على مشارف القاهرة، حيث يلتقي وهج الصحراء بنبض الحضارة، ينتصب تمثال شامخ بارتفاع 27 مترًا، لا كحجرٍ صامت، بل كحارسٍ أسطوري ينبض بالمعنى والرسالة. هناك، عند بوابة المتحف المصري الكبير، يقف هذا الكائن النوراني، ليس فقط ليدهش الناظرين، بل ليؤكد أن الفن المصري لا يزال حيًّا، يملك القدرة على التجدد، وعلى مخاطبة العالم بلغة الخلود والجمال. هذه ليست قصة تمثال، بل حكاية ولادة جديدة للروح المصرية في قلب الزمن المعاصر. ◄ ولادة الحارس الأسطوري لم يكن مجرد تمثال من حجر، بل فكرة خرجت من رحم الزمن. على مشارف المتحف المصري الكبير، ارتفع تمثال ضخم بارتفاع 27 مترًا، ليصبح أول ما تراه العيون القادمة من الصحراء إلى قلب القاهرة. وعندما يحل الليل، تنساب الإضاءة على جسده العملاق، فيبدو ككائن أسطوري من نور يراقب المدينة، شاهداً على أن الحضارة المصرية لا تنام. ◄ الفكرة والبداية بدأت فكرة التمثال قبل عامين، حين قرر الفنان الدكتور ضياء عوض، أستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة، أن يبتكر عملاً فنيًا يجسد روح مصر القديمة في قالب حديث. استلهم التصميم من الأهرامات والصخور المحيطة، فخرجت الكتلة البيضاء الضخمة مقطعة بخطوط وزوايا حادة، كأنها جبل أعيد نحته بيد الزمن. وجه مصري مهيب، تكسّرت ملامحه بفعل الضوء والظل، لكنه ظل مشعًّا بالقوة والثبات. ◄ بين الفن والحضارة أراد الفنان ألا يكون التمثال مجرد رمز جمالي، بل عهدًا جديدًا بين الفن المصري وتاريخه. عمل على المشروع على مدى ثمانية أشهر من الدراسة والتنفيذ بالتعاون مع فرق من المهندسين والفنيين، تحت إشراف مجلس الوزراء ومحافظة الجيزة. لم تكن الغاية بناء تمثال فحسب، بل صياغة رسالة خالدة تقول: "الفن المصري لا يقلد الماضي، بل يعيد اكتشافه". ◄ التمثال والهوية المصرية يصف الدكتور ضياء عوض عمله بأنه وجه مصر الحضاري - لا يجسد ملكًا فرعونيًا بعينه، بل روح المصري المعاصر الذي ورث المجد ويحمل الأمل. يقول: «هذا التمثال قطعة من روحي.. سيبقى واقفًا بعد أن يطوي الزمن أسماء البشر». اقرأ أيضا| المتحف المصري الكبير.. ميلاد عصر جديد للسياحة الثقافية الفنان يرى في عمله تجسيدًا لفكرة الخلود التي آمن بها المصري القديم، لكن بروح حديثة تعكس تحديات الحاضر وطموح المستقبل. ◄ الكائن الأسطوري الزائر حين يقف أمامه، يشعر أنه يواجه كائنًا أسطوريًا يربط بين السماء والأرض، بين التاريخ والأسطورة. البعض يراه ملكًا فرعونيًا استيقظ من نومه ليحرس المتحف، وآخرون يرونه رمزًا للمصري الجديد قويًا، صامدًا، ومضيئًا كالحجر الذي صُنع منه. ◄ تفاعل وجدال أثار التمثال تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشاد كثيرون بفخامته وتفرده، بينما أثار تصميمه نقاشًا فنيًا غنيًا بين المتخصصين. الفنان رحّب بكل الآراء قائلاً إن الجدل هو روح الفن، وإن العمل الذي لا يُثير نقاشًا لا يترك أثرًا. يقف "حارس الضوء" اليوم عند بوابة المتحف المصري الكبير كرمز للقوة والإبداع، شاهدًا على تواصل الأجيال وتكامل الفن والحضارة. إنه رسالة مصر إلى العالم: أن مجدها لا يُدفن في الرمال، بل يُعاد نحته في كل عصر، ليبقى الضوء مشتعلاً فوق صخر التاريخ.