المتحف المصرى الكبير هو رسالة مصر إلى العالم، بأن حضارتها روح متجددة قادرة على الإلهام وصناعة المستقبل، وهدية للإنسانية تجسد دورها الضارب فى جذور التاريخ، حين كانت منبع الفكر ومهبط الفنون وملتقى تعايش الثقافات، وفى قاعاته تُسمَع أصداء آلاف السنين. رسالة مصر للعالم بأن القوة الناعمة خلاصة تاريخ يمتد من ضفاف النيل إلى وجدان الإنسانية، ومزيج من الفنون والآداب والسينما والموسيقى والمسرح، ومن حضارة الفراعنة وتعايش الإسلام مع المسيحية فى وئام فريد، تحت سقف من التسامح والمودة والسلام. مصر تستعيد نفسها وتمسح الغبار عن ذهبها، وتحمى تراثها الحضارى والثقافى وتضيء مشاعل التنوير والانفتاح على الحضارات الإنسانية كافة، وحماية مخزونها الحضارى الضارب فى أعماق التاريخ. ومن خلال عروض الإبهار والتقنيات الحديثة، يعود الإنسان ليحاور ماضيه، وينظر فى مرآة الزمن، ويدرك أن الحضارة ليست حجارة، بل قيم وفلسفات ورؤى شكلت وعى الإنسان ذاته، ويبرز صوت مصر المتزن، صوت الثقافة الأقوى من أى صخب أو عنف أو تشدد، فالقوة الناعمة المصرية لا تُفرض بالقوة ولا تُصدَّر بقرارات، ويتشكل رصيدها الذهبى عبر الفن والتعليم والنحت والموسيقى والشعر والفكر والمبدعين العظماء. ليس مجرد متحف ولكن خطوة فى اتجاه ترسيخ مصر فى مكانها الطبيعي؛ مركزاً للإشعاع الثقافى وواحة للسلام الروحي، ومنارة للتنوير الإنساني، حوار بين الماضى والحاضر، وجسرٌ يربط مصر بتاريخها لتسير أكثر ثقة نحو مستقبلها، وحالة شعورية وحضارية تزيح الستار عن مكانة هذا الوطن فى قلب التاريخ الإنسانى، بما يحتويه المتحف من كنوز لا تقدر بثمن، وبما يجسده من رؤية مستقبلية تمزج بين الأصالة والمعاصرة، ويعيد تقديم مصر إلى العالم بوصفها منارة حضارية لا تنطفئ، وذاكرة إنسانية لا تُمحى، وجسراً يربط بين جذور الماضى وآفاق المستقبل، ولا تُعرض الآثار كقطع جامدة، بل كحكايات نابضة بالحياة، تُروى للأجيال بلغة تفهمها العيون قبل الألسنة. طال انتظار هذا المشروع العظيم ليأتى إعلانا واضحا عن قدرة مصر على صياغة حاضرها بإبداع واحترام لتاريخها، ورسالة تقول إن الحضارة التى شيدت المعابد ونحتت التماثيل ورسمت على جدران المقابر هى فلسفة الحياة والموت، وقادرة على تجديد ذاتها والانطلاق بثقة نحو المستقبل. وكل زاوية فى المتحف تحاور العالم بلغة الفن وتذكر الإنسانية بجذورها الأولى، حين كانت مصر مركز الضوء والتفكير والإبداع، وحين يقف الزائر أمام تمثال أو بردية أو قطعة فريدة، سيشعر بأنه لا يرى الماضى فقط، بل يرى معنى الإنسان ذاته. وتبقى هذه الأرض ذاكرة الحضارة ووجدان التاريخ، ومهد المعنى الأول للدولة، ومنارة أضاءت دروب العلم والفن والروح، ومن تربتها خرج المُلهمون والعظماء، ليظلوا شهودًا على قدرة الإنسان أن يبدع ويتجاوز ويعيد اكتشاف ذاته.. إنها مصر التى لا تعرف الأفول، لأن إشراق العقل فيها قدر وازدهار الروح فيها هوية.