مستوى غير مسبوق من التوافق عبرت عنه القمة المصرية الأوروبية الأولى، التى وصفت بالتاريخية، والتى ترأسها فى بروكسل كل من الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبى أنطونيو كوستا، حيث خرجت بنتائج سياسية واقتصادية عمقت مسيرة التعاون على شطرى المتوسط. وتوجت القمة مسار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التى أطلقها الطرفان فى مارس 2024، ودخلت بذلك مصر مجموعة محدودة من الدول التى تتبع معها بروكسل هذا النهج من التعاون رفيع المستوى، لا يضم سوى دول كبرى مثل اليابان وكندا والولايات المتحدة وهى بذلك الدولة الشرق أوسطية، التى وصل التعاون بينهما وبين القارة الأوروبية إلى هذا المستوى الرفيع لاعتبارات عديدة منها الثقل السياسى، الذى تمثله بالإضافة الى محورية دورها وكونها لاعبا أساسيا ورئيسيا فى كثير من الملفات. اقرأ أيضًا | القمة المصرية الأوروبية.. شراكة استراتيجية شاملة تدعم مكانة مصر الدولية حفاوة الاستقبال التى قوبل بها الرئيس السيسى فى بروكسل كانت مقدمة لقمة أراد لها الجانبان المصرى والأوروبى أن تكون دليلاً إضافياً على شراكتهما المتنامية، بما تمثله القاهرة من عامل استقرار فى الحدود الجنوبية لأوروبا، وما تشكله بروكسل كحليف استراتيجى يمكن لمصر التعويل عليه فى العديد من الأزمات الإقليمية والدولية. وطغت التحديات العالمية على مباحثات الرئيس السيسى وزعماء أوروبا خلال القمة، وهو ما انعكس فى البيان الختامى المشترك الذى تضمن التأكيد على التنسيق المشترك فى القضايا التى تمس مصالح الطرفين، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ رحب الطرفان باتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب فى قطاع غزة، مع الدعوة لمواصلة تنفيذ خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإيصال المساعدات الإنسانية للقطاع، بالإضافة إلى التأكيد على الالتزام بحل الدولتين ورفض تقويضه من خلال المستوطنات فى الضفة الغربية كما شدد الاتحاد الأوروبى ومصر على رفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه. وعبّر الجانبان عن موقف مشترك إزاء الأزمات فى القارة الإفريقية؛ فعلى صعيد الوضع فى ليبيا دعا الاتحاد الأوروبى ومصر إلى عملية سياسية تؤدى لتوحيد مؤسسات الدولة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بالإضافة إلى توحيد القوات المسلحة الليبية وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة. كما حث الطرفان على وقف إطلاق النار فى السودان، مع التأكيد على وحدة وسيادة وسلامة الأراضى السودانية. وتضمن البيان المشترك الإعراب عن دعم جهود الصومال فى مكافحة الحركات المتشددة وتعزيز بناء الدولة. وحول ملف الأمن المائى لمصر، أشار البيان المشترك إلى إدراك الاتحاد الأوروبى اعتماد مصر الشديد على نهر النيل فى ظل ندرة المياه، وأكد دعمه لأمن مصر المائى والامتثال للقانون الدولى، فى إشارة إلى أزمة سد النهضة الإثيوبى، كما يشجع التعاون عبر الحدود بين دول حوض نهر النيل على أساس مبادئ الإخطار المسبق والتعاون و«عدم الضرر». واستحوذ ملف الهجرة على جانب كبير من المباحثات، بما له من أهمية قصوى للجانبين سواء لمصر كدولة عبور تتحمل عبئاً اقتصادياً ضخماً، أو لدول الاتحاد الأوروبى، دول المقصد التى تخشى التداعيات السياسية والاقتصادية لموجات الهجرة، حيث أكد الجانبان التزامهما باتباع نهج شامل لحوكمة الهجرة. وأشاد الاتحاد الأوروبى بمصر لاستضافتها ملايين اللاجئين وطالبى اللجوء، كما عبر عن تقديره للتعاون المستمر مع مصر فى هذا الملف. كما عبر الاتحاد الأوروبى عن تقديره ل«الجهود القيمة»، التى تبذلها مصر فى تعزيز حوكمتها الوطنية للهجرة واللجوء، بما فى ذلك اعتماد القانون الوطنى حول اللجوء فى ديسمبر 2024، بما يتماشى مع اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. وأشار الاتحاد الأوروبى إلى دعمه المالى فى مجال الهجرة والبالغ 200 مليون يورو فى الفترة بين عامى 2024 و2027. كذلك، تضمنت القمة دراسة إيجاد بدائل للهجرة غير الشرعية، عبر وضع مسارات للهجرة المنظمة وتنقل الأيدى العاملة والمواهب إلى الدول الأوروبية. ولأول مرة فى مسيرة التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى، تم إطلاق نقاش تمهيدى بشأن إقامة حوار أمنى ودفاعى بينهما، بما يستكمل مسيرة من التعاون فى مجالات أمن الحدود والأمن البحرى ومكافحة الإرهاب. وخلال مباحثاته مع قادة الاتحاد الأوروبى، بدا واضحاً حجم التقدير لدور الرئيس السيسى فى محاولة وضع حد للنزاعات فى جنوب المتوسط، وكذلك الجهود المصرية للحد من الهجرة غير الشرعية، فى ضوء نجاح مصر فى إيقاف مراكب الهجرة صوب أوروبا منذ سبتمبر 2016. كما أكدت الممثلة العليا للشئون السياسية والأمنية كايا كالاس عزم بروكسل المساهمة فى إعادة إعمار قطاع غزة من خلال المؤتمر الدولى، الذى تعتزم مصر استضافته الشهر المقبل. قمة بروكسل التى كانت عنواناً للنجاح من المرتقب أن تطلق مزيداً من الزخم فى التعاون المصرى الأوروبى، حيث سيبدأ الجانبان من الآن التحضير لمزيد من النجاح فى النسخة الثانية من القمة التى سوف تستضيفها مصر فى عام 2027.