لم يعد بنيامين نتنياهو مطاردًا فقط بلعنات الشهداء والجرحى والمصابين فى غزة، بل باتت المنظمات العالمية والضمائر الحرة تطارده فى كل مكان، مطالبةً بمحاكمته كمجرم حرب أمام العدالة الدولية فى لاهاي. فقد أطلقت منظمة آفاز العالمية التطوعية نداءً دوليًا لمحاسبته على حرب الإبادة التى شنّها ضد المدنيين فى غزة على مدى عامين، مؤكدة أن صمت العالم لا يعنى الغفران، وأن العدالة، وإن تأخرت، لا تموت. هذا النداء ليس خطوة رمزية، بل صرخة ضمير إنسانى تتجاوز حدود البيانات الرسمية إلى فعلٍ شعبيٍّ يسعى لانتزاع العدالة من أنياب السياسة. لقد اعتاد العالم أن يرى قادة إسرائيل فوق المساءلة، محصّنين بجدارٍ من الدعم الغربي، مهما ارتكبوا من جرائم، لكن هذه المرة يختلف المشهد. فصور الأطفال تحت الأنقاض، ودموع الأمهات، والخراب الشامل الذى حلّ بغزة، فجّرت فى ضمير البشرية سؤالًا لا يمكن تجاهله: إلى متى يظل القتلة أحرارًا بينما يُدفن الضحايا بصمت؟ نتنياهو، الذى يستعد اليوم لانتخابات جديدة وكأن شيئًا لم يكن، يريد أن يُطوى سجل الدماء، وأن يُصدّق العالم بأن السلام يمكن أن يقوم فوق ركام العدالة. لكنّ السلام دون محاسبة هو سلام هشّ، هشاشة الورق الذى تُكتب عليه بيانات الأممالمتحدة. لقد كانت الحرب على غزة إبادة ممنهجة استهدفت البشر والحجر، وخنقت الحياة فى قطاعٍ محاصر منذ أكثر من 17 عامًا. استخدم جيشه كل أدوات القتل الحديثة، وقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ. ومن هنا تأتى أهمية العريضة التى أطلقتها آفاز ، تلقيت نسخة منها باعتبارى عضوًا مشاركًا فى المنظمة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا ، فهى ليست توقيعًا إلكترونيًا فحسب، بل شهادة ضمير حيّ. كل توقيع فيها هو صوت يقول: كفى للقتل بلا حساب، وللصمت بلا خجل. لقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو، فى خطوةٍ تاريخية نحو مساءلة طال انتظارها. صحيح أن السياسة قد تعرقل التنفيذ، لكنّ موازين القوة لا تبقى ثابتة، والرأى العام العالمى بدأ يتحرك. إن العدالة ليست رفاهية، بل شرط لبقاء الإنسانية نفسها. وغزة ليست مجرد قضية فلسطينية، بل اختبار لضمير العالم. فإذا فشل المجتمع الدولى فى محاكمة نتنياهو، فإنه يعلن موت العدالة الدولية. فى لاهاي، حيث تنتظر العدالة مجرمى الحروب، يجب أن يكون مقعد باسم نتنياهو ، ليس انتقامًا، بل إنصافًا للتاريخ. فالعدالة، مهما طال انتظارها، لا تموت... بل تنتظر موعدها مع الحقيقة .