تعيش مصر هذه الأيام، أجواء احتفالات نصر أكتوبر المجدي، الذي يُعد أعظم صفحات المجد والفخر في تاريخ الأمة، حيث تجسد حرب أكتوبر، ملحمة بطولية سطّرها جنود القوات المسلحة المصرية بدمائهم الطاهرة وعزيمتهم التي لا تلين. في السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان، عبر أبطال الجيش المصري قناة السويس، وحطموا خط بارليف المنيع، في معركة استردت بها مصر كرامتها وأرضها، وأعادت للأمة العربية ثقتها في قدرتها على النصر، رغم كل التحديات. اقرأ أيضا| حوار| أحد أبطال الكتيبة 43 صاعقة يكشف تفاصيل تدمير آخر موقع حصين في خط بارليف وتُعد ذكرى أكتوبر مناسبة وطنية خالدة، لا تقف فقط عند حدود النصر العسكري، بل هي شاهد حي على تلاحم الشعب مع جيشه، وعلى إرادة لا تنكسر، وإصرار على استعادة الأرض والكرامة، لتظل محفورة في الذاكرة، جيلاً بعد جيل. وتواصل «بوابة أخبار اليوم»، نشر سلسلة من الحوارات، التي تم إجراؤها مع أبطال معركة العبور العظيم، إذ يحدثنا العقيد حلمي زكي، أحد أبطال حرب أكتوبر، عن تفاصيل مهمته في معركة العبور، وإلى نص الحوار.. ◄ ما هي المهمة التي كُلفت بها في حرب أكتوبر؟ أنا كنت قائد ثاني سرية مكونة من عدد كبير من الجنود، فكلفت بالرجوع مرة أخرى يوم 7 أكتوبر للغرب للحصول على ذخيرة وإعادة تسليح كتيبتي مرة أخرى، وكانت مهمتي العبور بخمس سيارات محملة بكل الأسلحة بدءًا من طلقة المسدس إلى الرشاش و "RBJ"، والمدافع الخفيفة والثقيلة، إلى الشرق مرة أخرى وسط نيران العدو. ◄ هل حدث اشتباك مع العدو أثناء تنفيذ المهمة؟ أخذت العربات بالإضافة إلى العربة التى كنت استقلها ومعي ضابط والسواق و6 دانات مضادة للدبابات، ففوجئت بالمنطقة أمامي أكثر سخونة وأشد قتال على طول الجبهة، لأنها كانت منطقة الدفرسوار. وبالفعل استطعنا العبور من ثغرة فتحها لنا المهندسين العسكريين، وبمجرد أن عبرنا إلى الشرق، فوجئنا بنيران مكثفة ناحيتي وتجاه عربات الذخيرة، استطعت أن استتر مع العربات، لكن بقيت المعضلة الكبرى، كيف سنصل إلى الوحدة وسط كل هذا الضرب المباشر من الهاون والمدفع النصف بوصة؟ فكرت كثيرا، فعلى الأقل لابد أن أصل بأربع عربات لتوصيل الذخيرة إلى الكتيبة. عند هذه النقطة استعدت ما تعلمته في الجيش، عند الوقوع في مأزق، لابد من إجراء خطوتين: أولا، تقدير موقف، ثانيا: اتخاذ القرار في أقل من ثانية. وهذا ما قمت به: قدرت الموقف، فوجدت أنني لن أستطيع التحرك بعربات الذخيرة، وأترك مصيرنا للصدفة، فطلقة واحدة من الممكن أن تفجر العربة بأكملها. ◄ كيف تعاملت عندما وجدت نفسك أمام نيران العدو؟ لم أجد أمامي إلا حل واحد، واتخذت القرار، وهو أنني سأتحرك بسيارتي وسألتف حتى أصبح في مواجهة النقطة القوية للعدو، وسأزود سرعة العربة وأنا فيها حتى يفجروها، ونظرا لوجود ال 6 دانات فيها، و2 تانك بنزين، فستحدث عند انفجارها دخان أسود كثيف سيحجب النقطة القوية، وفي هذا الوقت سيعبر سائقي العربات بالذخيرة، وبذلك ستصل بأمان. عند هذه النقطة من الحديث، سألته: ستصل الذخيرة، لكنك تعلم أنك ستموت؟ فأجابني بلا تردد: طبعا، كنت أعلم هذا، وأعي جيدا أنني سأرجع بنسبة صفر %، لكن لم يكن لدى خيار آخر، فمصر أهم. ودعت سائقي عربات الذخيرة وهم يبكوني، بعد أن اتفقت معهم على خطة التمويه، والحقيقة أن الضابط والسواق رفضوا أن يتركوني بمفردي، وأصروا على مرافقتي. أخذنا السيارة والتقينا في مواجهة النقطة القوية، وزودنا البنزين بأقصى سرعة حتى نقترب أكثر، لأنه كلما كنا أقرب، ستكون الغيمة السوداء أكثف، وسيتيح فرصة أكبر لعربات الذخيرة أن تمر بأمان. وبالفعل ضربت القوة علينا، فألهمني الله أن أصرخ في مرافقيني أن يقفزوا فورا من السيارة لأنها ستنفجر، وبالفعل قفزنا بعيدا فبدأ الأمل يزيد في الحياة بنسبة 5%. وانفجرت سيارتي، وسمعت صوت عربات الذخيرة وهي تمر، فحمدت الله ولم أكترث لوضعي، وأي شخص في مثل الموقف سيفعل نفس الشئ. ◄ حدثنا عن تفاصيل إصابتك.. وكيف نجوت من الموت؟ بعد انقشاع الغيمة السوداء، بدأنا نظهر للعدو، فأصبحنا في مرمى النيران حتى أصيب الضابط الآخر، ففعلت نفس الشئ، وقمت بتقدير الموقف واتخذت قرار بإخلائه أولا عن طريق الضرب ببندقيتي وخزنها الثلاثة بكل ما أوتيت من قوة حتى يستطيع السائق أن يشد الضابط المصاب أو يحمله إلى أقرب حائط يستتر به، وحددت له النقطة، وأنا سأحميهم بال 85 طلقة التي امتلكها. وبمجرد أن بدأت الضرب، أمطرتهم بالطلقات حتى جرى السائق بالضابط، وكنت قد اتفقت مع السواق أنه بمجرد الوصول إلى النقطة المستترة، سيتبادل معي الدور ويغطيني بضربه لطلقات بندقيته حتى أستطيع أن أصل لنقطتهم. وهنا كانت المفاجأة، لقد نسي السواق بندقيته أثناء حمل الضابط، فضاع الأمل ال5% ورجع مرة أخرى إلى صفر%. اقرأ أيضا| حوار| من الطائرة الانتحارية إلى صيحات النصر.. بطل الصاعقة يكشف كواليس حرب الاستنزاف وبعد تبادل كثيف لإطلاق النيران، سقطت وأصبت بثلاث شظايا في ضهري، إحداها اخترقت جسدي وخرجت، والأخيرتين استقرت. تألمت كثيرا ونزفت أكثر من 2 لتر دم، وبدأت أغيب عن الوعي، وتيقنت أنني احتضر، ولم أسمع إلا العسكري يقول للضابط: النقيب حلمي استشهد. ◄ ماذا حدث عقب إبلاغ الكتيبة بأنك استشهدت رغم وجودك على قد الحياة؟ في هذه اللحظة لم أفكر إلا في نجاحي لمهمتي، وقلت لنفسي: معلش يا مصر، كان نفسي أكمل لحد ما أشوف سيناء متحررة، وغيبت عن الوعي، أكمل العسكري والضابط طريقهم متأكدين من استشهادي، وتم إبلاغ الكتيبة بالأمر، واعتبرت الشهيد رقم 8 في صفوف الفرقة. أرسلت مجموعة لالتقاط جسدي من مكان القتال حسبما وصف لهم العسكري والضابط الآخر المصاب. فشاء القدر أن أسير باتجاههم وهم يسيرون باتجاهي، وبمجرد اقترابهم مني، اعتقدوا أنني اسرائيلي، وسمعت شد البندقية إيذانا ببدء ضربي، فأفصحت عن هويتي، ولم يصدقوا أنني على قيد الحياة حتى اقتربوا مني، ورجعت للكتيبة ومنها للمستشفى للعلاج.