مع اقتراب موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، تترقب مصر والعالم حدثًا استثنائيًا في الثالث من يوليو 2025، إيذانًا ببدء تشغيل أحد أهم المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين. لم يكن هذا المتحف مجرد مبنى يضم القطع الأثرية، بل هو صرح ثقافي متكامل يعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة، ويجسد أحدث أساليب العرض المتحفي والتكنولوجيا الحديثة. بعد سنوات من التحضيرات والتشغيل التجريبي، أصبح المتحف جاهزًا لاستقبال زواره في تجربة لا مثيل لها، تمتزج فيها عبقرية الماضي مع تقنيات الحاضر، مما يجعله مركزًا عالميًا للثقافة والفنون والبحث الأثري. ◄ من الفكرة إلى التنفيذ بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في أوائل القرن الحادي والعشرين، عندما طرحت وزارة الثقافة المصرية، بقيادة الفنان فاروق حسني، مشروعًا لإنشاء متحف ضخم يليق بعظمة الحضارة المصرية القديمة. جاء هذا المشروع استجابة للحاجة الملحّة إلى مساحة أكبر لعرض المقتنيات الأثرية، بعد أن ضاق المتحف المصري بالتحرير بآلاف القطع الأثرية التي لم يكن هناك مجال لعرضها أو ترميمها بالشكل المناسب. وفي عام 2002، أُعلنت مسابقة عالمية لاختيار تصميم المتحف، فازت بها مجموعة من المكاتب الاستشارية من دول مختلفة، وبدأ التنفيذ الفعلي للمشروع في عام 2005. تم اختيار موقعه بعناية بالقرب من أهرامات الجيزة، ليكون بمثابة بوابة ثقافية تربط بين الماضي والحاضر. وعلى مدار أكثر من عقدين، مر المشروع بتحديات متعددة، لكنه تجاوزها ليصل اليوم إلى لحظة الافتتاح المنتظرة. ◄ مراحل التشغيل التجريبي والتجهيزات النهائية في أكتوبر 2024، بدأ التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بهدف اختبار جميع الأنظمة التشغيلية، وتحديد نقاط القوة والضعف، ومعالجة أي مشكلات محتملة قبل الافتتاح الرسمي. شمل هذا التشغيل التجريبي استقبال الزوار في بعض أقسام المتحف، مثل ميدان "المسلة المعلقة"، و"البهو العظيم"، و"الدرج العظيم"، بالإضافة إلى قاعات العرض الرئيسية التي تضم مئات القطع الأثرية. ووفقًا للدكتور عيسى زيدان، المدير التنفيذي للترميم ونقل الآثار بالمتحف، فقد أسهمت هذه المرحلة في زيادة الإقبال العالمي على المتحف، مما دفع الجهات المعنية إلى تكثيف الجهود لإنهاء جميع الأعمال المتبقية في الموعد المحدد. حاليًا، تُجرى الاستعدادات النهائية للعرض المتحفي، وتجهيز المرافق الخدمية، بالإضافة إلى تنظيم خطة الافتتاح، التي من المتوقع أن تستمر لمدة عشرة أيام. ◄ استقبال رسمي بحضور قادة العالم تحرص الدولة المصرية على أن يكون افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا استثنائيًا، يجذب أنظار العالم. ووفقًا للمصادر، فإن الافتتاح سيشهد مراسم استقبال رسمية في الساحة الرئيسية للمتحف، حيث يستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ملوك ورؤساء العالم، قبل أن يُلقي كلمة الافتتاح. بعد الكلمة الافتتاحية، سيقوم الرئيس والضيوف بجولة داخل المتحف، تبدأ من "بهو رمسيس الثاني"، حيث يقف تمثال الملك العظيم في مشهد مهيب، ثم يتوجهون إلى "الدرج العظيم"، الذي يعرض مجموعة من أهم القطع الأثرية التي تسلط الضوء على الحياة الملكية في مصر القديمة. وستكون المحطة الأهم في الجولة هي "قاعة الملك توت عنخ آمون"، التي تضم المجموعة الكاملة لمقتنيات الفرعون الذهبي، والتي تُعرض بالكامل لأول مرة في التاريخ. ◄ عروض بصرية وتقنيات حديثة حرصت اللجنة المنظمة على أن تكون الاحتفالات على مستوى عالمي، حيث سيتم استخدام تقنيات متطورة في التصوير والبث، منها تقنية "K8"، التي تُستخدم فقط في اليابان. كما سيتم بث الفعاليات على شاشات عملاقة في ميادين عالمية، إلى جانب عروض للألعاب النارية بتكنولوجيا يابانية حديثة. لن يقتصر الاحتفال على يوم الافتتاح فقط، بل ستتواصل الفعاليات لمدة عشرة أيام، تتضمن عروضًا ثقافية وفنية، وفعاليات خاصة لكبار الشخصيات العالمية، إضافة إلى طرح تذاكر مميزة لحضور الحدث بأسعار تتراوح بين 5000 و10000 دولار، تتيح لحامليها فرصة المشاركة في جولات حصرية داخل المتحف. ◄ تصميم معماري فريد يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة 117 فدانًا، ويضم مبانٍ بمساحة 100 ألف متر مربع، منها 45 ألف متر مخصصة للعرض المتحفي. يتميز تصميمه المعماري بمراعاة التناسق مع أهرامات الجيزة، حيث ترتفع واجهته بنفس ارتفاع "الهرم الأكبر"، مما يمنح الزوار تجربة بصرية فريدة عند دخوله. تعد قاعة الملك توت عنخ آمون من أهم أقسام المتحف، حيث تضم 5398 قطعة من مقتنياته، تم عرض معظمها داخل 155 فاترينة زجاجية مجهزة بأحدث تقنيات الحفظ. وقد تم تصميم القاعة لتعكس تصميم مقبرة الملك الأصلية في وادي الملوك، حيث تم تقسيمها إلى أربعة أقسام تعرض مراحل مختلفة من حياة الملك، ومقتنياته الشخصية، ومفهوم البعث والحياة الأخرى في العقيدة المصرية القديمة. يعرض "الدرج العظيم" 60 قطعة أثرية ضخمة، تعكس تطور الفن الملكي في مصر القديمة. ومن أبرز المعروضات تماثيل ضخمة لرمسيس الثاني، وحتشبسوت، وأمنحتب الثالث، إلى جانب أعمدة وتماثيل من معابد مختلفة. ◄ التقنيات الحديثة في العرض المتحفي يتميز المتحف المصري الكبير باستخدام أحدث تقنيات العرض التفاعلي، حيث سيتمكن الزوار من تجربة "الواقع المعزز"، الذي يسمح لهم بالتفاعل مع القطع الأثرية عبر شاشات ذكية. كما سيتم استخدام أنظمة إضاءة متطورة للحفاظ على القطع الأثرية بأفضل حال، وضمان تجربة بصرية ممتعة للزوار. اقرأ أيضا| المتحف المصري الكبير يمدد ساعات العمل لتجربة زيارة أكثر مُتعة يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير نقطة تحول في السياحة المصرية، حيث من المتوقع أن يجذب ملايين الزوار سنويًا، مما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المصري. كما يعزز مكانة مصر كمركز ثقافي عالمي، ويدعم رؤية الدولة في تحويل القاهرة إلى واحدة من أهم العواصم السياحية في العالم. وعلاوة على دوره السياحي، يمثل المتحف مركزًا علميًا متطورًا، يضم معامل ترميم مجهزة بأحدث التقنيات، ما يجعله من أكبر مراكز الأبحاث المتخصصة في علم المصريات. ◄ الساحة الخارجية: استقبال أسطوري يليق بعظمة الفراعنة مع اقتراب الزائر من المتحف المصري الكبير، يستقبله مشهد ساحر في الساحة الخارجية، التي تمتد على مساحة شاسعة، تتوسطها المسلة المعلقة للملك رمسيس الثاني، والتي تُعد الأولى من نوعها في العالم، حيث تُعرض معلقة في الهواء، مما يتيح للزوار رؤية نقوشها من جميع الجهات، بما في ذلك القاعدة التي لم يكن من الممكن رؤيتها من قبل. وتحمل الساحة تصميمًا هندسيًا مستوحى من التصميمات الفرعونية القديمة، مع أحواض مائية ونباتات تاريخية، تخلق بيئة تحاكي أجواء المعابد المصرية القديمة. وتمثل الساحة نقطة التقاء بين الحضارة القديمة والعالم الحديث، حيث خُصصت مساحات مفتوحة للعروض الفنية والثقافية، إلى جانب مناطق انتظار مريحة للزوار قبل دخولهم المتحف. ◄ البوابة الكبرى: مدخل يروي تاريخ الملوك يتقدم الزائر إلى البوابة الكبرى، التي تُعد مدخلًا مهيبًا يعكس روعة الهندسة المعمارية للمتحف. وتزين البوابة نقوش الخراطيش الملكية التي تحمل أسماء ملوك مصر القديمة، وكأنها ترحب بزوارها عبر الزمن. بمجرد عبور البوابة الكبرى، يجد الزائر نفسه داخل البهو العظيم، وهو أحد أضخم القاعات الداخلية في المتحف، ويصل ارتفاعه إلى 45 مترًا، مما يجعله أشبه بصالة استقبال ملكية عملاقة. ويحتضن البهو العظيم مجموعة من أضخم التماثيل المصرية القديمة، تتصدرها تمثال الملك رمسيس الثاني، الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 12 مترًا، وهو نفس التمثال الذي كان موجودًا في ميدان رمسيس بوسط القاهرة قبل نقله إلى المتحف عام 2006. ◄ أهم المعروضات في البهو العظيم يضم البهو عددًا من القطع الأثرية العملاقة، التي تنتمي لعصور مختلفة من الحضارة المصرية، ومنها: 1- تمثال رمسيس الثاني: محور البهو العظيم، والذي يعكس قوة وهيبة الملك. 2- عامود النصر للملك مرنبتاح: نقش عليه قصة انتصار الملك مرنبتاح على أعدائه، ومن بينهم ذكر للطرد الشهير لليهود من مصر. 3- تمثال بطلمي لملك وملكة مجهولين: يعكس أسلوب النحت في العصر البطلمي، ويمثل أحد أهم القطع المكتشفة في مدينة هرقليون الغارقة. 4- مجموعة من التماثيل الضخمة والمقتنيات الملكية، التي تعكس روعة الفن المصري القديم. ◄ الإضاءة والتصميم داخل البهو العظيم يتميز البهو العظيم بتصميم معماري مذهل، حيث يدخل الضوء الطبيعي عبر واجهته الزجاجية الهائلة، التي توفر إطلالة مباشرة على أهرامات الجيزة، مما يجعل الزائر يشعر وكأنه في قلب التاريخ. وتستخدم تقنيات الإضاءة الذكية لتعزيز جمال التماثيل وإبراز تفاصيلها الفريدة. من البهو العظيم، يمكن للزائر التوجه إلى عدة مسارات داخل المتحف، منها: الدرج العظيم، الذي يعرض مجموعة من أروع القطع الأثرية المرتبطة بالحياة الملكية والدينية. قاعة الملك توت عنخ آمون، التي تحتوي على كنوزه الكاملة لأول مرة. قاعات العرض الرئيسية، التي تأخذ الزائر في رحلة عبر عصور مصر المختلفة، بدءًا من ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني. يُعد البهو العظيم بمثابة القلب النابض للمتحف المصري الكبير، حيث يقدم تجربة بصرية مدهشة تجعل الزائر يشعر وكأنه يسافر عبر الزمن إلى عصر الفراعنة. ◄ عصر جديد من العظمة المصرية مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، تستعد مصر لتقديم أعظم هدية إلى العالم: متحف لا يعرض الآثار فحسب، بل يروي قصة الحضارة المصرية بأسلوب تفاعلي متطور. إن هذا الصرح الثقافي ليس مجرد متحف، بل تجربة استثنائية تجمع بين الماضي والمستقبل، وتضع مصر في قلب المشهد الثقافي العالمي. ومع بدء العد التنازلي لهذا الحدث الضخم، يترقب العالم لحظة فتح الأبواب، ليكتشف كنوز الفراعنة في حُلّة جديدة تليق بعظمة مصر.