فى وقت تشهد فيه بعض مناطق مصر ارتفاعا غير معتاد، أدى إلى تصريف كميات ضخمة من المياه إلى مجرى نهر النيل وغرق مساحات من أراضى طرح النهر، أعادت دراسة علمية حديثة التأكيد على ضرورة إيجاد حلول فنية مستدامة للتعامل مع فوائض المياه، بدلا من فقدانها بالتبخر أو تسببها فى أضرار على طول المجرى. وتقترح الدراسة المنشورة بدورية «ساينتفيك ريبورتيز»، والتى أعدَّها فريق بحثى من عدة جامعات أمريكية، توجيه الفوائض المائية من بحيرة ناصر إلى خزان الحجر الرملى النوبى لإعادة شحن طبقاته الجوفية، بدلا من تصريفها إلى منخفضات توشكى حيث يُفقد أغلبها بسبب البخر الشديد. فخلال فترتين سابقتين من الفيضانات (1998–2002 ) و(2019–2022)، وصلت كميات هائلة من المياه خلف السد العالى، وُجه ما زاد عن سعة التخزين إلى منخفضات الهضبة الغربية، مكونة بحيرات توشكى. إلا أن أكثر من 80% من تلك المياه تبخر بسبب الطبيعة الصخرية غير المنفذة للمنطقة، ما حال دون الاستفادة منها فى دعم المخزون الجوفي. قناة تغذية بديلة وتشير الدراسة إلى إمكانية إنشاء قناة محدودة الطول والتكلفة تنقل المياه مباشرة من بحيرة ناصر إلى مناطق منخفضة شرق توشكى، تقع فوق تكوينات الخزان النوبى الجوفى ذات النفاذية العالية. وتُظهر النماذج أن أكثر من 70% من المياه المنقولة يمكن أن تتسرب تدريجيا إلى باطن الأرض، لتعيد شحن هذا الخزان الأحفورى الضخم. ويُعد خزان الحجر الرملى النوبى من أضخم خزانات المياه الجوفية فى العالم، تكون فى عصور مطيرة قديمة، لكنه يعانى حاليا من استنزاف مستمر، إذ تُسحب منه سنويًا نحو 980 مليون متر مكعب دون تعويض كافٍ، مما يجعله بحاجة إلى مصدر متجدد يضمن استدامته. مواجهة فيضانات المستقبل ويقول د. كارم عبد المحسن، الباحث المشارك فى كلية الاستدامة بجامعة أريزونا الأمريكية، إن ما تشهده مصر حاليا من فيضان مفاجئ «يُظهر بوضوح الحاجة إلى حلول استباقية لإدارة المياه الفائضة، بحيث تتحول الكميات الزائدة إلى مخزون استراتيجى، بدلا من أن تتسبب فى أضرار أو تُفقد بالتبخر». وأضاف أن تخزين هذه الفوائض فى الخزان النوبى يمكن أن يحمى الأراضى الزراعية على ضفاف النهر من الغرق، وفى الوقت نفسه يوفر مصدرا دائما للمياه يُستخدم خلال فترات الجفاف. واعتمدت الدراسة على نماذج مناخية حديثة توقعت أن تتناوب على منطقة منابع النيل فترات مطيرة شديدة يعقبها جفاف قاس، وهى سمة بارزة لتغير المناخ فى شرق إفريقيا. ويؤكد د. عبد المحسن أن استغلال الفيضانات الحالية والمستقبلية فى إعادة شحن الخزان النوبى يمكن أن يحول هذه الظواهر الطبيعية من خطر إلى فرصة تنموية مستدامة. فوائد محلية وإقليمية ويرجح الباحث أن تكون الاستفادة الأكبر داخل مصر، لا سيما فى خزان الداخلة، الجزء المصرى من الخزان النوبي، إذ تفصل مرتفعات جيولوجية بينه وبين الأجزاء الواقعة فى ليبيا وتشاد والسودان تحد من انتقال المياه. كما يشير إلى إمكانية حفر آبار جديدة منخفضة التكلفة فى مناطق توشكى والواحات الغربية بعد إعادة شحن الخزان، ما يعزز خطط التوسع الزراعى ويقلل الضغط على مياه النيل فى فترات الشح المائي. ويختتم د.عبد المحسن بقوله: «ما نراه اليوم من فيضانات على ضفاف النيل يجب أن يكون دافعا لتطبيق حلول دائمة، تضمن أن كل قطرة من مياه الفيضانات تُستثمر لصالح التنمية، لا أن تفقد أو تتسبب فى أضرار».