يعدّ العالم الأمريكي بيتر دير مانوليان أستاذ علم المصريات بجامعة هارفارد (كرسى باربرا بيل)، مدير متحف هارفارد للشرق الأدنى القديم، من أبرز المتخصصين في توثيق آثار الجيزة رقميًا. ويؤكد أن المتحف المصري الكبير إنجاز مهيب بكل المقاييس، يجمع بين جلال التاريخ وأحدث تقنيات العرض والإضاءة ليعيد تقديم الحضارة المصرية فى تجربة فريدة. ◄ القاعات تتيح الوصول لآلاف القطع المهمة بسهولة غير مسبوقة وفي لقاء خاص مع «آخر ساعة»، عبّر مانوليان صاحب كتاب «السير بين الفراعنة» عن سعادته بعودة آثار الجيزة إلى جوار موطنها الأصلي، مشيدًا بدور المتحف فى ربط الزائرين والباحثين حول العالم بتراث مصر القديم، واعتبره صرحًا ثقافيًا يفتح آفاقًا جديدة للفهم والاكتشاف. ◄ كيف ترى إسهام المتحف الكبير في دراسة وفهم الآثار المصرية، خصوصًا القادمة من هضبة الجيزة؟ المتحف المصرى الكبير إنجاز مهيب بكل المقاييس. أصبح بإمكاننا الآن مشاهدة ودراسة عدد هائل من القطع الأثرية المصرية القديمة فى فضاء مذهل من حيث العرض والإضاءة الاحترافية، وبطريقة تتيح للزائر أن يتحرك بحرية حول القطع ليراها من زوايا متعددة، فبعض النقوش أو التفاصيل المنحوتة على أنواع معينة من الأحجار يصعب رؤيتها، لذا فإن الإضاءة المهنية تُعد مكسبًا مضاعفًا. أما بالنسبة للقطع التى اكتُشفت في الجيزة، فأشعر بشىء من التأثر لأنها الآن عادت إلى جوار المكان الذى عُثر عليها فيه لأول مرة. لدينا في بوسطن ارتباط خاص بموقع الجيزة، لأن بعثة «جامعة هارفارد - متحف بوسطن للفنون الجميلة» قامت بأعمال حفائر هناك بين عامى 1904 و1947، إلى جانب اثنين وعشرين موقعًا آخر في مصر والسودان. وكان مدير البعثة هو جورج ريزنر (1867-1942)، وكان مقر الحفائر يُعرف ب«معسكر هارفارد»، غرب هرم خفرع، على مقربة من موقع مركز خوفو الحالى. وقد عثرت البعثة على بعض أعظم كنوز الجيزة التى يضمها المتحف المصرى الكبير اليوم، مثل تماثيل الملك منكاورع، ومعدات دفن الملكة حتب حرس، ونقوش تاريخية مهمة، وآلاف القطع الأخرى بمختلف أنواعها. ◄ اقرأ أيضًا | المعمارية الأيرلندية وراء أسطورة المتحف الكبير ◄ برأيك، ما أبرز التحديات في عرض وصون القطع الأثرية والآثار الضخمة في بيئة المتاحف الحديثة؟ أول تحدٍّ يتعلق بكيفية تثبيت وعرض القطع الكبيرة، مثل التماثيل العملاقة، بطريقة تضمن استقرارها وسلامتها، ثم يأتى بعد ذلك تحديد أفضل زاوية للرؤية بالنسبة للزوار، وأين تُوضع الإضاءة، وأين ينبغى أن تُعرض اللوحات التعريفية أو النصوص التوضيحية. كل قطعة من هذا النوع تتطلب تخطيطًا دقيقًا مسبقًا، يشمل القياسات وتصميم الدعامات والحفظ والتركيب والعرض النهائى. ◄ كيف يمكن للمتحف المصري الكبير أن يسهم في ربط الجماهير الدولية بالتراث المصري القديم وبالأبحاث الأثرية الجارية؟ أنا أحب المتحف المصري القديم فى ميدان التحرير، فهو يحمل طابعًا تاريخيًا مميزًا ورومانسية خاصة ترتبط بعلم الآثار وتاريخ مصر الحديث فى القرن العشرين. لكنه كان مزدحمًا للغاية، وكان لا بد من نقل القطع الأثرية لتلبية معايير المتاحف الحديثة، سواء فى أسلوب العرض أو تجربة الزائر. المتحف المصري الكبير صُمم لتلبية المتطلبات الحديثة، فالمبنى المعمارى فريد من نوعه ولا يشبهه أى متحف آخر. العناوين والملصقات واضحة، وتشمل أرقام الجرد الأساسية، كما أن الرسوم المتحركة والتقنيات الحديثة تضيف بعدًا تفاعليًا لعروض مختارة، أما بالنسبة للباحثين، فإن القاعات تتيح الوصول إلى آلاف القطع الأثرية المهمة بسهولة غير مسبوقة، مما سيفتح الباب لاكتشافات جديدة عند دراسة هذه القطع فى بيئتها الجديدة. ◄ ما نصائحك للباحثين والطلاب والزوار لمساعدتهم على فهم المعروضات وسياقها التاريخي؟ بالنسبة للزائر العادى، أنصح باختيار موضوعات أو فترات محددة للتركيز عليها. قليل من التحضير المسبق، أو الاستعانة بمرشد متمرس داخل القاعات، يمكن أن يساعد فى التركيز على أهم القطع وتجنب الشعور بالإرهاق أمام الكم الهائل من المعروضات. فهذه مجموعة تحتاج إلى زيارات متكررة! أما بالنسبة للباحثين، فإن وجود أرقام الجرد الخاصة بالمتحف المصرى الكبير على الملصقات سيساعدهم فى دراسة أصول القطع وربطها بأنظمة الترقيم القديمة.