أكد د. مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن مصر تستمر فى مواجهة تحديات معقدة تتعلق باستخدام الأنهار العابرة للحدود، وعلى رأسها نهر النيل، شريان الحياة لأكثر من مائة مليون مواطن مصرى. وقال إن القيادة السياسية أكدت أن مياه النيل قضية وجودية لا هوادة فيها ولا تهاون، وإن التعاون العادل والمنفعة المشتركة هما السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة لجميع شعوب الحوض. اقرأ أيضًا | مدبولي لمسؤولي المتحدة: أثق بأنكم تستطيعون الخروج بفعاليات تبهر العالم أجمع جاء ذلك خلال كلمته فى ختام فعاليات الجلسة الختامية من «أسبوع القاهرة الثامن للمياه» تحت عنوان «حلول مبتكرة للتكيف مع تغيّر المناخ واستدامة المياه»، المُنعقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى. وأوضح رئيس الوزراء، خلال كلمته، أن دول حوض النيل لا تعانى شحًّا فى الموارد المائية، إذ يتساقط على الحوض أكثر من 1660 مليار متر مكعب من الأمطار سنويًا، بينما لا يصل إلى دولتى المصب مصر والسودان سوى 84 مليار متر مكعب فقط، أى ما يعادل نحو 5٪ من إجمالى الموارد المائية لنهر النيل. وأضاف رغم هذه الوفرة، يواصل طرفٌ بعينه ترديدَ خطابٍ أحادىٍّ، والترويج لمفاهيم مغلوطة حول ملكية النهر ومصادر مياهه، فى محاولةٍ لتبرير سياساتٍ منفردةٍ فى إدارة موردٍ مشتركٍ، بما يخالف مبادئ القانون الدولى ويفتقر إلى أبسط قواعد الشفافية والتنسيق بين دول الحوض. وأشار الى أن الادعاء بوجود «نِسَب مساهمة» فى مياه النيل هو طرحٌ يتنافى مع العلم والقانون؛ فالنهر لا يمنحه أحدٌ، بل هو نظامٌ بيئيٌّ وهيدرولوجيٌّ متكامل تشترك فيه جميع دول الحوض بحقوقٍ وواجباتٍ متوازنة. وأكد رئيس الوزراء أن مصر تعد نموذجًا واضحًا لهذه التحديات، حيث تواجه منظومةً مائيةً معقّدة تتّسم بمحدودية الموارد واعتمادٍ يفوق 98% على مياه نهرٍ عابرٍ للحدود، إلى جانب تزايدٍ سكانيٍّ مستمرّ، وانخفاض نصيب الفرد من المياه إلى ما دون حدّ الندرة المائية العالمى. وقال رئيس الوزراء إن مصر كانت وما زالت شريكًا فاعلًا فى دعم التنمية الأفريقية من خلال مشروعاتٍ واقعيةٍ فى مجالات المياه والطاقة والزراعة، إيمانًا منها بأن التنمية الحقيقية تقوم على التعاون والتكامل لا على الانفراد أو الإضرار بالآخرين ومن يتجاهل هذه الحقائق، إنما يكشف عن مشكلةٍ فى الرؤية والإدراك، لا فى الواقع ذاته. وأضاف أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تُستخدم ذريعةً لفرض السيطرة أو إلحاق الضرر بالآخرين؛ فالقانون الدولى يؤكد أن الحق فى التنمية لا ينفصل عن واجب عدم التسبب فى ضررٍ للآخرين، وهو المبدأ الذى يجب أن يكون أساس أى مشروعٍ على الأنهار المشتركة. وشدد د. مدبولى على موقف مصر من قضية الأمن المائى، قائلًا: تؤكد مصر أن الأمن المائى ليس مجالًا للمساومة أو التجريب السياسى، وأن أى تصورٍ بإمكانية المساس بحقوقها التاريخية والقانونية هو محض وهمٍ لدى أصحابه. فالنيل بالنسبة لمصر قضيةُ وجودٍ لا تقبل المغامرة ولا المساومة، وستظل مصر ملتزمةً بالتعاون القائم على القانون الدولى، وفى الوقت نفسه حازمةً فى الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة. ونبَّه مدبولى إلى أن هذه التحديات تتقاطع فى جوهرها مع ما تشهده كثيرٌ من دول العالم من ضغوطٍ مشابهة، وتفرض علينا جميعًا تعزيز التعاون الإقليمى والدولى لضمان أمنٍ مائيٍّ مستدامٍ قائمٍ على العدالة والكفاءة فى الإدارة. وأضاف كما يفرض تغيّر المناخ فى مصر تحدياتٍ إضافيةً على دلتا النيل والسواحل الشمالية، وما يترتّب على ذلك من مخاطر الفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر. وقال إن أسبوع القاهرة الثامن للمياه، أصبح منصةً عالمية تجمع صُنّاع القرار، والخبراء، والباحثين، وممثلى المنظمات الإقليمية والدولية، من أكثر من خمسين دولة من مختلف القارات؛ ليؤكد مرةً أخرى مكانة مصر كمركز إقليمى للحوار حول قضايا المياه والتنمية المستدامة. وأضاف: لقد شهد أسبوع القاهرة الثامن للمياه ثراءً فى الأفكار والمبادرات، وتنوّعًا فى المشاركات التى عكست وعيًا عالميًا متزايدًا بأهمية التعاون فى مواجهة التحديات المائية، فى ظل ما يشهده العالم من تغيرات مناخية وضغوط متنامية على الموارد الطبيعية. وأشار رئيس الوزراء، إلى أن أسبوع القاهرة للمياه شهد عددًا من الفعاليات البارزة، والاجتماعات الوزارية المشتركة بين الدول والمنظمات الدولية، التى عزّزت الحوار حول قضايا الأمن المائى والتمويل والتكامل الإقليمى، لافتًا إلى أن تلك الفعاليات تؤكد أن أسبوع القاهرة للمياه لم يعد مناسبةً سنويةً فحسب، بل صار منبرًا عالميًا لتبادل الخبرات وصياغة الحلول الواقعية التى تربط بين البحث العلمى والسياسات التنفيذية. وقال إنه تم إطلاق العديد من التطبيقات الإلكترونية الفعّالة لخدمة المزارعين والإدارة المائية، واستخدام الذكاء الاصطناعى والأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار (درون)، وتقدير الاحتياجات المائية، وتحليل التغيرات الساحلية، وتهدف هذه المنظومة المتكاملة إلى بناء نظامٍ وطنيٍّ ذكيٍّ لإدارة المياه، يجمع بين التكنولوجيا والحوكمة والمشاركة المجتمعية. وأشار إلى أن أسبوع القاهرة الثامن للمياه أثبت أن مصر لا تتحدث عن التحديات فقط، بل تقدّم حلولًا واقعيةً ومبادرات عملية تمتد من النطاق المحلى إلى الإقليمى والدولى. وقال: ونحن إذ نختتم أعمال هذا الأسبوع، فإننا نؤكد التزام الدولة المصرية بمواصلة مسيرة الإصلاح والتطوير، وتعزيز الشراكات مع الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية، من أجل تحقيق الأمن المائى والغذائى لأمتنا وللقارة الأفريقية بأسرها. ووجّه رئيس الوزراء دعوة للمشاركين فى أسبوع القاهرة للمياه، قائلًا: دعونا نغادر هذا الأسبوع حاملين رسالةً واضحة بأن «الماء ليس سببًا للنزاع، بل أساسُ للحياة والتعاون والسلام».. وقال: من القاهرة من قلب وادى النيل نجدد العهد بأن تظل مصر رائدةً فى إدارة مواردها، حريصةً على حق الجميع فى التنمية، مؤمنةً بأن مستقبلنا المشترك يبدأ من قطرة ماء.