في ظل احتفالاتنا بانتصارات أكتوبر تحل علينا بعد غد الذكرى العاشرة لرحيل الكاتب والمراسل العسكري الكبير جمال الغيطاني الذى غادرنا في 18 أكتوبر 2015 بعد أن خط بقلمه قصص الأبطال الذين رفضوا الهزيمة وأذاقوا العدو ضرباتٍ موجعة في حرب الاستنزاف، كان ينقلها من خط النار للقراء عندما عمل مراسلاً حربيًا لمؤسسة «أخبار اليوم»، ست سنوات قضاها فى تغطية ما يجرى على الجبهة، إلى أن أتت اللحظة المُنتظرة في السادس من أكتوبر ليسجل بقلمه فيض المشاعر لحظة عبور طائراتنا للقناة لتدك حصون العدو ومراكز قيادته ومطاراته، وسجل الغيطانى لحظة عبور جنودنا بالقوارب المطاطية للقناة، بعد ملحمة الطيران وبعدها المدفعية التى دكت خط بارليف، وأعقبتها ملحمة سلاح المهندسين فى إقامة رءوس الكبارى التى عبرت عليها الدبابات والمصفحات والمجنزرات والمدافع بعد نجاح جنودنا فى تسلق الساتر الترابى بأسلحتهم الثقيلة وهم يصيحون «الله أكبر»، ونجحت العسكرية المصرية فى فتح الممرات فى الساتر الترابى بمضخات المياه العملاقة التى صممها العقل المصرى وسبق استخدامها فى مشروع قناة السويس. كل هذه الأحداث العظيمة كان الغيطاني يسجلها بقلمه وتوثقها كاميرا مكرم جاد الكريم لجريدة «الأخبار»، وأرشيف مؤسسة «أخبار اليوم» خير شاهد على المهنية التي كان يتمتع بها المراسل الحربي جمال الغيطاني في نقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية الجياشة لجنودنا الأبطال الذين يروى حكاياتهم أثناء حرب الاستنزاف فى كتاب «المصريون والحرب - من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، فتعرفنا من خلاله على حكايات الموت الذى ينتظره المقاتلون كل لحظة، وكان الغيطانى ينقل للقارئ المشاعر الجياشة بأسلوب أدبى بليغ. وكان جمال الغيطاني يغوص بنا فى كتابه «على خط النار - يوميات حرب أكتوبر» ليكشف معدن الجنود الذين نالوا تدريبات عملية لمحاكاة العبور، ومعنوياتهم المرتفعة التى حولت الانكسار لعزيمة وإصرار على تحقيق النصر وفق الخطة التى رسمها القادة، فخاضوا معارك أذهلت العدو والعالم كله. وفى مجموعته القصصية «حكايات الغريب» ينقل لنا قصة حقيقية لسائق بمؤسسة صحفية يُدعى عبدالرحمن محمود قيل إنه استشهد فى فترة حصار السويس، وتحولت القصة لفيلم تليفزيونى، وفى روايته «الرفاعى» نتعرف على حكاية العميد البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال التى اقترب منها الغيطانى وتدرب معها وعايش أفرادها وكان شاهداً على أعمالهم القتالية فى فترة صعبة واستثنائية، ويروى لنا الغيطانى فى «يوميات الأخبار» حكاية الست البسيطة الخمسينية «أم رفاعى.. بطلة من الجبهة» التى كانت أمًا لتسعة أبناء كان أحدهم فى ساحة القتال وقت اندلاع الحرب، مما جعلها ترى ابنها فى وجوه كل الأبطال على الجبهة، وأخفت فى بيتها بفايد مجموعة من الجنود حتى يستعيدوا قوتهم وأسلحتهم ويواصلوا الحرب ضد العدو، وعندما أرادوا أن ينصرفوا قالت لهم : «أنتم ولادى.. حتروحوا فين.. يا نموت سوا.. يا نعيش سوا.. خلوها على الله»، وتتسم حكايات الغيطانى بأسلوبه الروائى وبالمصداقية لأنه عاش معهم فى الخنادق وشاركهم طعامهم، ولهذا استحق جائزة الدولة التشجيعية، ووسام الاستحقاق الفرنسى بدرجة فارس، وجائزة سلطان العويس، وجائزة الصداقة المصرية الفرنسية، وجائزة لورا باتليون بفرنسا، وجائزة جرينزانا كافور بإيطاليا، وجائزة الدولة التقديرية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ووسام جوقة الشرف الفرنسية برتبة قائد، وجائزة النيل للآداب.. رحم الله جمال الغيطانى الذى عاش شاهداً على حرب الاستنزاف وحرب السادس من أكتوبر.