بعد أكثر من عقدين من التخطيط والعمل المتواصل يقترب المتحف المصري الكبير من لحظة انتظرتها مصر والعالم هناك عند سفح الأهرامات يتكوَّن مشهد حضارى جديد، تتداخل فيه دقَّة الهندسة الحديثة مع عبق التاريخ الممتد لآلاف السنين.. المتحف الذى وُصف بأنه أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، لم يعد حلمًا بعيدًا، بل حقيقة تتجلَّى يومًا بعد يوم مع اقتراب الافتتاح الرسمي. عن هذه اللحظات الحاسمة وعن رؤية الإدارة لتجربة الزائر، والتوازن بين الأصالة والتكنولوجيا، والتعاون الدولي الذي صاغ ملامح الصرح، يتحدث الدكتور أحمد غنيم المدير التنفيذي للمتحف المصري الكبير، في حوار خاص يكشف فيه أسرار الكواليس وطموحات ما بعد الافتتاح. ◄ د.أحمد غنيم: بداية حضارة جديدة.. والتكنولوجيا تخدم الأثر ◄ كيف تقيّمون المرحلة الحالية من مشروع المتحف المصرى الكبير بعد سنوات من العمل والتخطيط؟ المشروع فى مراحله الأخيرة تمهيدًا للافتتاح الرسمي، ومنذ أكتوبر الماضي يجرى وضع اللمسات النهائية، وقد تم تلافى كل الأخطاء والمشكلات السابقة، سواء فى التشغيل أو التجهيزات، مؤكدًا بثقة أن فريق العمل أصبح مستعدًّا تمامًا للافتتاح. ◄ ما الرؤية التي انطلقتم منها في إدارة هذا الصرح الثقافي العالمي؟ رؤية المتحف تنقسم إلى شقين؛ أحدهما يتقاطع مع المتحف القومي للحضارة المصرية، والآخر يختلف عنه. فبينما تتركز رؤية متحف الحضارة على كونه منارة ثقافية للحفاظ على التراث وتنظيم الفعاليات الفنية والتعليمية، يأتى المتحف المصرى الكبير ليقدم رؤية أوسع باعتباره أكبر متحف فى العالم مكرسًا للحضارة المصرية القديمة، جامعًا بين الأدوار الثقافية والتراثية والعلمية والبحثية. ◄ كيف توازنون بين الطابع المصري الأصيل والمعايير الدولية للعرض المتحفي الحديث؟ لغة الزائر اليوم تغيَّرت، إذ أصبح الجيل الجديد يعتمد أكثر على التكنولوجيا والتفاعل البصرى. لذا، تم تصميم تجربة الزائر فى المتحف على أساس الدمج بين الأصالة والتقنيات الحديثة، من خلال استخدام الشاشات التفاعلية وتقنيات الواقع المعزز التى تبرز قيمة القطع الأثرية دون المساس بقدسيتها. كما جرى الاهتمام بكل تفاصيل تجربة الزائر من حيث الخدمات، ومواقف السيارات، وأنظمة الحجز، والمطاعم، لتكون الزيارة تجربة متكاملة وليست مجرد مشاهدة للآثار. ◄ ما الذي يجعل المتحف المصري الكبير مختلفًا عن أي متحف آخر في العالم؟ عدة عوامل أساسية، فهو أكبر متحف أثرى فى العالم، إذ تبلغ مساحته خمسة أضعاف متحف المتروبوليتان وضعف مساحة المتحف البريطانى، كما يقدم المتحف تجربة متكاملة لا تقتصر على الزيارة فقط، بل تشمل المعرفة والتفاعل والترميم الحى أمام الزوار، كما أنه يُتيح المتحف للزائرين مشاهدة عمليات ترميم القطع الأثرية مثل مركب خوفو، وهى ميزة لا تتوافر فى أى متحف آخر. ◄ كيف جرى التنسيق بين الجهات المصرية والدولية لضمان أعلى مستوى من التنفيذ والتجهيزات؟ المشروع بُنى منذ البداية على فكرة تحقيق مستوى عالمى فى التصميم والإدارة، لذلك تم طرح منافسات دولية لاختيار أفضل المكاتب والخبرات العالمية. الهدف الدائم هو أن يكون المتحف على قدم المساواة مع أرقى المؤسسات المتحفية فى العالم. ◄ المتحف مشروع ضخم.. كيف تم تمويله وضمان استدامة موارده بعد الافتتاح؟ تم تمويل أعمال الإنشاء عبر قرض ياباني، مع استكمال التكلفة من الحكومة المصرية. أما التشغيل فيعتمد على نموذج الاستدامة من خلال شراكة مع القطاع الخاص لإدارة بعض الخدمات، والإيرادات الحالية تكفى لتغطية التشغيل، مع التفكير فى موارد إضافية عبر الرعاية والتبرعات. ◄ هل سيكون المتحف مركزًا علميًا إلى جانب كونه معرضًا للقطع الأثرية؟ نعم، فالمتحف المصرى الكبير ليس فقط لعرض الآثار، بل هو أيضًا مركز علمى يستطيع فيه علماء المصريات والآثار إجراء أبحاثهم فى بيئة مثالية داخل مصر دون الحاجة إلى السفر إلى الخارج. والمتحف أصبح بالفعل مركزًا ثقافيًا عالميًا يجمع بين المعرفة والجمال، ويمنح الزائر تجربة تأملية أمام عظمة التاريخ الإنساني. ◄ سمعنا أن مراكز الترميم ستكون مفتوحة للزوار، كيف تضمنون حماية القطع الأثرية؟ الزيارة لمراكز الترميم ستكون بتذاكر خاصة ووفق تصاريح أمنية واتفاقيات محددة، لضمان أعلى مستويات الأمان للقطع الأثرية مع إتاحة الفرصة للزائر لمشاهدة جانب من أعمال الترميم. ◄ كيف يتم تدريب الكوادر المصرية للعمل وفق المعايير الدولية؟ تم التعاون مع كوادر أجنبية فى مراحل الترميم والتشغيل، حيث أسهمت اليابان بدور رئيسى فى التدريب الفنى وأعمال الترميم، كما شاركت فرنسا بخبراتها المتحفية. الهدف هو نقل المعرفة وبناء كوادر مصرية على أعلى مستوى. ◄ هل تتوقعون أن يغير المتحف خريطة السياحة الثقافية في مصر والمنطقة؟ المتحف المصري الكبير سيغير بالفعل خريطة السياحة الثقافية فى مصر والعالم العربى، وسيمثل مركز جذب دائمًا للزوار من مختلف دول العالم. ◄ كيف تخططون لجعل المتحف متصلًا بالجمهور المصري وليس مجرد مقصد سياحي للأجانب؟ نحن حريصون على أن يكون المتحف فى متناول المصريين جميعًا، فتذاكر المصريين تبلغ 200 جنيه فقط، ونصف القيمة للطلاب، بينما هناك إعفاءات كاملة للأيتام وذوى الإعاقة وطلاب الآثار. أما الأجانب فتبلغ قيمة التذكرة 30 دولارًا، والهدف من ذلك هو الحفاظ على جودة الخدمات وضمان استدامة التمويل. ◄ بعد الافتتاح المرتقب، ما الخطوة التالية؟ التحدى الحقيقي ليس فى الافتتاح، بل فى استمرار جذب الزوار عبر تنظيم فعاليات ثقافية وفنية متنوعة على مدار العام، لتظل تجربة المتحف متجددة دائمًا. ◄ سمعنا عن "الكهوف الأربعة" داخل المتحف.. ما طبيعتها؟ هذه الكهوف ستفتح للزوار مع الافتتاح الرسمى، وليست ضمن التشغيل التجريبى. وكل كهف منها يحاكى موضوعًا محددًا من التراث المصرى من خلال تجربة غمر سمعى بصرى، تستخدم الضوء والصوت والمؤثرات لعرض القصص فى سياق درامى وروحى يمنح الزائر لحظة تأمل وسط الرحلة المتحفية. ◄ ما الرسالة التي تودون توجيهها للعالم من خلال المتحف المصري الكبير؟ رسالتنا كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، المتحف المصري الكبير هو هدية مصر للعالم، ليس مجازًا بل حقيقة. إنه أكبر صرح ثقافى فى القرن الحادى والعشرين، يجمع بين التراث والعلم والجمال، ليؤكد أن مصر ما زالت فى قلب الحضارة الإنسانية.