ما قدمته الصحف القومية فى تغطية المتحف المصري الكبير كان ثمرة اجتهاد من زملاء فى مواقع القيادة ومبدعين كُثر فى بلاط صاحبة الجلالة، كما كان ثمرة تخطيط وتنسيق قاده باقتدار «مهندس الصحافة القومية»، المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة. رغم أن الكلمات هى أهم ما فى الأغنية، لكن الملحن والمطرب غالبا ما يخطفان الأضواء من المؤلف! ورغم أن السيناريو الذى تعارف عليه أهل الفن بمصطلح «الورق» هو أهم خطوات أى عمل فنى ناجح، لكن فى معظم الأحيان يستولى الممثلون والمخرجون على النصيب الأوفر من الشهرة والأجر، على حساب المؤلف والكاتب! ورغم أهمية الصحافة المطبوعة، باعتبارها أصل مهنة الصحافة، والحاضنة التى يتربى فيها مبدعو المجال وأساتذة «الشغلانة»، والذين ينطلقون لينشروا فكرهم وإبداعهم عبر كل الوسائط الأخرى المسموعة والمرئية والرقمية، إلا أن الوسائط الجديدة (التلفزيون والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعى) ربما باتت تستحوذ على الجانب الأكبر من الاهتمام الجماهيرى، بل وبات كثيرون يتحدثون عن «موت حضارة الورق»!! ورغم أننى لستُ من أنصار فكرة أن وسيطا إعلاميا يقتل ما سبقه من وسائط، بل إننى على المستوى الشخصى من عشاق «الورق» صحافة وكُتبا، إلا أننى لا أجادل فى مدى وعمق التأثير الذى أحدثته الوسائط الرقمية على انتشار الصحافة المطبوعة واقتصاديات صناعتها، لكن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال أن الصحافة المطبوعة ستموت. الأسابيع الأخيرة كانت شاهدة على ملمح من ملامح أهمية بقاء الصحافة المطبوعة كوثيقة تاريخية، وجزءا من ذاكرة الأوطان، وحافظة لوعى الشعوب. مع افتتاح المتحف المصرى الكبير، استعادت الصحافة المطبوعة جانبا كبيرا من بريقها، وأثبتت حضورها فى حدث استثنائى من تاريخنا المعاصر. تنافست الصحف والمجلات فى تقديم وثيقة تبقى لأجيال شكلا ومضمونا، فخرجت معظم الصحف على اختلاف أنماط ملكيتها والمدارس الصحفية التى تنتمى إليها مثل العروس التى تتزين لأجمل ليالى العمر. الجميع تبارى فى تقديم محتوى يوثق تلك اللحظة التاريخية، وبإخراج فنى يسر النفوس والعيون. تفوقت الصحف المطبوعة على نفسها، وقدمت تجربة اجتذبت حتى أبناء جيل «زد» ومدمنى التصفح الرقمى، فقد أدرك الجميع أن الوسيط ليس هو المشكلة، بل المحتوى، وأن محتوى جيدا فى صحيفة مطبوعة قادر على استعادة الجمهور من محتوى «لا يسمن ولا يغنى من جوع» فى وسيط مرئى أو رقمى، فحتى قواعد الصحافة الإلكترونية تتواضع أمام المحتوى وتؤكد دائما أن «المحتوى هو الملك». تجربة الصحف المطبوعة، وبخاصة الصحف القومية التى أثبتت أنها ذراع إعلامية قوية للدولة المصرية، وذاكرة الأمة الحاضرة فى الأحداث الكبرى واللحظات الفارقة تستحق التحية لكل من أبدع واجتهد، لكل من تفانى وأخلص، ولكل من دعّم وساند. ما قدمته الصحف القومية فى تغطية المتحف المصرى الكبير كان ثمرة اجتهاد من زملاء فى مواقع القيادة ومبدعين كُثر فى بلاط صاحبة الجلالة، كما كان ثمرة تخطيط وتنسيق قاده باقتدار «مهندس الصحافة القومية»، المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، الذى حرص على الالتقاء بالعديد من رؤساء التحرير ومجالس الإدارات قبل انطلاق تغطيات افتتاح الحدث الكبير، ليدعمنا ويوفر كل الإمكانات المتاحة لكى نقدم جميعا أفضل ما لدينا. هذا النجاح ربما يعيد كثيرا من الأمور إلى نصابها الصحيح، بعيدا عن الاطمئنان المفرط والمبالغ فيه فى «ترندات السوشيال ميديا» التى ربما تناسب المحتوى الخفيف والترفيهى، لكنها لا تصلح لبناء وعى وتكوين ثقافة، فالقراءة العميقة من خلال الكتب والصحف الجادة هى التى تصنع وعيا حقيقيا، ولعل الإقبال الكبير على اقتناء الكتب المطبوعة حتى من أجيال الشباب خير شاهد على أن الثقافة الجادة لا يزال لها عشاقها من كل الأعمار. حتى الدول المتقدمة فى أنظمة التعليم أعادت الاعتبار للكتاب المطبوع، ولجأت دول أوروبية متطورة تعليميا إلى تقليص الاعتماد على الشاشات والوسائط الإلكترونية خاصة فى مراحل التعليم الأولى، واستعانت مجددا بالكتب المطبوعة التى توفر للطلاب تجربة تعلم وتفاعل مختلفة تعتمد على التحليل والتفكير والكتابة وصياغة الملاحظات والتفكير النقدى، وهو ما لا تتيحه فى معظم الأحيان تجربة التعلم عن طريق الشاشات. وحتى فى مجال الإعلام، فقد منحتنا السنوات الأخيرة فرصة ذهبية لكى ندرك أن ذلك المحتوى المصنوع على منصات التواصل الاجتماعى لا يخلو من تلاعب عبر الخوارزميات وتحكم عن بعد من جانب أيادٍ خفية، قادرة على التزييف واصطناع حقائق مختلقة لواقع نراه ونعايشه اليوم، فما بالنا بمن سيطلع على هذا المحتوى بعد قرن من الزمن؟! نعم، أعرف أن التطور سُنة الحياة، وأن الزمن لا يعود إلى الوراء، لكن التطور أيضا لا يمكن أن يسلبنا عقولنا وقدرتنا على تطوير أدوات التعلم والمعرفة والصحافة المطبوعة، التى ستبقى ذاكرة حية وشاهدة تحظى بالثقة والمصداقية على مجريات التاريخ، فالجريدة التى تُطبع اليوم لن تتغير بعد 100 عام، ولن تتحكم الخوارزميات فى تبديل محتواها أو طمس صورها التى ربما توثق لأحداث ووقائع لا يريد هؤلاء المتحكمون فى المنصات الرقمية أن تبقى دليلا على إدانتهم، بل لعلهم يسعون إلى احتكار الحقيقة التى تُستخدم لصياغة عقول المستقبل. ربما تكون منجزات العلم والتكنولوجيا التى فرضت تحديات كبيرة على صناعة الصحافة المطبوعة فى العالم كله، هى نفسها الأداة التى تغير من واقع هذه الصناعة عبر توفير حلول أقل تكلفة وأكثر استدامة، وبما يحافظ على قيمة الكلمة المطبوعة ويساهم فى الحفاظ على رونقها وتأثيرها. فى البدء كانت الكلمة.. وفى الختام أيضا ستبقى الكلمة الصادقة، العميقة، التى تحمل فكرا ووعيا وعلما. بداية كل شيء كلمة.. وستبقى الكلمة فى كل زمان عنوانا لإبداع الإنسان وتفرده وسط المخلوقات. نعم، قد تتغير الوسائط، لكن ستبقى الكلمة والصحافة الجادة احتياجا إنسانيا لا غنى عنه، حتى وإن طغت منصات ترويج «التفاهة» فى زمن «الترندات».