منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان بين الجيش وميليشيا الدعم السريع في ابريل 2023، لعبت الموسيقى دورًا محوريًا في تعزيز الانتماء الوطني بين أبناء الشعب السوداني، وبث روح الأمل والسلام رغم الانتهاكات التي هددت الاستقرار والأمن، وارغمت الكثيرون على النزوح هربًا من الموت والخوف، ولطالما كانت الموسيقى وسيلة للتعبير عن الألم، الفقد، والأمل خاصة في ظل الأزمات والحروب، لذا أُنتجت عشرات الأغنيات السودانية التي جسدت معاناة الشعب، وبرزت دور المقاومة والأمل، كما دعت إلى الوحدة الوطنية بين مختلف القبائل والمجموعات.. في السطور التالية نستعرض دور الأغنية السودانية خلال فترات النزاع، وكيف استطاعت أن تكون صوتًا للمقاومة. قبل عقود، عانت السودان من نزاعات داخلية وحروب أهلية أثرت بشكل كبير على شكل الموسيقى في السودان، وعلى الرغم من تنوعها وغناها، إلا أن الأغنية الوطنية برزت بشكل أكبر خلال هذه الفترات، حيث ظهرت مجموعة من الأغنيات التي وصفت واقع الحرب المرير، ودعت إلى تحقيق السلام، وفي ظل غياب المشهد الثقافي والفني في السودان تأثرًا بالحروب، حيث أُغلقت المسارح، وتفرقت الفرق الموسيقية والفنانين، كانت هذه الأغنيات تُكتب وتُغنى في معسكرات اللاجئين، وفي المدن التي عانت من النزاع، ومع تطور المشهد الموسيقي، برزت أصوات جديدة تُعبر عن واقع الحروب والنزاعات، وتنوعت الأساليب الموسيقية حيث يمزج الفنانون بين التقاليد الموسيقية السودانية القديمة والعصرية مما يجعلها أكثر تأثيرًا وملائمة لجيل الشباب. وتناولت الأغنية الوطنية السودانية التعبير عن التجارب والقضايا الإنسانية، ونشر الوعي والمقاومة، وتعزيز الهوية السودانية، وبث روح التضامن، لكن سيطرت مشاعر الحنين إلى تحقيق السلام على الأغنيات التي أُنتجت مؤخرًا خلال العام المنصرم، أبرزها أغنية "إن شاء الله سنة أمان سنة خير على السودان" للفنانة بسمة حسين التي تمنت من خلالها مستقبل أفضل وتغيير إيجابي لبلدها، ودعا الفنان منتصر مكسيكي أيضًا من خلال أغنيته "الحرب لازم تقف" إلى إنهاء الحرب وتحقيق السلام، كما سلط الضوء على الآلام والمعاناة التي يواجهها أبناء الشعب السوادني نتيجة النزاعات، وشجع على التضامن بين أفراد الشعب كوسيلة لمواجهة التحديات. من أبرز الأغنيات التي دعت إلى الأمل والتفاؤل أيضًا، أغنية "الجاي خير" للفنان عبد الله ناصر التي تعتبر واحدة من الأعمال الفنية التي تحمل رسائل إيجابية، وتعكس إيمان الشعب السوداني بأن القادم أفضل، وتناولت أغنية "بكرة الهم يفوتنا ونرجع لبيوتنا" للفنان سائح علي مشاعر الحنين بالعودة إلى الديار والمنازل، وتمني زوال وتجاوز المحنة، كما تعكس تجربة الكثيرون ممن أُجبروا واضطروا إلى النزوح، وتضمنت أغنية "متى تنتهي الحرب دي" للفنان مصطفى البربري تساؤلات حول موعد إنهاء الحرب، من أجل العودة إلى بلده، وتحدث خلالها بلسان حال الكثيرون من أبناء الشعب السوداني اللذين يتمنون إنهاء غربتهم، والعودة إلى ديارهم في أسرع وقت، كما عكس البربري أيضًا تطلعه لمستقبل أفضل ورغبته في تحسن الأوضاع في أغنيته "بكرة تفرحي يا بلادي". واستخدمت الفنانة ندى القلعة، المطر، كرمز للتجديد والأمل في أغنيتها "مطر الحصو"، حيث عبرت عن مشاعر الشوق والحنين للوطن التي تطوق إليها، أيضًا الفنان مصطفى جبرة في أغنيته "مشتاقين نرجع"، كما تطرقت الفنانة إنصاف مدني في أغنيتها "بنعود تاني" إلى الأمل في العودة إلى الوطن من جديد، وتجسدت نفس المعاني في أغنية "متى نشوف الخرطوم" لعادل جعفر وهنو التي عكست مشاعر الاشتياق للعودة إلى العاصمة السودانية، الخرطوم. برزت مجموعة أخرى من الأغنيات الحماسية التي دعمت الجيش السوداني في حربه ضد ميليشيا الدعم السريع، منها أغنية "جيش السودان" للفنانة ملاك الخضر علي، التي عبرت من خلالها عن الفخر والاعتزاز بالقوات المسلحة السودانية، ودورها في حماية الوطن، وتحقيق الأمن والاستقرار، وأغنية "الجيش كرب" للفنانة ندى القلعة، و"جيش الوطن" للفنانة هدى عربي، و"جيشنا" للفنان ود أزرق، و"الجيش بحوم فوق في الجو" لجلالات الجيش السوداني، وأغنية "جيشنا الباقي لينا أمان" لأبو القاسم ودوبا، و"وطن العزة" للفنان فاروق أبو حوة. ولم تخل فترة الحرب من الأغنيات الدرامية والعاطفية التي جسدت المشاعر الإنسانية، والتضحيات التي قدمها الشعب السوداني في سبيل استعادة السلام، منها أغنية "الأحداث في وطني" للفنان بهاء جنرال، و"بفديك يا وطن" للفنانة فدوى فريد، و"مالك يا وطن" للفنان خالد موردة، "السوداني عز" للفنان أحمد السعودي، "بلدنا جوه القلب" للفنانة مروة الدولية، وأغنية "وطن" للفنان علاء الدين قسم الله. ظهر عدد آخر من الأصوات المؤثرة خلال فترة الحرب، أبرزها صوت الفنانة إيمان الشريف في أغنية "إويضتي في الجزيرة" التي حققت صدى واسع منذ إصدارها، واقتربت من تخطي حاجز المليون ونصف مشاهدة عبر موقع "يوتيوب"، لما تُجسده من معاناة سكان ولاية الجزيرة، وما تعرضوا له من قتل وترويع وتشريد، وتعكس كلمات الأغنية مشاعر الفقد والاغتراب التي يعيشها السودانيون خاصة النازحون، كما قدمت الشريف أيضًا أغنية "القضية وطن" بعد شهرين من اندلاع الحرب دعمًا لأبناء شعبها، وتضامنًا مع الجبش السوداني. تظل الأغنية السودانية في زمن الحرب شاهدًا حيًا على معاناة الشعب وآماله، ومرآة تعكس الواقع المرير، وتجارب وقضايا الوطن، وصرخة أبناءه، ووسيلة فعالة أيضًا لتعزيز الهوية وتوحيد الشعب حول رسالة مشتركة من أجل مواجهة الحروب والأزمات وتحقيق السلام. اقرأ أيضا: وفاة الموسيقار السوداني عبد الكريم الكابلي صاحب أغنية «مصر يا أخت بلادي»