الأغلبية من الأزواج القدامى الذين خالجهم الملل الزوجى المقيت، يجلسون فى جماعات ولا يظهرون فرادى، لهم جلسة أظنها يومية كأنها كانت تنقصنى هى الأخرى لتزيد الطين المكوم على صدرى بلة، فتقضى على ما تبقى من شعابه الحية، أصبت مؤخرًا بداء الشيشة على كبر، وبدأت لأول مرة فى عمرى أقتفى أثر المعسل الجيد وأى المقاهى المجاورة فى الحى تصلح وأتتبع أمرها، أيهم أكثر إتقانا فى رص الحجر وتسليك القلب وضبط الرفاس وتنظيف ال «لّي» وتفاصيل أخرى ما تخيلت يومًا أننى أفعلها.. المهم اننى بعد رحلة من البحث والتقصى توصلت الى مقهى مجاور جلسته أنيسة، وله ناصية مفتوحة هواها يرد الروح ويعدل المزاج. صحيح انها-الشيشة- ولله الحمد لم تتملك منى أو تصل الى حد الاعتياد حتى الآن ومازلت أصنفها فى الحدود الآمنة بالنسبة لمعتاديها، ولكنها صارت تشغل جزءا من أسبوعى وأضافت لى جانبا ما كنت أبدًا أعرفه عن حياة الأزواج وطبيعة سلوكهم اليومي، إذ كنت أظن ان جلسة المقاهى عامة تحدث لسبب ما، منها مثلا الشيشة التى كنت أعدها سببا رئيسًا، أو لعب الطاولة والدومينو والورق، أو لإنجاز مقابلة غير رسمية أو لزوم قعدة الأصحاب وهذه تحدث لما يجد الأصحاب وقتًا يناسب غالبيتهم وهذه مسألة موسمية جدا. المهم وجدت لى زاوية شرحة فى المقهى المذكور واتخذتها ركنا «ايجار جديد» بالسعر العادل الذى يضمن لى عدم الطرد بزعم ضعف الإيجار، أما كيف يحدث ذلك فالإجابة لها مفتاح سر وحيد هو «درش»، ودرش هذا كُنية لاسم مصطفى كبير العاملين، والطريقة سهلة جدًا لكن مكلفة أحيانًا، إذ تتطلب أن تكون سخيًا قدر استطاعتك مع درش فى البقشيش والإكرامية وما شابه، لكن وللحق درش غير طماع ابدا لكنه بارع فى «سرسبة» الفكة، يعنى اذا كان الحجر الواحد يتكلف 13 جنيها وكوب الشاى 12 يصبح المجموع فورًا 30 جنيها وهذه حسبة درش التى يتقنها ويفعلها على عين الزبون دون خداعه، له طريقة لطيفة أثناء جمع الاجمالي، يختتمه بكلمة» الحساب 25 يا سيدى قول 30، أحب صيغته جدا كأنه يكرمك او يجاملك بخصم ما بينما فى الواقع هو يجيد «السرسبة». بعد مرتين فقط من ارتياد المكان لا أحتاج تكرار الطلب، ففى اللحظة التى أظهر فيها يجرى إعداد طلبى فى صمت بمنتهى الدقة، الشاى على «مية بيضا» سكر برة والحجر هادئ بلا «ولعة» كثيفة تأكل المعسل بسرعة. لا أشترك فى حوارات اطلاقًا وإذا كنت أنصت إليها جدًا، الزبائن معروفون نفر نفر بلا غرباء، الأغلبية من الأزواج القدامى الذين خالجهم الملل الزوجى المقيت، يجلسون فى جماعات ولا يظهرون فرادى، لهم جلسة أظنها يومية فهمت ذلك من المرات المعدودات التى عدت خلالها المقهى، تجمع المتخانق والمتصالح ومن هو على وش خناقة زوجية حامية، وتجمع الهارب من لهيب معركة حامية كادت تفضى الى طلاق لا سمح الله، عرفت ذلك كله فقط دون التداخل مع أحد وكل خناقة منها لقائمة أسباب طويلة تراها الزوجة من زاوية ويراها الزوج من زاوية ثانية وأنا أسمعها من زاويتى المفضلة فى المقهى، أما درش فأصبح كأنه واحد من كل أسرة هنا فى المقهى، فى المرة الأخيرة لى قبل أسبوع سمعته أثناء جمع الحساب لأحدهم يقول: يالا روح بقى يا جدع زمانها نامت! فى زيارة صباحية لى اتخذت زاويتى ورحت أنفث دخانى فى الفراغ، لم يكن سواى أنا وآخر فى زاوية بعيدة، لم يكن وجهه معهودا لى ضمن الوجوه المسائية المعتادة، تفحصته جيدًا وقلت يخلق من الشبه 40، لكن لما وصلته مكالمة زوجية أقسم خلالها بعظيم الأيمان بأنه لن يعود إلى البيت الآن وأنه الوحيد صاحب القرار فى ذلك وبأنه لن يخرج «شنطة الزبالة» مجددا ونهائيًا إلا فى المساء فقط بعد أن ينام الجيران، كدت أستلقى على ظهرى من الضحك، الآن فقط عرفته، هو هو، انتظرته حتى انهى مكالمته العاصفة وذهبت اليه لأعرفه بنفسى وألقى السلام، فرحب الرجل جدا بأدب ودماثة لما عرفنى ثم دفع الحساب وانصرف، كان وزيرا أسبق وكنت أظنه يتمتع بحصانة ما لكنى تأكدت أن لا حصانة وزارية تنفع فى الحياة الزوجية! والسلام ختام من قهوة درش