على مدار السنوات الماضية وفي إطار الجهود العالمية لخفض نسب إصابة النساء بسرطان الثدي تم تحديد شهر أكتوبر للتوعية بالمرض والذي يرمز له باللون الوردي.. ووفقاً للدراسات العالمية فإنه يعد ثاني أكثر أنواع السرطانات شيوعاً، كما يصاب به نحو 10 % من النساء سنويًا حول العالم، وقد تعاني المرأة المصابة عواقب جسمانية ونفسية.. هذا التحقيق يسلط الضوء على نماذج إيجابية لمقاتلات تجاوزن الأزمة وخلقن حياة جديدة نافعة لهن ولغيرهن من مرضى السرطان. ◄ مها: اكتشفت نفسي من جديد وأسست جمعية لدعم المرضى ◄ وفاء: أفسد فرحتي بتخرج ابنتي لكنني انتصرت عليه «من رحم الألم والمعاناة يولد الأمل».. هكذا وصفت الدكتورة مها نور رئيس جمعية سر الحياة لدعم مرضى السرطان رحلتها مع مرض سرطان الثدي، حيث اختلفت حياتها كليًا وأصبحت أكثر إيجابية تبحث عن كيفية مساعدة نفسها أو غيرها من السيدات المصابات بالمرض . ◄ بداية جديدة تقول الدكتورة مها عن تجربتها: «رحلتى مع السرطان بدأت قبل نحو 14 سنة بالمصادفة، فذات يوم كنت أشاهد إحدى القنوات وكان يذاع عليها إعلان يوجه إلى اهتمام النساء بالكشف المبكر عن سرطان الثدى واستشارة الطبيب وكان ذلك فى يوم عيد ميلادي، حينها شعرت بورم صغير فى الثدى وبالفعل توجهت للطبيب وكان رده مطمئنًا، وبدأت خطوات الفحص وإجراء التحاليل الطبية ولم يخطر على بالى أنه سرطان خصوصًا أننى كنت فى سن صغيرة (33 عامًا)، لكن عندما أبلغنى الطبيب صدمت للوهلة الأولى فكان كل تفكيرى حينها أن السرطان مرض يصاحبه الموت فكنت على مشارف الانهيار، لكن دعم زوجى ووالدتى ووقوفهما بجانبى جعلنى أصر على العلاج، وبالفعل بعدها تغيرت حياتى وبدأت أخطو خطوات عديدة نحو التغيير، وأبحث عن أهداف جديدة لتحقيقها». وتابعت: «بعدما كانت حياتى مقتصرة على الاهتمام بالمنزل وتربية أطفالى التفت لشغفى بالكتابة وأنشأت مجلة إلكترونية أطلقت عليها (سر الحياة) تضم حاليًا ملايين من المتابعين وقناة على يوتيوب تهتم بتقديم محتوى الطبخ للسيدات، ومن الموقع الإلكترونى إلى جمعية تحمل نفس الاسم تهدف إلى الدعم النفسى والمعنوى لمرضى السرطان» . ◄ سر الحياة وأوضحت أنها من خلال جمعية «سر الحياة» أقامت عدة مبادرات لدعم مرضى السرطان منها مبادرة «ذراعى خط أحمر»، لتعميم ارتداء إسورة نحاسية أو سيليكون لمرضى السرطان لتكون بمثابة إشارة تحذيرية وحماية لهم، حيث إنه عند استئصال الغدد الليمفاوية أثناء عملية استئصال الثدى تحدث مضاعفات للمريضة بالذراع ومنها داء الفيل الذى يؤدى الجهل به إلى مضاعفات خطيرة قد تؤدى للبتر. ومبادرة «كارت الخدمات المتكاملة لمرضى السرطان» لإدراج بطلات سرطان الثدى ضمن ذوى الاحتياجات الخاصة لوجود إعاقة مدى الحياة فى الذراع، كما تهتم الجمعية تحت مبادرة «بالفن نهزم السرطان» بإقامة ورش لتعليم السيدات حرفًا مختلفة منها المكرمية والكورشيه وصناعة العطور والتعاقد مع أماكن لعرض إبداعاتهن وتوفير مصدر دخل لهن، خصوصًا أن معظم المحاربات يتخلى عنهن أزواجهن وتجد المريضة نفسها بلا داعم مادى أو معنوى، وقد قام أعضاء من الجمعية بالمشاركة مع مجموعة من نجوم الفن بعرض هذه المبادرات وغيرها من خلال عمل مسرحى نال الكثير من الاستحسان والتقدير. وأكدت أن رحلتها مع مرض السرطان كانت حافزًا بالنسبة لها للتغيير، مؤكدة أن المرض ليس نهاية بل بداية جديدة، لافتة إلى أنها لم تنسَ دعم زوجها لها لأنها كانت ترى نفسها من خلاله ولا تنسى أنها أثناء مرورها بفترة علاج الكيماوى ووقوع الشعر والرموش كان دائمًا يمدحها بكلمات تزيد من ثقتها بنفسها. ◄ دعم محاربات السرطان أما وفاء محمود من محاربات السرطان فقد وجدت فى مساعدة الأخريات ودعمهن طريقًا للنجاة ومحاربة سرطان الثدى، فقد فرض القدر عليها أن تصبح أرملة فى سن صغيرة، فبينما كانت تراعى طفلتها الثالثة وبعد 7 شهور من ولادتها توفى زوجها فوجدت نفسها مسئولة عن ثلاثة أطفال أكبرهم فتاة عمرها 4 سنوات، فقررت العودة لوظيفتها لتتمكن من الإنفاق وتعليم أبنائها، وقامت بدور الأب والأم لسنوات طويلة حتى تخرج ابنها الأوسط فى كلية التجارة وتخرجت ابنتها الكبرى فى كلية الحقوق، لكن المرض لم يمهلها فرصة الفرحة وجنى ثمار تعبها مع أبنائها فقد عرفت فى يوم نجاح وتخرج ابنتها أنها مصابة بسرطان الثدي. تقول وفاء: «يوم تخرج ابنتى الكبرى كان عيدًا بالنسبة لي، لكن قبلها بفترة قليلة بدأت أشعر بورم فى الثدى تحديدا فى عام 2018 وتوجهت لعمل الفحوصات لتأتى النتيجة يوم نجاحها وأعلم أننى مريضة سرطان، وقت الفحوصات فضلت ألا أبلغ أحدًا من أبنائي، لكن فور علمى بالنتيجة قررت إخبارهم فهم حياتى وثمرة سنوات طويلة من الجهد والصبر، وبدأت رحلة العلاج، كان حجم الورم 2سم وأخبرنى الطبيب أن حجمه يمكن أن يتقلص بجلسات الكيماوى وخضعت ل8 جلسات لكن اكتشفنا لاحقًا أن الورم أصبح فى أوردة الثدى فقرر الطبيب إجراء عملية واستئصال الثدى مع الغدد الليمفاوية تحت الإبط خوفاً من انتشار المرض». تتابع: «بعدها تابعت العلاج ب15 جلسة إشعاع سببت لى مضاعفات وحرقًا كليًا فى الرقبة أخذت وقتًا طويلًا للتعافى منها، فى كل الأحوال كانت فترة صعبة ولكنى كنت أستمد القوة والدعم من أبنائى وأخوتى ووالدتى فكانوا يشجعونني، مؤكدين لى أننى قوية وقادرة على تجاوز المحنة كما كان لديهم حرص على الاهتمام بى وتنفيذ توصيات الأطباء من ناحية العلاج والتغذية وإعداد وجبات خصيصًا لى من الخضراوات والسوائل بالإضافة لحرصهم على وجودهم معى أثناء الجلسات». وتشير أمل إلى أنها اكتشفت نوعًا آخر من السعادة بعد مرورها بهذه المحنة وهى مساعدة ودعم الآخرين، فهى محبة لمساعدة مرضى السرطان ومن خلال جمعية «سر الحياة» قررت ألا تكون فقط عضوًا بالجمعية ولكن لا بد أن تشارك فى الدعم النفسى والمعنوى للمرضى، لتشاركهم فى مختلف الأنشطة والرحلات وحل مشكلاتهم وغيرها من الأمور التى تمنحها الشعور بالسعادة والراحة، على حد قولها. ◄ التعافي بالعمل وكما حاولت وفاء دعم مرضى السرطان بالتطوع، حاولت بسمة أحمد دعمهم من خلال عملها الخاص مكان تملكه وتقيم لهم الحفلات وتدعوهم إلى مطعمها فى المناسبات. بسمة سيدة أربعينية زوجة وأم لطفلين أصيبت بسرطان الثدى فى عمر مبكر، وبعد ولادة طفلتها الثانية وأثناء فترة الرضاعة اكتشفت الإصابة، فى البداية كانت رافضة للعلاج ولكنها سرعان ما عدلت عن قرارها من أجل أطفالها وعملها الذى كانت تأسس له، فهى سيدة لديها طموح وشغف بتحقيق ذاتها. تقول بسمة: أبنائى وزوجى وعملى كانوا الحافز وراء محاربتى للمرض فرغم الصعوبات الصحية والنفسية التى تعرضت لها أثناء هذه الفترة مع تخلى أقرب الناس عني، لكن كان لدى إصرار على تجاوز هذه المرحلة وقررت الاعتماد على نفسى لتجاوز محنتى . وتوضح: كنت أذهب للعمل يوميًا ولم أفصح لأحد من العاملين معى بمرضي، وأحاول جاهدة إخفاء ما يتركه العلاج من علامات إرهاق على وجهى وبعد سنوات من الجهد ونجاحات وإخفاقات استطعت تجاوز محنة المرض وإتمام العلاج وتطوير عملى الخاص؛ ليصبح لدى بيزنس خاص عبارة عن مطعم وأكون فى غاية السعادة عندما أدعو مريضات السرطان إليه، مؤكدة أن كل سيدة لا بد ألا تنتظر يد العون بل لا بد أن تكون هى الداعم الأول لنفسها ولديها الإصرار على التعافى وتغيير حياتها للأفضل. ◄ الاكتشاف المبكر وفيما يتعلق بالاكتشاف المبكر لمرض سرطان الثدي يوضح حسين خالد أستاذ الأورام رئيس المعهد القومى للأورام الأسبق، أن الكشف المبكر يقلل من نسب الإصابة وينصح بالفحص والكشف بالأشعة بعد بلوغ سن الأربعين، وإذا كان يوجد تاريخ مرضى بالعائلة لا بد من عمل فحص ذاتى بتحسس منطقة الثدى كل شهر. وأوضح أن هناك مسببات لسرطان الثدى قد تجعل بعض السيدات عرضة للإصابة أكثر من غيرهن ومنها التدخين، وعدم ممارسة الرياضة، والعادات الغذائية الخاطئة، وسوء استخدام الهرمونات من قبل بعض السيدات بعد انقطاع الدورة الشهرية، مشيرًا إلى أن سرطان الثدى يمكن أن يصيب الرجال، لكن بنسب قليلة جدا خصوصًا بعد تحجيم مرض البلهارسيا الذي كان يسبب تليف الكبد، وبدوره كان يزيد من نسبة الهرمون الأنثوى عن الرجال، ولكن حاليًا أصبحنا نحاكى العالم فى نسب سرطان الثدى لدى الرجال ومن بين كل ألف حالة سرطان ثدى نجد من بينهم 20 حالة فقط من الرجال. وأشاد الدكتور حسين بالجهود المبذولة من قبل الدولة التى تؤدى إلى الوقاية أو الاكتشاف المبكر والتى من بينها حملات التوعية والكشف المبكر أو الجهود المبذولة مؤخرا بمعهد الأورام والوحدات التى تستهدف 20 ألف جلسة إشعاع سنويا، وهى جهود تزيد من الحماية وتقلل من العلاج بالأدوية مرتفعة الثمن وفوق قدره والطاقة المادية للكثيرات. ◄ الدعم النفسي فيما يوضح الدكتور إبراهيم عبدالرشيد أستاذ التحليل النفسي بجامعة عين شمس أن الحالة النفسية تؤدي إلى الإصابة بأمراض كثيرة من بينها السرطان، فبعد تعرض الإنسان للصدمات تتحور الخلايا بالجسم وتتغير الكيمياء الخاصة بها حتى تصبح خلية سرطانية بعد فترة قصيرة أو بعد سنوات، يختلف ذلك من شخص لآخر أو حسب العمر فقد يتطور المرض مع الأطفال بسرعة كبيرة لشدة تأثرهم نفسيا ومع البالغين قد يأخذ الأمر سنوات طويلة. ويوضح عبدالرشيد أن الصدمات ليست السبب الوحيد، فأحيانا يكون وجود بعض الأشخاص المؤذين فى حياة المريض سببًا في الإصابة وتطوُّر المرض، لا سيما حين يتخلى الزوج عن زوجته، كل هذه مسببات للدخول في حالة من الاكتئاب والقلق التي تؤثر على الجهاز المناعى فتساعد على الإصابة، لذا عند تعامل الطبيب مع مريض السرطان يجب الاطلاع على تاريخه النفسي لمساعدته فى التخلص من المشاعر السلبية والضغوط.