تمثل القمة المصرية الأوروبية فى بروكسل، تتويجا لجهود مصرية مستمرة على مدى سنوات، وسياسة خارجية مصرية، أثبتت كفاءتها فى قراءة التحولات العالمية والإقليمية، وقدمت تصورات ورؤية تنطلق من واقع، وتهدف الى إحداث تغيير، فى ظل ظروف معقدة ومتشابكة، وترى أوروبا أن مصر هى الحليف الأنسب والقوى للاتحاد الأوروبى، والقمة نتيجة مباشرة للسياسة المصرية القائمة على التوازن، والشراكات، والتعاون، والتدخل لدعم المسارات السياسية وتخفيض التوترات والصراعات، واعتبر الرئيس السيسى أن القاهرة، والاتحاد الأوروبى على أعتاب مرحلة جديدة فى مسار التعاون الاقتصادى «تتطلب رؤية أوسع وطموحا أكبر، وسط هذه التطورات غير المسبوقة، التى شهدتها منطقتنا ومحيطنا الإقليمى، مؤكدا أن مصر تمثل فرصة حقيقية وملموسة أمام مجتمع الأعمال الأوروبى، وليس مجرد شريك قريب جغرافيا». وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الحدث الاقتصادى المصاحب للقمة المصرية الأوروبية الأولى، أن موقع القاهرة الاستراتيجى، يتيح للشركات الأوروبية النفاذ إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك فى أفريقيا، والمنطقة العربية والاتحاد الأوروبى، الرئيس تحدث بحضور رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى وأكثر من 300 من رؤساء وممثلى أكثر من 60 شركة أوروبية، إلى جانب 100 شركة مصرية، و15 مؤسسة من مؤسسات التمويل الدولية، وممثلين عن الهيئات الاقتصادية التابعة لدول الاتحاد الأوروبى، وأعلن أن المناقشات خلال المؤتمر شملت «دراسة إنشاء ممر استثمارى أوروبى فى مصر، يكون بوابة للأسواق الأفريقية والعربية، وأفكارا حول تعميق اندماج مصر فى سلاسل الإمداد الأوروبية، وتناولا معمقا لدور القطاع الخاص، والتزام الدولة المصرية بدعمه، ليكون محركا رئيسيا للتنمية». كل هذه العناصر تجعل مصر عنصر استقرار يمكنه التعامل مع جميع الملفات بوضوح وكفاءة، وما حدث من انهاء اتفاق وقف الحرب فى غزة، وقمة شرم الشيخ يضاعف من تأثير النفوذ المصرى، الذى يقوم على التوازن والرشادة، ولم تكن القمة المصرية الأوروبية مفاجئة أو وليدة اللحظة، لكنها نتيجة تطور الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبى، التى تم إعلانها فى مارس 2024، ونمت الآن إلى قمة على أعلى مستوى، وتكشف رغبة أوروبية فى فتح مجالات التعاون مع أفريقيا والعرب عبر بوابة مصر، فى ملفات الطاقة والبترول والتبادل التجارى وتوطين الصناعات والطاقة الجديدة والمتجددة والتغير المناخى والهجرة غير الشرعية وكل الملفات الأمنية والسياسية، بما فيها إنهاء الحرب على غزة، واستضافة مصر لمؤتمر الإعمار والتعافى فى نوفمبر المقبل. القمة التى حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، هى شكل من أشكال التحالف الأوروبى، مع مصر اعترافا بكونها حليفا مهما وقويا فى جنوب المتوسط، ولهذا عبر الطرفان عن طموحهما المشترك فى مواصلة تعميق العلاقات الاستراتيجية طويلة الأمد، والتعاون فى مواجهة التحديات العالمية والإقليمية المشتركة وتعزيز المصالح المشتركة وتحديد أولويات المشاركة، حسبما جاء فى البيان الختامى المشترك للقمة التى جمعت الجانبين فى العاصمة البلجيكية بروكسل. واعتبرا أن القمة، التى حضرها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، محطة بارزة فى تعميق العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، الذى جدد التزامه بدعم جهود مصر الرامية إلى تحقيق الاستقرار والمرونة الاقتصادية، من خلال حزمة دعم بقيمة 7.4 مليار يورو منها 5 مليارات يورو قروض ميسرة، و1.8 مليار يورو استثمارات إضافية، و600 مليون يورو فى صورة مِنح. البيان المشترك أشار إلى أن الشراكة تستهدف زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر، مما يعزز بشكل فعال خلق فرص العمل وبناء اقتصاد أكثر ديناميكية ومرونة، ويعود بالنفع على المواطنين المصريين، وكذلك على الشركات ورواد الأعمال، وتعزيز التعاون فى اتجاه دعم الاقتصاد الأخضر والطاقة الجديدة، والبنى التحتية والربط الرقمى الموثوقة والآمنة، والأمن السيبرانى والذكاء الاصطناعى. وأشار البيان المشترك إلى أن الاتحاد الأوروبى يدرك اعتماد مصر الشديد على نهر النيل فى ظل ندرة المياه، ويؤكد دعمه لأمن مصر المائى والامتثال للقانون الدولى، فى إشارة إلى أزمة السد الإثيوبى، ويشجع التعاون عبر الحدود بين دول حوض نهر النيل على أساس مبادئ الإخطار المسبق والتعاون و«عدم الضرر». وكانت الهجرة عموما من الملفات المهمة، حيث قامت مصر بدور مهم فى مكافحة الهجرة غير الشرعية، فى حين تم الاتفاق على تنشيط الهجرات الطبيعية والشرعية بشكل عادل، وأشاد الاتحاد الأوروبى بمصر لاستضافتها ملايين اللاجئين وطالبى اللجوء، وعبر عن تقديره للتعاون المستمر مع مصر فى هذا الصدد. الاتحاد أعلن دعمه المالى فى مجال الهجرة والتنقل والبالغ 200 مليون يورو فى الفترة بين عامى 2024 و2027.. وفى مجال السلام والأمن والدفاع، أطلق الاتحاد الأوروبى ومصر، نقاشا تمهيديا بهدف إقامة حوار أمنى ودفاعى بينهما، وتعاون فى الأمن الإقليمى والبحرى، مع مشاركة ودعم أوروبى لمؤتمر إعادة الإعمار فى غزة، وإقرار السلام فى المنطقة، بما فيها حل الدولتين، ودعم المسارات السياسية السلمية والاستقرار فى ليبيا والسودان باعتبار هذا ضمانا لتنمية تضاعف من الاستقرار.