هناك ما يلفت الانتباه حقًا فيما يتناثر من سطور وتعليقات فى الإعلام الإسرائيلي، ويوحى باحتمال محاولة إسرائيل تفجير الاتفاق فعلتها مصر وأثبتت أنها عمود الخيمة وقائدة المنطقة، رغم أنف الكارهين؛ أنهت الحرب على غزة، أوقفت تهجير الفلسطينيين، والإبادة الجماعية، أنجزت الاتفاق التاريخى الذى تعثر كثيرًا الخاص بتبادل الرهائن والأسرى، وها هى تستنهض الهمم باستضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية لغزة، هذه كلها حقائق ساطعة لا ينكرها أو يقلل من شأنها إلا جاحد أو حاقد. مفهوم من تلقاء نفسه أن النتائج الفورية هى العناوين الرئيسية، ويبقى تنفيذ التفاصيل المستندة إلى خطة الرئيس الأمريكي ترامب ذات العشرين بندًا، ومعالجتها مرحليًا، على أنه بين هذه الحقائق تبرز حقيقة أخرى هي أنه بعد توقيع اتفاق إنهاء الحرب، صار العالم يواجه معضلة اليوم التالي لها، والإجابة على السؤال عن الجهة التى ستحكم غزة وتسيطر على حركة حماس. في سياق آخر، هناك ما يلفت الانتباه حقًا فيما يتناثر من سطور وتعليقات فى الإعلام الإسرائيلي، ويوحى باحتمال محاولة إسرائيل تفجير الاتفاق والتهرب من التزاماتها، ولاسيما حين استقبلت رهائنها العشرين الأحياء بكل سهولة بعد أن كانت استعادتهم أحد الأهداف مستحيلة التحقيق من الحرب. تعليقات المراقبين الإسرائيليين فى الصحف واستديوهات القنوات الإخبارية تعطى تلميحات بعدم التزام إسرائيل بإنهاء الحرب، وتنسب لنفسها الحق فى مطاردة أعضاء حماس وعائلاتهم الباقين فى غزة، حال انتهاك حماس الاتفاق، بدعوى أن كل اتفاق ابن ظروفه بالتالي هو قابل للإلغاء، الذريعة المعلنة لهذا الترصد هي أن كلًا من حماس وتل أبيب لم يمثلا في الاتفاق ولم يوقعا عليه. وكانت العبارة المتكررة في مواضع مختلفة هي: « نحن لم نوقع على شيء ولا يلزمنا شيئا»! أضف إلى ذلك أن مراقبة أداء ترامب فى إسرائيل قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ تضفى على الصورة مزيدًا من الوضوح. ففى خطابه المطول أمام الكنيست الذى دام لأكثر من ساعة على خلاف ما كان مقررًا له، وبعيدًا عن عبارات المجاملة الدبلوماسية المفعمة بالمحبة والمودة، بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يتعهد للإسرائيليين بضمان مصالح تل أبيب تحت رئاسته، وبكلمات واضحة طمأنهم على أنه يضمن عدم تكرار السابع من أكتوبر، وعلى نزع سلاح غزة (والمقصود بالطبع سلاح حماس) بحيث لا تعود تمثل أى خطر أو تهديد لأمن إسرائيل. ولو تجاوزنا عن المجاملات الدبلوماسية ودققنا فى عبارات الغزل المتبادل بينه وبين نتنياهو يتضح أن ترامب جاء إلى المنطقة ليضمن مصالح إسرائيل ويثبّت عملية التطبيع مع الدول العربية، حين اعترف له الأخير بفضله فى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إلى هناك، وفي اعترافه بضم أجزاء من الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل وصمته عن التوسع في حركة الاستيطان بالضفة الغربية ومحاولات ضمها إلى إسرائيل، ثم بمناشدة ترامب نظيره الإسرائيلي العفو عن نتنياهو في قضايا الفساد المتهم فيها. أكثر من هذا تأكد أن ترامب تراجع عن حل الدولتين الذى خدّر به العرب والمسلمين ليكتسب دعمهم، فحين سئل من الصحفيين على الطائرة الرئاسية فى طريق عودته من شرم الشيخ عن عدم ذكره «حل الدولتين» سواء في إسرائيل أو شرم الشيخ، رفض التطرق مباشرةً إلى مسألة دعمه للاعتراف بدولة فلسطينية، وذلك بعد أن وقع هو وعدد من قادة العالم الآخرين اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس وأجاب: «لا أتحدث عن دولة واحدة أو دولتين، نحن نتحدث عن إعادة إعمار غزة». وأضاف: «الكثيرون يُؤيدون حل الدولة الواحدة، والبعض يُؤيد حل الدولتين. سنرى»، وتابع: «لم أُعلّق على ذلك بعد»!.