بقلم : نوال سيد طرح الأمير زيد رعد الحسين، الرئيس الحالى لمعهد السلام الدولى والمفوض السامى الأسبق لحقوق الإنسان فى الأممالمتحدة، فى مقاله المنشور بمجلة فورين أفيرز، رؤية شاملة حول سبل تحويل وقف إطلاق النار الأخير فى غزة إلى سلام دائم وعادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، داعياً إلى تبنى منهج جديد فى بناء السلام يشبه على حد تعبيره «تشييد جسرٍ بين ضفتين»، تبدأ من الهدنة الحالية وتنتهى بتسوية نهائية على أساس دولتين متجاورتين. ويؤكد الحسين أن وقف إطلاق النار، الذى تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، يمثل فرصة نادرة يجب عدم التفريط فيها، مشيداً بالدور الذى لعبه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإدارته فى إنجاح الهدنة، رغم الجدل الواسع حول سياساته غير أن الحسين يحذر من أن هذه الهدنة «لن تكون أكثر من استراحة مؤقتة» ما لم تربط بمسار سياسى واضح يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة. اقرأ أيضًا | مدير المنظمات الأهلية الفلسطينية: تشغيل المخابز بعد توقف أشهر بسبب الحصار ويرى الحسين أن عملية بناء السلام الحقيقى يجب أن تدار من طرفين: الأول يعمل على ترسيخ الهدنة ووقف الحرب، والثانى يضع تصوراً واضحاً للتسوية النهائية، ثم توصل الجهود من الجانبين تدريجياً حتى يلتقيا عند نقطة السلام الدائم. رغم رفض رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحلفائه المتشددين لأى حديث عن دولة فلسطينية، يرى الحسين أن هذا الموقف «ليس قدراً محتوماً»، فالمواقف السياسية تتغير مع الزمن. ويعتقد أن الطريق إلى الحل يمر عبر مبادرات مدنية وفكرية يقودها فلسطينيون وإسرائيليون مؤمنون بالسلام، مشيراً إلى ثلاث مبادرات رئيسية تشكل فى رأيه النواة الواقعية لحل الدولتين. 1. مبادرة أولمرت القدوة. ووقف وراءها رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود أولمرت ووزير الخارجية الفلسطينى الأسبق ناصر القدوة. وتعتمد المبادرة على استئناف المفاوضات من حيث توقفت عام 2008، مع إجراء تعديلات جديدة على قضايا غزةوالقدس. وتقترح تبادل أراضٍ بنسبة 4.4٪، مع إنشاء ممر يربط غزة بالضفة الغربية، وإنشاء «مجلس مفوضين» لإدارة شئون غزة يرتبط بالحكومة الفلسطينية، إلى جانب نشر قوة عربية مؤقتة لضمان الأمن ومنع الهجمات. 2. مشروع الاتحاد الكونفدرالى فى الأرض المقدسة. وضع هذا المشروع السياسى الإسرائيلى يوسى بيلين والمحامية الفلسطينية هبة حسينى، وهو تطوير لفكرة الدولتين فى إطار كونفدرالى. ويقترح المشروع إقامة اتحاد يضم دولتين مستقلتين، مع تبادل أراضٍ محدود ة لا يتجاوز 2.5٪، ومنح «الإقامة الدائمة» لمستوطنين إسرائيليين باقين فى الأراضى الفلسطينية، مقابل منح عدد مساوٍ من اللاجئين الفلسطينيين حق الإقامة فى إسرائيل. وبهذا، يتفادى المشروع التهجير القسرى ويعالج فى آن واحد قضيتى الحدود واللاجئين. أما القدس فستكون عاصمة مزدوجة بإدارة مشتركة، فى حين يتولى الطرفان تشكيل لجنة موحدة للتخطيط البلدى. كما يتضمن المشروع إنشاء مؤسسات كونفدرالية مشتركة، بينها لجنة لحقوق الإنسان، مع التزام الطرفين بعدم التعاون عسكرياً مع أى طرف معادٍ للآخر. غير أن الحسين يرى أن بند «حق الانسحاب» من الاتحاد يمثل نقطة ضعف خطيرة، إذ قد يشجع القوى المعارضة للسلام على إفشاله، ويقترح إلغاء هذا البند أو تقييده بخمسين عاماً على الأقل. 3. مبادرة «أرض للجميع« وهى الأكثر ابتكاراً، أطلقها نشطاء فلسطينيون وإسرائيليون بقيادة ماى بندك ورلى حردل عام 2012. وترتكز المبادرة على إقامة دولتين على حدود 1967 دون أى تبادل أراضٍ، مع منح حرية الإقامة المتبادلة بين الشعبين يستطيع الإسرائيلى العيش فى فلسطين والعكس، لكن دون ازدواج الجنسية، بل بحقوق إقامة كاملة ومشاركة فى الانتخابات المحلية. الفكرة الجوهرية ويؤكد الحسين أن كل هذه المبادرات رغم اختلاف تفاصيلها تقدم حلولاً واقعية تتجاوز الجمود السياسى الحالى، وتفتح الباب أمام تسوية شاملة تنهى عقوداً من العنف والاحتلال. غير أن نجاح أى من هذه الخطط يتطلب إرادة سياسية داخلية، وآليات واضحة لمنع «المخربين من الداخل» من إفشالها، سواء من المتشددين فى إسرائيل أو من الفصائل الرافضة لأى تفاوض. ويشدد على ضرورة أن تترافق أى تسوية سياسية مع خطة اقتصادية قوية، وتشريعات عادلة فى مجالات التعليم واللغة والحقوق المدنية، إضافة إلى ترتيبات أمنية إقليمية تضمن الاستقرار وتكبح التدخلات الخارجية. وأشاد الكاتب بالدور الذى تلعبه مصر كقوة إقليمية محورية فى دعم مسار السلام، مؤكداً أن القاهرة ما زالت تمسك بخيوط الوساطة منذ اتفاقات أوسلو وحتى الهدنة الأخيرة، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، فى حين تواصل السعودية وفرنسا والنرويج جهودها الدبلوماسية والمالية لتأمين إطار دولى لحل الدولتين.