◄ الدكتور سيرجي إيفانوف: مشروع لا مثيل له على مستوى العالم ◄ مكسيم ليبيديف: افتتاح استثنائي سيغير خريطة السياحة الثقافية كتبت - مي فرج الله في حدث عالمي طال انتظاره، تستعد مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير رسميًا، غدًا السبت 1 نوفمبر، ليكون أحد أكبر وأهم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، وواجهة حضارية استثنائية تجسد عظمة مصر وتاريخها الممتد عبر آلاف السنين. وتتجه أنظار العالم نحو القاهرة، حيث الحدث الثقافي الأبرز الذي يليق بعراقة الحضارة المصرية القديمة ومن المنتظر أن يُحدث افتتاح المتحف طفرة غير مسبوقة في قطاع السياحة، ويرفع من مكانة مصر كمركز عالمي للثقافة والآثار، ويُعيد إلى الأذهان دورها التاريخي كمهد للحضارات، ليس فقط الفرعونية، بل والإسلامية والقبطية والهلنستية والرومانية. ◄ طفرة حقيقية في حركة السياحة الوافدة في هذا السياق، قال عالم المصريات الروسي مكسيم ليبيديف، والباحث البارز في معهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، إن الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير سيمثل "حدثًا هامًا" لكل من علماء المصريات المحترفين وعامة الجمهور على حدٍ سواء، كما سيُسهم بقوة في زيادة الاهتمام بمصر من قِبل قطاع السياحة في العديد من دول العالم. وأضاف ليبيديف في تصريح خاص: "بالطبع، زرت المتحف المصري الكبير في عدة مناسبات، مثل كثير من الزملاء، وشاهدت العمل الهائل الذي تم إنجازه استعدادًا لافتتاحه الرسمي، المعروضات المُختارة ببساطة رائعة، وهناك عمل مستمر لتحسين طريقة العرض من خلال تحديث الإضاءة والملصقات التوضيحية، وهو أمر طبيعي يحدث في المتاحف العالمية باستمرار". وتابع قائلًا: " أتطلع بفارغ الصبر إلى افتتاح المتحف، وخاصةً الغرف الخاصة بكنوز مقبرة توت عنخ آمون، والتي أُعيد ترتيبها بطريقة علمية حديثة غير مسبوقة." وأكد ليبيديف أنه إذا تمت عملية الافتتاح بسلاسة، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة، وتم إرسال المعلومات إلى كبرى وكالات السفر العالمية، فإن هذا الحدث قد يُحدث "طفرة حقيقية" في حركة السياحة الوافدة إلى مصر. وأضاف: " ومع بداية موسم السياحة الخريفي، سنبدأ في رؤية التقييمات الأولى، والتي أنا على يقين بأنها ستكون إيجابية للغاية ومليئة بالحماس." وشدّد كذلك على أن الإرث المصري ليس مقتصرًا فقط على الحضارة الفرعونية، بل يمتد ليشمل العصور الوسطى وما بعدها، ويُعد من أهم روافد الثقافة الإنسانية العالمية. اقرأ أيضا| حين يلتقي «الفراعنة» بالذكاء الاصطناعي.. المتحف الكبير يدخل الواقع الافتراضي وأوضح قائلًا: "من اليابان إلى بريطانيا، ومن كندا إلى فيتنام، يأتي السائحون إلى مصر بدافع الشغف بالحضارة المصرية. ولا شك أن الأوروبيين، بحكم قربهم الثقافي والجغرافي، يرون في مصر القديمة حضارةً مفهومة وقريبة من جذورهم التاريخية ، فالحضارتان اليونانية والرومانية، اللتان شكلتا قاعدة الحضارة الأوروبية، كانتا مدينتين بالكثير لمصر." ◄ مصر القديمة تسحر العالم ومن جهتها، قالت عالمة المصريات الأمريكية د. كولين دارنيل إن افتتاح المتحف المصري الكبير يُعد فرصة لا مثيل لها أمام مصر لعرض تراثها الثقافي والإنساني الفريد أمام العالم. وأوضحت في تصريحاتها: "الافتتاح العالمي للمتحف سيكون دافعًا قويًا لزيادة معدلات السياحة. فهو لن يجذب الزائرين لأول مرة فقط، بل سيدفع أيضًا الكثيرين ممن زاروا مصر سابقًا إلى العودة مرة أخرى، خصيصًا لرؤية هذا المتحف العظيم". وأكدت دارنيل أن شغف العالم بالحضارة المصرية لا يزال مستمرًا، وقالت: "مصر القديمة تسحر الناس من جميع أنحاء العالم، ونرى ذلك من خلال البعثات الأثرية المتعددة التي تأتي من دول شتى، وتتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية لاكتشاف الكنوز المدفونة". كما أبدت د. كولين تفاؤلًا كبيرًا بشأن التأثير الثقافي الشامل للمتحف، وقالت: "لا يوجد متحف في العالم يضاهي المتحف المصري الكبير من حيث عدد وجودة القطع الأثرية، التي تمثل مراحل متعددة من التاريخ المصري القديم. وآمل أن يجذب المتحف الزوار لاكتشاف الكنوز الأخرى المنتشرة في متاحف القاهرة." وأشارت إلى أن المتحف المصري بالتحرير لا يزال يضم مجموعة مذهلة، وكذلك المتحف القومي للحضارة المصرية، والمتحف القبطي، ومتحف الفن الإسلامي، ومتحف جاير أندرسون، بالإضافة إلى متاحف أخرى أقل شهرة ولكنها لا تقل أهمية. وختمت دارنيل حديثها قائلة: "لقد أصبحت القاهرة بالفعل عاصمة عالمية للمتاحف، تنافس نيويورك وباريس ولندن والآن، مع المتحف المصري الكبير، تضع مصر جوهرة التاج في قلب هذا المشهد الثقافي". ◄ رؤية استراتيجية طويلة المدى ويقول الدكتور سيرجي إيفانوف، مدير مركز الدراسات المصرية في الأكاديمية الروسية للعلوم، إن الجهود التي تبذلها الحكومة المصرية لافتتاح المتحف المصري الكبير هي جهود جبارة لا تُعد ولا تُحصى، ويؤكد أن هذا المشروع يُعد إنجازًا فريدًا من نوعه، لا يمكن مقارنته بأي متحف آخر على مستوى العالم، إنه بالفعل مشروع ضخم واستثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يثير الإعجاب والانبهار منذ اللحظة الأولى، سواء من حيث روعة التصميم المعماري للمبنى، أو من حيث التجهيزات الحديثة المتطورة التي يضمها، فضلاً عن العرض المتقن والمبهر للمقتنيات الأثرية النادرة التي تحكي تاريخًا يمتد لآلاف السنين. ويتابع الدكتور سيرجي قائلاً: "من المؤكد أن مثل هذا المشروع لم يكن ليرى النور بهذه الصورة المشرّفة لولا وجود رؤية استراتيجية طويلة المدى وضعتها الحكومة المصرية بهدف تطوير القطاع السياحي وتعزيز قدرته على استيعاب الأعداد المتزايدة من السائحين الوافدين إلى مصر كل عام. فالسياحة في مصر تشهد نموًا متسارعًا، وهذا النمو يتطلب بنية تحتية متطورة، ومتاحف جديدة بمستويات عالمية قادرة على استقبال الزوار وتقديم تجربة ثقافية متميزة لهم. ومن هنا، فإن افتتاح المتحف المصري الكبير، إلى جانب المتحف القومي للحضارة المصرية، يُعد جزءًا محوريًا من برنامج تنموي ضخم وشامل تنفذه الدولة المصرية بعناية فائقة." ويؤكد الدكتور سيرجي أن التأثير الإيجابي للمتحف الجديد لن يقتصر فقط على المدى القريب، بل سيمتد تأثيره على المدى البعيد أيضًا. فعلى المدى القريب، لا شك أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيجذب أعدادًا أكبر من السياح إلى مصر، سواء من المهتمين بالآثار أو حتى من أولئك الذين لم يكونوا في السابق يولون اهتمامًا خاصًا بمصر القديمة، لكنه لاحظ، كما يقول، "أنني فوجئت مؤخرًا بأن كثيرين ممن لم تكن لديهم في السابق رغبة في زيارة مصر، أصبحوا فجأة متحمسين للغاية لزيارة المتحف المصري الكبير، بل ويخططون لرحلاتهم خصيصًا لهذا الغرض. وهذا، دون أدنى شك، يُعد مؤشرًا قويًا على النجاح الكبير الذي حققته وزارة السياحة والآثار المصرية في الترويج للمتحف عالميًا، والوصول برسالته الثقافية إلى ملايين البشر في مختلف أنحاء العالم." ◄ مصر وروسيا جذور تاريخية عميقة أما على المدى البعيد، فيرى الدكتور سيرجي أن تأثير المتحف سيكون أعمق وأشمل، إذ سيسهم في إعادة تشكيل مسارات السياحة داخل العاصمة المصرية، ويقول: "لقد اعتدنا في الماضي أن نشاهد المجموعات السياحية الكبيرة تقضي ساعات طويلة في زحام القاهرة للوصول إلى المتحف المصري الكائن في ميدان التحرير، لكن مع افتتاح المتحف الجديد في موقعه الاستراتيجي بالقرب من أهرامات الجيزة، فإن هذا المشهد سيتغير تمامًا، حيث سيوفر المتحف بيئة أكثر سلاسة وتنظيمًا، مما سيخفف من حدة الازدحام في قلب العاصمة، وفي الوقت نفسه يُقدِّم للزائر تجربة أكثر راحة وانسيابية. إنني أرى في ذلك تخطيطًا ذكيًا للغاية، وأكاد أجزم أن هناك العديد من الجوانب الإيجابية الأخرى التي ستظهر تباعًا نتيجة لهذا التوجه." اقرأ أيضا| 4 جوائز مرموقة حصدها المتحف المصري الكبير.. ما هي؟ ويعرب الدكتور سيرجي عن إعجابه الشديد بمكانة مصر في قلوب شعوب العالم، قائلًا: "مصر تملك سحرًا خاصًا يبهر جميع شعوب الأرض، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو انتماءاتهم الجغرافية ، إنها بحق بلد حضاري وإنساني بامتياز ومن الجدير بالذكر أن العلاقات السياحية والثقافية بين مصر وروسيا لها جذور تاريخية عميقة، إذ لطالما كانت مصر وجهة مفضلة للسياح الروس منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، وهو ما أسس لعلاقة قوية ومتينة بين البلدين، نأمل أن تتطور أكثر في المستقبل وتفتح آفاقًا أوسع للتعاون العلمي والثقافي". ◄ معروضات أثرية فريدة ويشير الدكتور سيرجي إلى أن المتحف المصري الكبير، بما يحتويه من معروضات أثرية فريدة تغطي مختلف العصور التاريخية، يُقدم تجربة غنية وشخصية لكل زائر، موضحًا: "إن أحد أبرز ما يميز هذا المتحف هو تنوع محتواه وشموليته، بحيث يستطيع كل زائر مهما كانت اهتماماته أن يجد فيه جانبًا من التاريخ يتصل به أو يثير شغفه. ففي كل زيارة، يكتشف المرء شيئًا جديدًا، وهذه ميزة لا نجدها إلا في المتاحف الكبرى والعريقة، مثل متحف التحرير الذي اعتاد الناس زيارته مرارًا وتكرارًا دون أن يفقد جاذبيته. ومن هذا المنطلق، أعتقد أن المتحف المصري الكبير سيجذب الزوار مرة تلو الأخرى، لأنه ببساطة يقدم تجربة لا تنفد." ويؤكد الدكتور سيرجي في حديثه على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به مراكز الأبحاث الأجنبية في دعم هذا المشروع الثقافي الكبير، قائلاً: "نحن، في مركز الدراسات المصرية بالأكاديمية الروسية للعلوم، سنبذل قصارى جهدنا لتنظيم فعاليات علمية مشتركة مع الجانب المصري، مثل المؤتمرات، الندوات، والأنشطة البحثية المتخصصة، بما يعزز من دور المتحف كمركز عالمي للمعرفة والتبادل الثقافي." ويختتم حديثه بنظرة مستقبلية متفائلة قائلاً: "لا شك أن استخدام التقنيات الحديثة في عرض المقتنيات مثل تقنيات الواقع الافتراضي، والعروض التفاعلية المتطورة سيسهم بشكل كبير في جذب الأجيال الجديدة من الزوار، لكنه لا يقتصر على الشباب فقط، بل لقد شاهدت بعيني كيف أن هذه العروض التفاعلية استطاعت أن تدهش الزوار من مختلف الأعمار، صغارًا وكبارًا. وهذا يبرهن على أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لعرض الآثار، بل هو تجربة ثقافية شاملة تعيد إحياء التاريخ في عيون الزوار بطريقة حديثة وعصرية، مما يُمهِّد لتحوُّل مصر من مجرد وجهة سياحية تقليدية إلى مركز ثقافي وفكري عالمي بارز".