فى زمن تزدحم فيه الأصوات وتتصادم فيه المصالح اختارت مصر طريقًا مختلفًا لم ترفع الصوت ولم تُشهر السلاح لكنها قدّمت للعالم درسًا جديدًا فى فن إدارة القوة بالحكمة. الدبلوماسية المصرية اليوم لا تتحرك بدافع الانفعال بل من منطق الوعى بحدود الدور ومسئولية التاريخ. من شرم الشيخ إلى نيويورك ومن غزة إلى العواصم الكبرى تظل القاهرة الحاضرة الهادئة التى تفهم أن بناء الجسور أصعب من إطلاق الرصاص وأن حفظ الكرامة لا يعنى كسر الآخرين بل الوصول إلى نقطة توازن تحفظ للجميع حق الحياة. لقد أدركت القيادة المصرية مبكرًا أن العالم يتغير بسرعة وأن صخب الشعارات لم يعد كافيًا لصناعة واقع جديد فاختارت أن تكتب خطابها بالفعل لا بالتصريح وبالنتائج لا بالبيانات. وحين تتحدث مصر اليوم عن السلام فهى لا تتحدث عن استسلام بل عن سلام عادل يحمى الحقّ ويصون الإنسان مهما كان موقعه أو لونه أو عقيدته. إن الدبلوماسية المصرية فى لحظتها الراهنة تمثل عقل الأمة وضميرها فهى التى تُمسك بزمام المبادرة عندما يضيع الاتزان، وتعيد ترتيب المشهد حين يختلط الصواب بالضجيج. لقد تحولت من مجرد أداة تفاوض إلى فلسفة دولة تُدرك أن السلام ليس غياب الحرب فحسب بل حضور العدالة والكرامة معًا. وحين تصبح الحكمة سلاحًا تصبح الكلمة أثقل من المدفع والموقف أعمق من الصراخ وتصبح القاهرة مركز الضوء فى زمن يتسابق فيه العالم نحو الظلال.