«ستوري بوت» خدمة جديدة تقدمها «بوابة أخبار اليوم» إلى قرائها، حيث نرشح لبرامج الذكاء الاصطناعي موضوع يهم الناس، ونطلب منه كتابة قصة صحفية عنه، دون تدخل من العنصر البشري. في عالمٍ صار فيه القرار السياسي والمشهد الإعلامي يتقاطعان مع قدرات الخوارزميات، قررنا أن نُجري تجربة مقارنة ليست لقياس سرعة أو سعة النموذج فحسب، بل لقياس طريقة «فهمه» للقضايا الأخلاقية والسياسية الحسّاسة. الهدف كان أن نرى كيف تترجم عقول الذكاء الاصطناعي — التي تُغذَّى بنصوص البشر — سؤالًا واحدًا مركبًا إلى مواقف، استدلالات، وتوقعات؛ وهل تختلف هذه المخرجات باختلاف التصميم والمنهج، أم أن الخوارزميات تشبّه بعضها البعض عندما يُسألها إنسانان مختلفان نفس السؤال نسخةً ولصقًا، ما يفتح نقاشًا حول دور الذكاء الاصطناعي في صياغة الرأي العام السياسي، ومدى حياد هذه النماذج في القضايا الدولية الحساسة. منهجيتنا: أخذنا السؤال الكامل كما هو (نسخ-ولصق) وطرحنّاه على ثلاث نماذج ذكاء اصطناعي رائدة : Gemini، ChatGPT، DeepSeek ، ثم كررنا التجربة بنفس السؤال على كل نموذج مرتين — كل مرة بواسطة شخص مختلف — لقياس تباين المشغّل بالإضافة إلى تباين النموذج نفسه. طُلب من كل نموذج أن يجيب على كل بند من بنود السؤال في فقرة مستقلة، حتى نتمكن من مقارنة بنية الإجابة، نبرة الخطاب، الأسس المنطقية، ومقدار الاستشهاد بالوقائع أو القيم. الأسئلة التي طرحناها على النماذج «نصًّا، كما وُردت»: 1. بعد فوز الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، هل ترى أنها تستحق الجائزة أم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ 2. إذا كان الرئيس ترامب لا يستحقها ما هي الأسباب من وجهة نظرك؟ 3. وإذا كان يستحقها فلماذا يستحق الجائزة من وجهة نظرك؟ 4. وهل ترى أن سلوك الرئيس ترامب بعد إعلان الجائزة وعدم حصوله عليها سيتغير تجاه قضايا الشرق الأوسط سلبًا، خاصة القضية الفلسطينية وموضوع غزة تحديدًا؟ 5. وهل ترى إن بإمكان الرئيس ترامب الحصول على نوبل 2026؟ 6. وما هو المطلوب من السيد ترامب أن يعمل عليه بجدية للحصول على جائزة نوبل المرة القادمة؟ وطُلب من كل نموذج أن يجيب على كل سؤال في فقرة مستقلة وبالتفصيل. لماذا هذه التجربة مهمة؟ لأنها تمنحنا خرائط واضحة عن «كيفية تفكير» النماذج حين تُواجه قضايا أخلاقية وسياسية: هل تميل إلى تصحيح الوقائع ؟ هل تختار الحياد؟ هل تفضّل قراءة قيمية أم عملية؟ - ديب سيك يصحّح السؤال قبل أن يجيب في البداية اعتبر نموذج ديب سيك أن السؤال يحتوي على معلومات غير دقيقة، « فحسب البيانات الرسمية، لم تُعلن جائزة نوبل للسلام لعام 2025 بعد، ولم تفز ماريا كورينا ماتشادو بهذه الجائزة. جائزة نوبل للسلام تعلن عادة في أكتوبر من كل عام » وبالنسبة للسؤال الخاص بسلوك ترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط إذا لم يحصل على الجائزة ، فكانت الإجابة : «السياسة الخارجية الأمريكية عادة ما تحكمها المصالح الاستراتيجية وليس الاعتبارات الشخصية. حتى لو شعر ترامب بخيبة أمل، فمن غير المرجح أن يتغير موقفه بشكل جذري من القضية الفلسطينية بسبب جائزة السياسات تجاه الشرق الأوسط تحددها مجموعة معقدة من العوامل تتجاوز الاعتبارات الشخصية. وعن فرص ترامب في الفوز بنوبل 2026 هذا يعتمد على إنجازاته المستقبلية. إذا استطاع تحقيق اختراق تاريخي في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، أو قام بخطوات ملموسة لإنهاء الصراع في غزة، فقد يكون مرشحاً قوياً. لكن الجائزة تتطلب إنجازات استثنائية وليست مجرد مبادرات. وما يجب على ترامب عمله للحصول على الجائزة ؟ فكانت الإجابة أن علي ترامب العمل يحتاج إلى العمل في عدة محاور أهمها ، تحقيق تقدم ملموس في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ، والعمل على إنهاء الحصار على غزة وتحسين الأوضاع الإنسانية ، ودفع عملية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ، والمساعدة في إعادة إعمار غزة بمشاركة دولية ، وتقليل التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط، أما على المستوى العالمي ، حل نزاعات دولية طويلة الأمد ، وتعزيز المصالحة في مناطق الصراع حول العالم ، وتقديم إسهامات استثنائية في الحد من الأسلحة النووية . وعقب جميناي في نهاية الإجابة قائلاً : «جوائز نوبل للسلام تُمنح عادةً لإنجازات فعليه وليس لمجرد السياسات أو التصريحات». - شات جي بي تي يختار الدبلوماسية لا الجدل بدأت إجابة شات جي بي تي علي الأسئلة بطريقة دبلوماسية حيث أوضح « أن لجنة نوبل منحت الجائزة لماريا كورينا ماتشادو تكريمًا لعملها المستمر في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية ومحاولاتها لقيادة انتقال سلمي في فنزويلا، وهذا يطابق تعريف اللجنة للاعتراف بمدافعين عن الديمقراطية في سياق قمع طويل الأمد. لذلك اختيار اللجنة لماتشادو منطقي ومُبرَّر بناءً على معاييرهم المعلنة. - إذا لم يكن الرئيس ترامب مستحقًا ؟ اعتمد «شات جي بي تي » في الرد على الأراء المتداولة بخصوص أحقية ترامب بالفوز بالجائزة من عدمه ، فقال « أن من يرون أن ترامب غير مستحق يستندون إلى سجل أوسع من السلوكيات والسياسات التي تقوّض الديمقراطية أو تشتت الانتباه عن مبادئ السلام الدائم (مثال: سياسات داخلية مثيرة للانقسام، جدل بشأن استخدام مؤسسات العدالة لأغراض سياسية، واتهامات بتقويض أعراف دستورية) — وهذه النقاط جعلت خبراء نوبل ومحلّلين يرون أن حصوله على الجائزة "طويلة الأمد" احتمال ضعيف ما لم يتغير هذا المسار. باختصار: إنجازات دبلوماسية لحظية قد لا تكفي لتجاوز المخاوف من سلوك أوسع يقلص من مصداقية المرشح لدى كثيرين. - أما إذا كان ترامب يستحقها — فلماذا؟ فكان الرد أن «الحجة المؤيدة لترامب تتركّز على إنجازات دبلوماسية ملموسة الشهر/الأيام الماضية عن طريق وساطات لإبرام اتفاقيات مراحل وقف لإطلاق النار في غزة وفي بعض نقاط حول الحرب الروسية–الأوكرانية، وهناك من يراه أنه حقق خطوات فعلية لإطلاق سراح رهائن ولخفض مستوى العنف، وهي نتائج قد تُقدَّر كأعمال لصالح السلام الفعلي والسلام الإنساني. مؤيدوه يقولون إن هذه الإنجازات تستجيب لمعايير نوبل أيضاً. لكن اللجنة فضّلت هذا العام مرشّحة أخرى، ما يعني أن العامل الزمني والطبيعة المؤسسية للإنجاز (استمرارية وتأثير طويل الأمد) كانت محسوبة في قرارها. - سلوك ترامب بعد إعلان الجائزة تجاه قضايا الشرق الأوسط سلباً (خاصة فلسطينوغزة)؟ من وجهة نظر «شات جي بي تي » ، الأرجح هو المزيد من الدفع نحو صفقات سريعة وذات أثر ظاهر (محاولة لتعزيز ملفه) مع مخاطر أن تكون خطط الحفاظ على وقف النار هشّة إذا لم تُدعم بآليات حفظ سلام وشرعية . - المطلوب من السيد ترامب أن يعمل عليه بجدية للحصول على الجائزة المرة القادمة؟ لم يستبعد «شات جي بي تي » فكرة حصول الرئيس ترامب علي جائزة نوبل للسلام 2026 ، فنظام النوبل يسمح بترشيح أي شخص حي من قِبل من يحق لهم الترشيح، والمرشح يمكن أن يُعاد ترشيحه في سنوات لاحقة. إلا أن فرصته تعتمد على إنجازات ملموسة تقنع اللجنة ولعل أبرز تلك الإنجازات : تحقيق اتفاقيات قابلة للتحقق وطويلة الأمد حل أو تقدم ملموس ومستدام في ملف أوكرانيا / روسيا التزام ثابت بحقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية داخل بلده وخارجها بناء تحالفات دولية ومؤسساتية الابتعاد عن حملات الضغط المباشرة على اللجنة من وسائل الإعلام - جيمناي يبحث عن «روح نوبل» في عمق الخوارزمية ركز جيمناي على المبدأ الأساسي الذي بنيت عليه جائزة نوبل للسلام ، بعيداً عن الانحيازات والتأثيرات ، ف «ديب سيك » يري هذا الاختيار يتماشى مع التفسير الواسع لوصية ألفريد نوبل الذي يشمل تعزيز حقوق الإنسان وبناء المؤسسات السلمية ، ويرى أن اللجنة النموذج فضلت الذي تمثله ماتشادو (السلام المؤسسي المستدام) على النموذج الذي يمثله ترامب (السلام المعاملاتي المتقلب). تتسق اللجنة مع رؤيتها التي تمنح الأولوية لديمومة السلام، والتعاون الدولي، والعمل الهادئ للمؤسسات. وعند المقارنة، فإن نضال ماتشادو يمثل استثماراً في بنية تحتية مستدامة للديمقراطية، بينما الاتفاقيات الإبراهيمية لترامب، رغم نجاحها، اتُهمت بتهميش القضية الفلسطينية، مما يترك جذور الصراع دون علاج، وبالتالي خلق "سلام هش". وعلى الرغم من الجهود المكثفة للرئيس دونالد ترامب للترويج لإنجازاته في الوساطة (مثل اتفاقيات إبراهيم واتفاقات السلام بين أرمينيا وأذربيجان) ، فإن اللجنة فضّلت مسار النشاط المدني على الدبلوماسية الجيوسياسية ذات الأهداف البراجماتية، مؤكدة على دورها في تكريم من يعملون من أجل الديمقراطية والحرية. وإن رفض ترشيح ترامب ليس رفضاً لإنجازاته الجزئية، بل هو رفض منهجي للنهج الذي يتبعه في السياسة الخارجية، والذي يتناقض بشكل مباشر مع الأهداف والمثل العليا التاريخية لجائزة نوبل للسلام. وعن أحقية ترامب بالفوز بنوبل. تناول «ديب سيك» في تحليله رأي مؤيدو ترامب ، والذين يرون أحقيته بالفوز بها هذا العام على دوره الفعال كوسيط لفض النزاعات الدولية. ومن أبرز الإنجازات التي تم الترويج لها: إبرام "اتفاقيات إبراهيم" التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية ؛ التوسط في اتفاق سلام شامل بين أرمينيا وأذربيجان، والذي دفع قادة البلدين لترشيحه رسمياً ؛ وتحقيق وقف لإطلاق النار بين الهند وباكستان. وعبّر الرئيس عبد الفتاح السيسي علناً عن رأيه بأن ترامب يستحق الجائزة "عن جدارة"، كما اقترح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترشيحه. وقد أشار مؤيدوه إلى خطته لغزة ك"نقطة تحول" نحو وقف الحرب وإيجاد أفق سياسي. - تأثير عدم الفوز على سلوك ترامب اتفق «ديب سيك » مع باقى نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى ، على أنه من الواجب على ترامب ألا يغير سلوكه تجاه الشرق الأوسط سلباً ، وان يدفع تكثيف جهوده في القضايا الإقليمية ل "إثبات الجدارة" وتحقيق نصر سياسي خارجي كبير. نظراً لطموحه الكبير لنيل الجائزة، إلا أنه من الممكن أن يؤثر عدم حصول ترامب على سلوك ترامب بعد الخسارة سلباً على القضية الفلسطينية. لقد كان أحد أوجه النقد الموجه للاتفاقيات الإبراهيمية هو أنها "تجاوزت" هذه القضية الجوهرية. إذا شعر ترامب أن السعي وراء سلام شامل يتطلب تقديم تنازلات صعبة أو الضغط على حلفائه (خاصة إسرائيل التي رشحته للجائزة )، فإن هذا الجهد سيصبح أقل جاذبية بالنسبة له. من المرجح أن يقوم ترامب بتخفيف الضغط على الأطراف الصعبة للوصول إلى تسوية شاملة ودائمة. سيتركز اهتمامه، بدلاً من ذلك، على تحقيق وقف مؤقت أو جزئي للقتال يخدم مصالح الأمن الإقليمي لأصدقائه السياسيين. إن غياب الاعتراف بنوبل يزيل طبقة من "التحقق الذاتي" كانت تدفعه للبحث عن نتائج دبلوماسية كبيرة ومثيرة للجدل، ويشجعه بدلاً من ذلك على العودة إلى النهج المتصلب الذي يعتمد على القوة والانسحاب، مع التركيز فقط على قاعدته الانتخابية التي قد لا تهتم بالسلام المستدام في غزة بالقدر الذي تهتم به بعودة النفوذ الأمريكي المطلق. يُنظر إليها على أنها إهانة شخصية كبيرة. هذا الفشل في الحصول على التحقق العالمي المطلوب يمكن أن يؤدي إلى تغييرات استراتيجية في نهجه تجاه الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينيةوغزة. - نهاية التجربة لم تكن التجربة مجرّد اختبار للأداء أو المفردات، بل كانت مرآة صغيرة تعكس الطريقة التي "تفكّر" بها النماذج عندما تُستفزّ بأسئلة تمسّ السياسة والضمير الإنساني في آنٍ واحد. وربما كانت النتيجة الأهم ليست فيمن أجاب بدقّة أكبر، بل في اختلاف الطريقة التي قرأ بها كل نموذج العالم — وكأنه يقول لنا بطريقته الخاصة إن الذكاء الاصطناعي ليس عقلًا واحدًا، بل مجموعة ضمائر رقمية تتشكّل وفق ما نغذّيها به من قيم وأسئلة. ومثلما يختلف البشر في تفسير العدالة والسلام، تختلف الآلات في فهمها لهما، لكن يظلّ المشترك بينهما هو النية: السعي نحو معنى.