اتفاق شرم الشيخ نقطة تحوّل فى مسار السلام.. ومصر تواصل دورها بحشد الدعم الدولى لإعادة إعمار غزة فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.. اعتراف دولى بجدية مسار الإصلاح السلام وحقوق الإنسان.. معادلة السياسة الخارجية للجمهورية الجديدة مصر الآمنة.. تراجع الجريمة وطفرة السياحة يعكسان نجاح الاستراتيجية الأمنية شكلت قمة شرم الشيخ للسلام محطةً تاريخية لا تُنسى، كما وصفها الصحفيون والإعلاميون الأجانب الذين امتلأت بهم قاعات القمة. كانت كلمتا السلام ومصر تترددان بلغاتٍ شتّى، فيما كانت الكاميرات تلاحق القادة الذين توافدوا إلى مدينة السلام لحضور لحظة كتابة فصلٍ جديد من تاريخ الشرق الأوسط، يحمل الأمل الخارج من رحم الألم. انهمرت الدموع فرحاً ونحن نتابع مشاهد الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم، ودوّت الزغاريد فى أرجاء القطاع وامتدت إلى الضفة احتفالًا بعودة الأسرى من السجون الإسرائيلية. التأم شمل العائلات بعد غربةٍ طويلة، وحملت المشاهد التى وثقتها القاهرة الإخبارية إلى قلوبنا فرحةً غامرة بعودة الحياة إلى الأراضى المحتلة. لقد جسدت القمة رؤية مصر الثابتة بأن السلام ليس خيارًا سياسيًا فحسب، بل واجبٌ إنسانى تدافع عنه من موقع المسئولية والتاريخ. لم تتحرك القاهرة بدافع اللحظة، بل وفق استراتيجية راسخة توازن بين ضرورات الأمن الإقليمى وحق الشعوب فى الحياة الكريمة. وفى الوقت الذى انشغل فيه العالم بصخب المعارك، كانت مصر تعيد صياغة معادلة الشرق الأوسط على أسسٍ جديدة، قوامها العدالة والكرامة الإنسانية. ومن شرم الشيخ خرجت رسالةٌ واضحة إلى العالم: أن صوت العقل قادر على أن ينتصر، وأن الأمل لا يموت ما دامت فى القلوب عزيمة، وفى العقول يقظة. من التهدئة إلى الإعمار لم تتوقف جهود الرئيس عبد الفتاح السيسى عند التوصل إلى اتفاق السلام، بل امتدت إلى مرحلة إعادة البناء السياسى والإنسانى فى غزة. فقد دعا الرئيس السيسى نظيره الأمريكى دونالد ترامب إلى دعم ورعاية المؤتمر الدولى لإعادة إعمار غزة، مؤكدًا أن مصر تسعى إلى استثمار الزخم الناتج عن اتفاق شرم الشيخ لحشد الجهود الدولية للإعمار العاجل، لما يمثله من بعد إنسانى وإنقاذ سريع لسكان القطاع وتعزيز قدرتهم على البقاء فى أرضهم. وفى الوقت ذاته، تواصل القاهرة جهودها لتوحيد الفصائل الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام، بما يقوّى الموقف الفلسطينى ويضمن نجاح عملية السلام، لأن استدامة السلام تتطلب وحدة القرار الفلسطينى وهو أمر يتوقف على صدق نوايا الفصائل فى العمل معا من أجل صالح فلسطين، فالوحدة هى أقوى سلاح على مائدة التفاوض. ترامب لا يعرف المجاملة لا يعرف الرئيس دونالد ترامب المجاملة فى علاقاته الدولية، ومن ثمّ فإن إشادته بالأمن المصرى وبقدرة مؤسسات الدولة على مكافحة الجريمة، ومقارنته بالأوضاع الأمنية فى الولاياتالمتحدة، تمثل فى تقديرى انعكاسًا مباشرًا لاطلاعه على التقارير الأمنية الأمريكية، وما تتضمنه من تقييمات إيجابية للأداء المصرى فى ترسيخ الأمن والاستقرار. إن ما عبّر عنه ترامب ليس رأيًا سياسيًا عابرًا، بل صدى لرؤية مؤسسات أمنية غربية تابعت حالة الشارع المصرى ورصدت الانخفاض الملموس فى معدلات الجريمة ومستوى الانضباط العام. وتُعدّ مكافحة الجريمة أحد أبرز ملامح نجاح الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، ويعكس تراجع معدلات الجريمة فاعلية الاستراتيجية الأمنية الحديثة القائمة على الانتشار الوقائى واستخدام التكنولوجيا المتقدمة فى متابعة الأداء الميدانى ومكافحة الجريمة المنظمة. ولأن الأمن هو مرآة الدولة أمام العالم، فقد انعكس هذا النجاح مباشرة على القطاع السياحى الذى يُعدّ المؤشر الأصدق على ثقة العالم فى أمن الدول. فقد سجلت مصر ارتفاعًا غير مسبوق فى حركة السياحة بنسبة 24٪ خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، وفقًا لتقارير مؤسسات دولية متخصصة. وتشير التقديرات الحكومية إلى أن العام الحالى مرشح لتحقيق رقم قياسى جديد فى عدد الزائرين والعائدات السياحية، تأكيدًا على أن الاستقرار الأمنى أصبح سمةً راسخة للجمهورية الجديدة. إن هذه الأرقام لا تمثل مجرد مؤشرات إحصائية، بل شهادات حية على كفاءة مؤسسات الأمن المصرية، وقدرتها على حماية المواطن والزائر فى آنٍ واحد، بما أعاد لمصر صورتها كواحدة من أكثر دول المنطقة أمنًا واستقرارًا، وأثبت أن الأمن فى مصر لم يعد مجرد منجز داخلى، بل عنصر قوة فى صورتها الدولية. جذور الصبر الاستراتيجى ولعل ما يميز تحرك مصر فى القضية الفلسطينية أو أى ملف إقليمى آخر هو أنها تفعل ذلك بروح حضارتها الممتدة؛ فالفكر المصرى لا ينفصل عن تاريخه، ومنذ فجر الحضارة، أرست تعاليم بتاح حتب - أول فيلسوف للأخلاق فى التاريخ- قواعد السلوك القائم على التواضع، وضبط النفس، والعدل، والصبر. فحين قال: «لا تكن متعجرفًا بسبب علمك، واستشر الجاهل والحكيم سواءً»، كان يؤسس لفلسفةٍ ترى فى التواضع الفكرى أساسًا للحكمة والقيادة الرشيدة، وهى ذات الفلسفة التى انعكست فى سلوك الدولة المصرية الحديثة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى اختار طريق الصبر الاستراتيجى لا الانفعال، والإصغاء قبل القرار، والعمل قبل الإعلان. وهكذا تتجلى استمرارية العبقرية المصرية؛ من «ماعت» رمز الحق والعدل فى الدولة القديمة، إلى الجمهورية الجديدة التى تبنى السلام وتوازن بين المبادئ والمصالح، لتؤكد أنها -منذ فجر التاريخ- كانت وستظل ضمير العالم. الحزم الإقليمى والإلتزام الإنسانى لقد أدركت مصر أن السلام وحقوق الإنسان وجهان لعملةٍ واحدة، فلا سلام بلا كرامة، ولا حقوق بلا استقرار. ومن هذا المبدأ صاغت الجمهورية الجديدة سياستها الخارجية لتجعل قضايا الإنسان والتنمية والعدالة الاجتماعية محور تحركاتها فى المحافل الدولية. تتحرك القاهرة فى دوائرها العربية والإفريقية والدولية على قناعة بأن السلام ليس غياب الحرب، بل بناء لظروف حياةٍ كريمة تصون حرية الإنسان وكرامته. وهذا الربط الواعى بين الأمن الإنسانى والسلام الدولى أصبح اليوم عنوان السياسة الخارجية المصرية التى تمزج بين التمسك بالثوابت والحزم فى المواقف والحكمة فى الممارسة، لتقدّم للعالم نموذجًا فريدًا لدولةٍ تجمع بين صلابة الإرادة ورقى المبادئ. مجلس حقوق الانسان ثم جاء فوز مصر الساحق بعضويتها فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (2026–2028)، بعد حصولها على 173 صوتًا فى الجمعية العامة، ليتوّج هذا النهج المتكامل. ولم يكن الفوز حدثًا معزولًا، بل حلقة جديدة فى سلسلة النجاحات الدبلوماسية التى بدأت بفوز مصر برئاسة منظمة اليونسكو، وهو ما يعكس عمق علاقاتها وشراكاتها المتوازنة مع مختلف دول العالم. ويرى المراقبون أن هذا التصويت الكاسح يعكس رغبة المجتمع الدولى فى دعم صوت عربى متوازن قادر على تمثيل قضايا الجنوب الواقعية داخل المنظمات الأممية، وتقديرًا للتجربة المصرية فى الجمع بين الأمن والتنمية وحقوق الإنسان. كما يعكس الفوز تقديرًا حقيقيًا لما شهدته مصر من تطورات ملموسة فى ملف الحقوق والحريات، بدءًا من إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (2021)، مرورًا بتحديث منظومة مراكز الإصلاح والتأهيل، ووصولًا إلى مبادرات اجتماعية كبرى مثل «حياة كريمة»، إضافة إلى الجهود المتواصلة ل المجلس القومى لحقوق الإنسان ومؤسسات الدولة المتخصصة فى دعم قضايا المرأة والطفل وذوى الهمم. ويؤكد هذا الفوز أن التطور الحقوقى فى مصر نتاج قناعة وطنية وإرادة سياسية واعية، وليس استجابةً لضغوط خارجية، كما يمثل ردًا عمليًا على محاولات التشكيك فى مسار الدولة أو التقليل من جهودها. فالثقة الدولية التى عبّر عنها المجتمع الدولى جاءت نتيجة تقييمٍ موضوعى لإنجازات ملموسة، واختيارٍ لتكريم نموذجٍ يسعى إلى تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية، وبين حماية الدولة وصون كرامة المواطن. صوت العقل .. ينتصر إن مسار مصر من قمة شرم الشيخ للسلام إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مرورًا بريادتها فى اليونسكو، لا يمثل إنجازات متفرقة، بل خريطة سياسية متكاملة تُبرز رؤية الدولة المصرية الحديثة التى تبنى السلام وتحميه، وتثبت للعالم أن قوتها الحقيقية لا تُقاس بما تملكه من سلاح، بل بما تملكه من ضميرٍ وإنسانية. وهكذا تواصل مصر كتابة فصلها الأبدى فى سجل الإنسانية، دولةً تمتلك القوة، وتحكمها الحكمة، وتوجّهها المسؤولية، لتبقى كما كانت منذ فجر التاريخ: ضمير العالم وصوت الحكمة فى زمنٍ يعلو فيه الصخب وتغيب عنه البصيرة.