«.. كما يُسقط المستعمر صفات الجهل، والكسل والهمجية على الشعوب المستعمرة لتبرير إخضاعهم، وهذا الإسقاط يخفى صراعات داخلية فى الذات الغربية..» السبت: أزمة أخلاقية حتى اليوم لم يرجع «الرجل الأبيض» عن نواياه الاستعمارية فى مص دماء موارد البلاد التى استعمرها، وزرع كيانات داخلها وخارجها تحمل نواياه فى خلق نزاعات مستمرة، وغلف استعماره لهذه الدول بدعاوى مختلفة مثل إنقاذ هذه الأمم من الجهل والتخلف، ومساعدتها على التحضر والنمو...! وفى رأيى أن ما قدمه عالم التحليل النفسى الأشهر «سيجموند فرويد» مازال صالحا لتفسير سلوك «الرجل الأبيض» فى حق الشعوب المستعمرة، وما يردده من شعارات إنسانية زائفة لمد يد العون لها ومساعدتها على التحضر. وخير مؤيد لدعاوى الاستعمار الكاذبة، ومحاولة تبييضها هو الشاعر البريطانى «روديارد كبلينج»، ويتجلى ذلك فى قصيدته «عبء الرجل الأبيض» الصادرة عام 1899، والتى أنشدها لتبرير التدخل الأمريكى فى الفلبين، وأصبحت لاحقًا رمزًا للعنصرية المقنّعة والاستعمار الثقافى، وتُنتقد اليوم بوصفها نموذجًا للفكر الإمبريالي، والمثير أنه حاصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1907، ويدعو فى قصيدته: «احمل عبء الرجل الأبيض» لغزو البلاد واستعمارها فيردد: أرسل أفضل رجالك إلى المنفى.. ليخدموا أسرى الشعوب.. مضنيًا فى البر والبحر.. احمل عبء الرجل الأبيض.. لا تجنِ جزاءً ولا شكرًا، بل الكراهية الصامتة لأولئك الذين تسعى لتحريرهم. والعجيب أن القصيدة تُصوّر الاستعمار ك «واجب أخلاقى» على الرجل الأبيض، حيث يُطلب منه أن «يُحضّر» الشعوب الأخرى، ويُخرجها من «الجهل والتخلف»، فيُقدّم الاستعمار كأنه تضحية نبيلة، رغم ما فيها من معاناة.. و«التحليل النفسى» الفرويدى يرى فيها دعوة تغذى رغبة التملك، والهيمنة لغرائز «الرجل الأبيض» الذى يسعى لإشباع حاجات القوة، والتوسع لاستيلاب الموارد، وهذه الرغبة تقنع بخطاب أخلاقي، وكأنها فعل «مشروع»، لكنها فى جوهرها رغبة لا واعية فى فرض الذات على البلاد المستعمرة، وتبرير الهيمنة أخلاقيا، وبحيلة طورت المجتمعات الاستعمارية خطابا يبرر الغزو والسلب بأنه «رسالة حضارية»، هذا التبرير يستخدم لإقناع أنفسهم، وتخفيف الشعور بالذنب لديهم الناتج عن الاستغلال، بل وتحويله إلى واجب إنساني، كما يُسقط المستعمر صفات الجهل، والكسل والهمجية على الشعوب المستعمرة لتبرير إخضاعهم، وهذا الإسقاط يخفى صراعات داخلية فى الذات الغربية، ويستخدم العنف، والهيمنة كفعل نبيل، بينما يُخفى دوافع اقتصادية، وسياسية، ونفسية عميقة فى الذات الغربية، ويفرض إرادته وتصوراته دون اعتبار للآخر بما يشبه السلوك الطفولي. خلاصة التحليل «الفرويدى» أن الاستعمار ليس فقط مشروعًا سياسيًا، واقتصاديًا، بل هو تعبير عن أزمة نفسية فى الذات الغربية لتحقيق نرجسيته، وإحساسه بالتفوق على الآخرين وصراع عميق بين الرغبة فى السيطرة، والشعور بالذنب، بين غرائزه ومثله العليا. إنه يُخفى دوافعه الحقيقية خلف خطاب أخلاقي، يستخدم آليات دفاعية نفسية لتبرير الغطرسة، إنها رغبات عدوانية واستغلالية، تُعاد صياغتها فى شكل «مهمة حضارية». الثلاثاء: الحرب أرزاق بعض المحللين السياسيين والعسكريين يرون أنه لا يمكن إنهاء الحروب، وإنما يمكن افتعالها لخلق أسواق جديدة لاستهلاك الإنتاج الوفير من السلاح، وتلبية حجوزاته التى تمتد لسنوات طويلة، ولتنعم الدول مصدرة، ومنتجة السلاح بالمال الوفير، وهى دول تعد على أصابع اليد الواحدة، ونظرة سريعة للعديد من الحروب التى تشتعل خاصة فى بلاد العالم الثالث تجدها لأسباب واهية، ويتم اختلاقها بتضخيم المسافات بين شعوب البلد الواحد، وتزكيتها لإشعال الحرب بين دولها، حتى باتت ميزانيات تلك الدول البائسة يحتل فيها التسليح البند الأعظم على حساب التعلم، والصحة وتوفير مستوى معيشة إنساني، ووظائف لأبنائها العاطلين. وعلى سبيل التذكرة التى تنفع المؤمنين، نتذكر لجنة تقصى الحقائق حول «الحرب الأمريكية على العراق مارس 2003»- وهى لجنة «تشيلكوت»، المعروفة رسميًا باسم «تحقيق العراق» (The Iraq Inquiry)، وهى لجنة تحقيق مستقلة أنشأتها الحكومة البريطانية فى 15 يونيو 2009 بأمر من رئيس الوزراء آنذاك «غوردون براون»، بهدف التحقيق فى أسباب مشاركة بلادهم فى حرب العراق - وكان يمكن للجنة أن تستعين بشهادة لجان التفتيش الدولية التى أعلنت صراحة أن صدام ظاهرة صوتية، ولا يملك أية أسلحة دمار شامل، وكان يمكن أيضا أن تعلن صراحة أن الحرب على العراق سببها الرئيسى الترويج للسلاح الغربي، وتجربة أسلحة جديدة وخرائط جديدة، وبالطبع لاستنزاف الثروات العربية، وبالمرة خدمة لإسرائيل التى أسدت خدمات جليلة للغرب بتمزيق العرب شيعا متفرقة، وما زلت أتذكر أن لجنة «تشيلكوت « استمرت سبع سنوات فى إعداد تقرير لتثبت أن الحرب على العراق لم يكن هناك ما يبررها، وليشعر «بلير»- رئيس وزراء بريطانيا وقتها- بالندم، وللأسف لم تذكر اللجنة أن السياسيين، والعسكريين الكبار يدركون جيدا أن الحرب أرزاق. الخميس: خلى بالك من المفارقات العجيبة أن تقرأ فى كل محطات «مترو الأنفاق» لائحة بالغرامات للعديد من المخالفات منها غرامة لمن يبيع داخل العربات وللشحاتة.. ولم يحدث مرة واحدة أن صعدت عربة للمترو -خاصة الخط الأول- ولم أجد بائعا متجولا، أو أكثر يتنقل بين الركاب عارضا بضاعته بكل ثقة، وأريحية، ومنهم من يلقى بضاعته فى «حجر الراكب»، ثم يشرح ميزة هذا البضاعة، ثم يلمها ثانية، ويكررها فى عربة أخرى، غير مكترث بانتقال أى الميكروبات عبر نقله بين الأيادى المتعددة، كما لم أركب عربة مترو إلا وأجد أحد الشحاتين المطورين أساليب الشحاتة، ولغة الخطاب التى تعتمد على التأثير البرجماتى العاطفى المغلف بشكوى الزمان والنزعة الدينية، وللأسف لا أظن أن كل ذلك غائب عن المسئولين فى «مترو الأنفاق،.. وبالتأكيد أنا لا أحلم بما أراه شبه يومي..! وأمام العديد من مداخل ومخارج المترو مواقف «للتكاتك» تسد منافذ الخروج والدخول على مرتادى المترو حتى استسلم البعض ولا يشكو، وكأن ما يجرى قدر من عند الله ولا راد لقضائه، وما يغيظ أكثر هو وجود باعة شبه دائمين على المداخل والمخارج. كما تجد عربة فول كل صباح تقف أمام المدخل يتحلق حولها من يتناولون الإفطار، ولا تجد منفذا للدخول سوى الدوران حول العربة لتجد فتحة بسيطة تدخل منها للمترو...! الإثنين: سر الحياة يشغلنى دائما السر وراء قدرة الإنسان على تحمل منغصات الحياة، وتقلباتها وقسوتها علينا أحيانا بلا مبرر نفهمه، وما السر وراء إصرارنا على تحقيق أمانينا التى ولدت فى خيالنا، وتجرنا جرا للتشبث بالحياة حتى آخر رمق، رغم كلمات نلوكها ونرددها دون تمثل حقيقى لها فى أفعالنا (الدنيا منفاته..)؟! أظن السر هو ما صنعناه بأيدينا حتى نتقبل الحياة رغم مصيرنا المحتوم، السر فى أهم إبداعاتنا وابتكاراتنا الإنسانية للتغلب على قسوة الحياة، السر فى «الأمل» ابتكارنا الإنسانى العبقرى للتغلب على الحياة والاستمرار بها.. ليس الأمل فقط أهم ابتكاراتنا فقد اخترعنا الحب، والحرية، وكثير من القيم النبيلة التى جملنا بها الحياة إلى حين، وجعلنا الأمل إمامنا لتحقيق كل تلك القيم يوم ما..! ومعرفتنا بالإنسان تؤكد أننا لا نستطيع أن نفكر، أو نشعر، أو نريد، أو نفعل دون وجود الأمل الذى نكافح به لتحقيق أمانينا، ونبتلع أيامنا، ومصاعبها، أهدافنا تُولد الأمل فينا منذ اللحظة التى تستقبلنا فيها الحياة، رغبات أمنيات مشروعات نتخيلها حية فى رءوسنا ثم نبدأ فى محاولة تحقيقها على أرض الواقع، أهداف متباينة سريعة أحيانا تأخذ من وقتنا مثل شراء حاجتنا الضرورية، ثم أهداف كبيرة حلم العمل والزواج والإنجاب وتزويج الأولاد، وربما هدف إثراء الحياة، وتزويدها بإبداعاتنا الفكرية والعملية والفنية لتجميل الحياة. كلمة: «ليس القوى من يكسب الحرب دائمًا، وإنما الضعيف من يخسر السلام دائمًا».