدى أكثر مفاوضات المناخ تعقيدا في التاريخ الحديث