بالسلاح والقلم، وبالدم والحبر، جنبًا إلى جنبٍ، حاربت مصر لاسترداد أرض الفيروز التى سلبها الصهاينة فى غفلة من الزمن؛ وكانت «الأخبار» شريكًا فاعلًا فى معركة الكرامة من خلال المراسلين والمصورين الذين كانوا شهود عيان على كل لحظة من لحظات الحرب؛ حيث عملوا على نقل بطولات جنودنا بكل دقة؛ كما كان لهم دورٌ بارزٌ فى نقل الأحداث وأخبار العمليات وصور المعارك التى انفردت بها للقراء؛ إضافة إلى مشاركتهم فى خطة الخداع الاستراتيجى، ونشر معلومات حول سفر كبار الضباط لأداء العمرة؛ وكذلك شاركوا فى رفع الروح المعنوية للجنود، وسطروا بحروفٍ من نور البطولات التى قام بها الجنود على الجبهة، ونجحوا فى نقل صورة حية من البطولات والأحداث والمواقف التى حفلتُ بها الحرب.. وقد ضمَّت قائمة المراسلين العسكريين من مؤسسة «أخباراليوم» التى يوثقها الموقع الرسمى لنقابة الصحفيين كلًّا من: جمال الغيطانى، وصلاح قبضايا، وفاروق الشاذلى، وفتحى رزق؛ وكبار المصورين الصحفيين: مكرم جاد الكريم، وأحمد عبدالعزيز، وفاروق إبراهيم. أدب الحرب يُعد جمال الغيطانى أحد الكتَّاب الذين رسموا أحداث الواقع أمامهم بالكتابة الأدبية، فهو صاحب حكايات الأدباء، وراوى الحروب؛ كما كان محاربًا فى ميدان أدب الحرب، ومراسلًا وجنديًّا مُحاربًا بقلمه على جبهة القتال، ومن أوائل المراسلين العسكريين فى حرب أكتوبر؛ وله العديد من الكتب والروايات التى تروى سيرته مع أبطال ملحمة العبور؛ ومنها: رواية «الرفاعى»، التى تناولت بطولات العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعى، مؤسس وقائد المجموعة 39 قتال، وكتاب «المصريون والحرب: من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، الذى تناول مرارة الهزيمة فى يونيو 1967، وما تعرَّض له المقاتل المصرى من حملةٍ نفسيةٍ واسعةٍ؛ كما تحدث فيه عن أهالى مدينة السويس، وشجاعتهم، خاصة أولئك الذين قرَّروا البقاء فيها لتكون «أرض المحيا والممات» لهم. صورة النصر وكما كان القلم يرصد البطولات بعين الواقع ويُسجله.. كانت الكاميرا تكتب أبرز المشاعر الإنسانية وتحبسها فى لحظة زمنية بعمر الكون كله؛ وقد قدَّم مصور «أخبار اليوم» الراحل فاروق إبراهيم أشهر الصور التى تم التقاطها خلال حرب أكتوبر وتناقلتها عنه وكالات الأنباء العالمية، ومن بينها : صورة «إشارة النصر» لجندى يُدعى محمد طه، وخلفه الكبارى التى يعبر عليها الجنود وهم يخترقون خط بارليف المنيع فى اليوم الثانى للحرب؛ كما كانت تلك الصور شاهدًا حيًّا على بطولة المقاتل المصرى الذى رفض التفريط فى أرضه؛ وكذلك فدائية مصورى «أخبار اليوم» الذى كانوا العين اللاقطة لكل لحظات الانتصار. من الجبهة إلى المطبعة أما صلاح قبضايا فقد شارك كمراسلٍ عسكرى فى عددٍ من الحروب، وأصُيب فى حرب اليمن؛ وأول مَن تحدَّث فى كتابه عن زكى باقى الذى ابتكر خراطيم المياه لفتح السواتر الترابية فى خط بارليف الحصين؛ وقد قام قبضايا بتوثيق شهادته عن الحرب فى عدة كتب، منها: «الخديعة: خطة التمويه التى حققت نصر أكتوبر»، و«الساعة 1405: الحرب الرابعة على الجبهة المصرية»، وكان أول كتاب تُخرجه المطابع عن الحرب، و«معركة العبور»، و«حدث فى أكتوبر»، وغيرها من الكتب التى أرَّخت للحظات الانتصار الخالدة؛ يقول قبضايا: « بدأت مهمتى الصحفية بينما حرب الاستنزاف تدور غربى القناة، وكان عليَّ أن أزور المواقع وألتقى بالأبطال لأسجل قصصهم وأدوّن كلماتهم وسنحت لى فرصة التنقل بين المواقع والأحداث والتشكيلات أن أسمع قصص الأبطال وأجمع أحاديثهم لتتشابك خيوطها وتروى فى النهاية قصة أول هزيمة فى تاريخ إسرائيل.. وقد شاهدت وعشت بنفسى بعض مراحل الإعداد والتدريب، ولم يكن كل ما نراه قابلاً للنشر، وخلال الشهور السابقة للقتال منذ ربيع 1973 كنت أتتبع كمراسل عسكرى عملياتٍ تدريبية واسعة لقواتنا المدرعة، تدعمها طائرات القوات الجوية فى الصحراء فى مناطق تماثل تلك المناطق التى خاضتها المدرعات المصرية بنجاحٍ باهر فى سيناء». ولأن الصحفى الحربى لا بد أن يملك فراسة تمنحه معرفة ما يسمح بنشره وما لا يسمح بنشره؛ فإن قبضايا كان يملك الكثير من الأسرار التى لا يمكنه نشرها، وهذا هو العذاب الحقيقى لأى صحفى، يقول: «وهناك سر آخر كتمته فى صدرى شهورًا، حين أعدَّت المدفعية المصرية ميادين تدريب مصغرة هى صورة طبق الأصل لميدان عملياتها شرق القناة؛ حيث زُودت هذه الميادين المصغرة بجميع المعالم الطبيعية الموجودة فى ميدان سيناء، وشُكلت فيها مواقع العدو بمعالم ترمز لوحداته وبطارياته؛ كما أن الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان يشهد البيانات العملية والمناورات التى تجرى على مستوى الوحدات الكبيرة، ولم يكن يسمح لنا كصحفيين بالإشارة إلى ذلك أو نشره». وأضاف قبضايا: «كان أجمل ما رأيت وانشرح له صدرى هو خروج أحد المقاتلين من أفراد المجموعات الأولى فوق تبة مرتفعة ليحفر الأرض ببلطته الصغيرة، ويثبت العلم المصرى فوق التبة ويقف رافعًا ذراعيه إلى السماء صائحًا: «الله أكبر.. الله أكبر»، ويردد الجميع وراءه النداء، وارتفعت آلاف الحناجر بصيحة واحدة: «الله أكبر.. الله أكبر»، فلم أستطع أن أحبس دموعى أمام هذا المشهد المهيب». وهذه الرؤية من شاهد عيان على الحدث كانت تأريخًا لازمًا لهذه الحرب الكبيرة التى وضعت مصر فى مكانتها اللائقة بين شعوب العالم؛ وأعلمت الشعب المصرى ما يحدث على الجبهة بصورة فورية، ولهذا كان الإقبال كبيرًا على شراء جريدة «الأخبار» لمتابعة كل لحظات الجبهة من خلال عيون كتيبة الصحفيين المقاتلين.