من حسن الطالع أن يأتي إعلان فوز الدكتور خالد العنانى بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، متزامنًا مع نفس يوم ذكرى انتصارات العبور العظيم، وقبيل أيام من احتفالات مصر المرتقبة بافتتاح المتحف المصرى الكبير، أعظم متاحف العالم قاطبة، من حيث الحجم والمحتوى، فهو يضم بين جنباته أعظم حضارة عرفتها الإنسانية حتى الآن. فوز العنانى الساحق (حصل على 55 صوتًا من إجمالى 57 صوتا) لم يأت صدفة أو ضربة حظ، ولكن لأسباب كثيرة، يأتي على رأسها دور الدبلوماسية المصرية، التى أدارت ملف المرشح المصرى هذه المرة بكثير من الاحترافية، بعيدًا عن لغة العواطف، والشعارات البراقة الجوفاء، مع تلافى كل أخطاء التجارب السابقة، التى كان بعضها لا علاقة له بمستوى المرشح نفسه، كما حدث مع حالة الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق. الفوز بهذه النسبة يعكس حالة رضا نادرة عن الدولة المصرية وعن مرشحها، التى يحسب لها أنها قامت بتسمية العنانى والدفع به مبكرًا فى 2022، وتم تشكيل لجنة وطنية برئاسة رئيس الوزراء لإدارة معركته الانتخابية، واكتملت عناصر النجاح المبكر بدعم الرئيس عبد الفتاح السيسى المباشر، ووضعه للملف على أجندته الدولية. وقام العنانى بواجبه وقام برحلات مكوكية زار خلالها 65 دولة خلال 30 شهرًا لإقناع الدول بترشيحه. من حق مصر أن تفرح بفوز العنانى الذى سجل اسمه باعتباره أول مصري وعربى يقود هذه المنظمة العريقة، رغم أنف من يحاولون النيل من مصر، بالسعى لتقزيم هذا النصر والفوز المستحق، لشخص العنانى، ولقدرات الدولة المصرية التى تعد قولًا وفعلًا من الدول العريقة والقوية بالمعايير الثقافية البحتة، ومن حقها أن يدير أحد أبنائها هذه المنظمة. نجح أبناء مصر في إدارة منظمات بحجم الأممالمتحدة، وهيئة الطاقة الذرية، وتبوأوا مناصب رفيعة فى عدد آخر، وفاز ثلاثة ممن نبتوا في ترابها الطاهر بجوائز نوبل، وها هي على موعد مع إدارة أحد أبناءها لمنظمة اليونيسكو العريقة لأول بعد ثمانية عقود على إنشائها. فوز العنانى ليس النهاية، بل البداية. الحب زمان ساقت الأقدار هدية العمر إلى صديقى، والتقى بالصدفة بحبيبته، وأول من دق لها قلبه وهو لا يزال فى شرخ الشباب كانت هى بنت الجيران التى بادلته حبًا بحب، ولكن القدر لعب لعبته، وفرق بينهما قبل سنوات طويلة، فشل خلالها فى الوصول إليها، فشق طريقه فى الحياة وتزوج وأنجب، وتزوجت هى الأخرى وأنجبت، وكلاهما انفصل لاحقًا، حتى كان لقاء الصدفة الذى أعادهما إلى بعضهما البعض، وداوت المشاعر النبيلة الصادقة ما صنعته السنين، بسبب بعدهما عن بعضهما، وراحا يسابقان الزمن لتعويض ما فات.. نسى أنه الإعلامى الكبير، ونسيت هى كونها الطبيبة الناجحة، وقررا أن يكملا الرحلة سويًا. يقول صديقى وهو يطرب بسرد تفاصيل قصة فراقه القدرى عن حبيبته، أنه فى ذلك الوقت، فى مطلع الشباب لم يكن هناك محمول أو «واتس آب» لكى يتبادل معها الرسائل، أو يعرف إلى أين ارتحلت أسرتها بعد انتقالهم المفاجئ من الشقة المقابلة، ولم يكن هناك وسائل تواصل اجتماعى ليصل ما انقطع، ومرت سنين وبقى حب بنت الجيران محفوظًا في حنايا القلب، ولكن «قد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا» وجاءت اللحظة التى لعب فيها القدر لعبته مرة أخرى، ولكن ليجمع بينهما بعد قرابة عشرين عامًا من دون ترتيب أو ميعاد مسبق، فوصلا ما انقطع. حكاية صديقى الحقيقية، والتى احتفل بها الوسط الإعلامى قبل شهور قليلة، جعلت الكاتب الصحفى أسامة السعيد رئيس تحرير الأخبار، يطرح تساؤلًا حول صورة نهايات الأعمال الإبداعية العظيمة التى ألهبت وجداننا ومخيلاتنا، لو كان هناك مثلًا «واتس آب» أو محمول يتواصل به الحبيب مع حبيبته، ولا تفرق بينهما الأيام. فى اعتقادى أن كثيرا من نهايات روائع الأفلام المليودرامية كانت ستتغير، لأنها مبنية على مفارقات القدر، وسوء التفاهم، والرسالة التى لا تصل عادة إلى الحبيب، الذى ينتظر فى المحطة، وربما يكون على بعد خطوات منه، أو يخرج من باب يدخله الحبيب فى نفس اللحظة، رغم أن مكالمة واحدة، أو رسالة على «الواتس» كانت تنهى الأمر. يمكن أن تقول المحمول ومعه منصات «السوشيال ميديا» يحاصرون ألاعيب القدر، أو إن شئنا الدقة، جعلوها تأخذ شكلًا جديدًا، فلا سبيل لاختفاء الحبيب فجأة، من دون أن تعرف حبيبته إلى أين ذهب، هناك تواصل مستمر، لا مجال مثلًا لحيلة القدر الكلاسيكية التى كانت تجعل الحبيب يصعد مثلًا إلى القطار بحثًا عن حبيبته التى كانت تنتظره حتى اللحظات الأخيرة فيصعد هو من باب، وتنزل هى من الآخر، قبل أن يتحرك القطار ويفترقان كل فى سبيل. تخيل لو أعدنا كتابة سردية السينما المصرية برؤية جديدة، تخيل روائع الأفلام التى افترق فيها الأحبة قبيل تحرك القطارات والطائرات والحافلات بلحظات، تخيل روائع الأفلام التى تغيرت فيها أقدار الأبطال لعدم وصول البريد، أو العبث به. فى فيلم «أغلى من حياتى» توقفت أنفاسى وأنا أرى القطارالذى يستقله أحمد بطل الفيلم الذى لعب بطولته صلاح ذو الفقار، ومعه الرائع حسين رياض يوشك على التحرك من محطة مرسى مطروح، على أمل ظهور الحبيبة، التى لعبت دورها الراحلة شادية، ظل متعلقًا بباب القطار الذى يوشك على التحرك، وعينيه على باب المحطة لعل الحبيبة تدخل ويلتئم الشمل، استطاع المخرج أن يحبس أنفاسنا ونحن نجرى مع شادية فى شوارع مطروح الخالية، على أمل أن تلحق القطار والحبيب، ثم وهى تسقط باكية على «فلنكات» السكة الحديد على أمل أن تلحق بقطار الحبيب، ولكن ناظر المحطة يضرب الجرس إيذانًا بتحرك القطار، لتفرق بينهما الأقدار، ويسافر هو إلى الخارج ويرتبط ويكون أسرة.. وحتى التلغراف الذى قرر حسين رياض أن يرسله له فى محطة العلمين التالية، لم يصل إليه لأن عامل التلغراف صعد القطر من نفس الباب الذى نزل منه البطل. كل هذا ما كان يمكن أن يحدث، وما كنا بكينا، ولا اكتوينا بلوعة فراق الأحباب، لوكان مع أي منهما محمول، أو أرسل أحدهما رسالة الى الآخر «على الواتس»، وينتهى الأمر، لكن هذا بالتأكيد كان سيقتل أروع الإبداعات الخالدة التى تربينا عليها، وألهمت وجداننا.. فالاتصالات الحديثة كما أن لها فوائدها اللامحدودة إلا أنها قتلت فينا أشياء كثيرة أهمها المشاعر الإنسانية، والبراءة، والعفوية. سألت «تشات جى بى تى» عن رأيه فى القضية: قال لو كتب الإرهاب والكباب اليوم بالتأكيد كان البطل «عادل إمام» سيقرر الإعلان عن رأيه «لايف»!! السلام مع الكيان يدرك المواطن الإسرائيلي تمام الإدراك، أن المصريين لا يحبونهم، بل ويكرهونهم كراهية التحريم، ورغم ذلك فهناك استقرار فى العلاقة بين مصر وإسرائيل، كدولتين اختارتا الدخول فى عملية سلام تنهى الحرب بين البلدين، ولكن هذه الاتفاقية، واستمرارها وصمودها إلى اليوم قائم على ركن جوهرى، هو أن مصر استعادت بالفعل كل شبر من ترابها الذى دنسته إسرائيل ببغيها وعدونها، هذا السلام الصامد، حتى الآن، تحميه اتفاقية سلام، وجيش قوى يمتلك القدرات التي يردع بها كل من يفكر فى الاعتداء على حبة رمل واحدة من التراب الوطنى.. هذا معناه ببساطة أن إسرائيل لن تنعم بالسلام ولو وقف معها كل شياطين الأرض بجيوشهم بقيادة أمريكا وبتغاضى بعض دول الاتحاد الأوروبى، ولكنها سوف تنعم به لو أرادت حقًا فى حالة واحدة لا ثانى لها: أن تعيد الأرض إلى أصحابها، وتعترف بحقوق الفلسطينييين فى ترابهم الوطنى، غير ذلك سيبقون مثل اللص الذى لا يستطيع أن ينعم بما بما سرق، لأنه فى النهاية لص!. العشوائية فى ثوب رسمي! هل يمكن أن تتورط بعض أجهزة الدولة فى صنع العشوائية، وهى المنوط بها محاربتها فى كافة أشكالها وصورها؟! الواقع يقول للأسف: إن بعض الأجهزة بالفعل ترتكب جريمة بتقنين بعض المخالفات، وإضفاء الشرعية عليها، فى الوقت الذي تحارب نفس هذه الأجهزة الجريمة إذا قام بها العوام، وإلا بماذا نفسر وجود «أكشاك» ترفع لافتات تؤكد تبعيتها لبعض أجهزة الدولة فى أماكن حيوية، لا يمكن ولا يجب أن يكون فيها أكشاك، لتعارض ذلك مع اعتبارات التنسيق، ومع ضوابط واشتراطات المرور، ومع الأيام يتمدد هذا الكشك ويتحول إلى ما محل كبير، يعيق الحركة على الرصيف الذى احتله، ويؤثر سلبًا فى الحركة المرورية أمامه، والأهم أن وجوده يمثل تشويها للتنسيق الحضارى.