حصلت «الوطن» على توصيات الدكتور علاء النهرى، أستاذ تطبيقات «الاستشعار عن بعد» بهيئة الاستشعار ونائب رئيس المركز الإقليمى لغرب آسيا لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة، بشأن اختيار أماكن تنفيذ مشروع «استصلاح المليون ونصف المليون فدان» وهى التوصيات الصادرة تحت عنوان «حتى لا تتكرر مأساة توشكى». قال «النهرى»، فى التوصيات: «إن استصلاح الأراضى يتطلب أولاً البحث عن المياه ثم اختيار التربة، وبعض المناطق التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى لاستصلاح الأراضى مثالية للمشروع، ولكن البعض الآخر يحتاج لإعادة نظر». وأوضح «النهرى» أن اختيار الأراضى يجب ألا يكرر السيناريو الذى حدث فى توشكى عندما أبلغ البعض الرئيس الأسبق حسنى مبارك بأن منطقة توشكى بها أراض ذات صلاحية من الدرجة الأولى والثانية، وجزء قليل منها ذات صلاحية من الدرجة الثالثة، إلا أن هيئة الاستشعار عن بعد أجرت دراسات تربة للأراضى فرعى 3 و4 للقطاعات الأرضية بالمشروع، وكشفت النتائج آنذاك عن أن هذه الأراضى من النوع منخفض الصلاحية للاستخدام الزراعى، وأنها من الدرجة الرابعة والخامسة والسادسة والتى لا تصلح إلا لزراعة بعض النباتات سطحية الجذور والمراعى، وكان مصير التقرير أن وضع فى الأدراج إلى أن تيقن الجميع حالياً من صدق بياناته، فأين أراضى الدرجة الأولى والثانية فى توشكى؟ وما الجدوى الاقتصادية منها الآن؟ الإجابة ستكون «مؤلمة»، حسب تعبيره. وأوصى «النهرى» باختيار منطقة شرق العوينات لاستزراع «المليون ونصف المليون فدان»، باعتبارها «بداية ناجحة لعمل قومى، خاصة بعد أن أثبتت الدراسات وجود خزان ضخم للمياه الجوفية فى هذه المنطقة، ومساحات شاسعة صالحة للزراعة ستسهم فى خلق مجتمعات عمرانية جديدة خارج الوادى القديم وتلبى احتياجات الشعب من السلع والخدمات». وأضاف أستاذ «الاستشعار عن بعد» أن البعض يزعم أنه يجب الحفاظ على المياه لأنها غير متجددة، وعلى فرض صحة مزاعمهم هذه فيجب أن ننتبه إلى أن النهر الصناعى العظيم فى ليبيا يقوم بسحب كميات ضخمة من الخزان الجوفى النوبى الذى لم يثبت حتى الآن أنه منفصل عن النهر، فقد أظهرت القياسات التى تجريها هيئة الاستشعار سنوياً أن الخزان الجوفى النوبى فى كل من مصر وليبيا والسودان وتشاد هو خزان ضخم ومتصل، بدليل هبوط منسوب المياه فى الآبار بمعدل حوالى متر سنوياً وفقاً لهذه القياسات. وأشار «النهرى» إلى أن التبرير بأننا يجب أن نحافظ على المياه بزراعة كميات محدودة من الأراضى لا تزيد على 250 ألف فدان أمر مرفوض، نظراً لانخفاض تكلفة تحلية مياه البحر كبديل للمياه الجوفية والتى ستصل فى المستقبل إلى تكلفة بسيطة جداً نتيجة التطور الرهيب فى مصادر الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقه الرياح والطاقة النووية التى ستصبح مستقبلاً فى متناول الدول بأسعار معقولة. وحذر الخبير الدولى من أن الإسراف الحالى فى استخدام المياه فى رى المحاصيل بمنطقة شرق العوينات يدعو المسئولين إلى وضع سياسة لتقنين استخدام المياه لزراعة أراض جديدة، فقد لاحظت دراسة بحثية حديثة الإسراف الشديد فى رى المحاصيل الحقلية فى المنطقة بما يشبه الرى بالغمر بدلاً من «التنقيط»، لافتاً إلى أن «الاستشعار عن بعد» أسهم فى التعرف على شواهد وجود المياه من خلال دراسة الصور الرادارية التى أثبتت وجود مجارٍ مائية قديمة كروافد وفروع صغيرة لمجرى النيل، ما يعد دليلاً دامغاً على توافر المياه بتلك المنطقة بالإضافة إلى الخزان الجوفى النوبى الذى يرجع منشأه إلى العصور المطيرة. وفيما يتعلق بالمساحة المزروعة بمنطقة «شرق العوينات»، قال «النهرى» إنها تبلغ أكثر من مليونى فدان، جزء منها مقسم إلى عدد من القطع بمساحات نحو 25 ألف فدان للقطعة الواحدة، ورأى المسئولون عن الزراعة والرى استصلاح وزراعة ما لا يزيد على 250 ألف فدان كأقصى مساحة وذلك لاعتبارات تتعلق باقتصاديات استغلال الخزان الجوفى فى المنطقة. أما فيما يتعلق بالدراسات التى أجرتها الهيئة بالمنطقة وشملت دراسات الموارد المائية، فقد أثبتت هذه الدراسات، وفق «النهرى»، وجود خزان جوفى ضخم يمكن استغلاله فى حدود الأمان لمدة 100 عام وتتراوح نسبة الملوحة ما بين 200 و600 جزء/مليون، ولذلك فهى ما بين عالية الصلاحية جداً (200 جزء/مليون أقل ملوحة من ماء النيل الذى تقدر ملوحته ب350 جزءاً/مليون) والصالحة للرى (600 جزء/مليون)، فضلاً عن دراسات الموارد الأرضية التى أجريت على مساحة 3 ملايين فدان وأظهرت صلاحية مساحة تزيد على 1.7 مليون فدان لمعظم المحاصيل وهى تعد من أجود الأراضى الصالحة للزراعة. وعن نوعية التربة فى المنطقة نفسها، قال «النهرى» إن أغلبها تقع ضمن الأراضى الرملية والرملية الطميية وهى تعتبر من أفضل الأراضى الصالحة للزراعة كما تتميز باحتفاظها بمخزون جيد من البوتاسيوم لغناها ب«الفلسبارات» ما يزيد من جودة الثمار المنتجة فيها. ولفت «النهرى» إلى أنه يمكن تطبيق نظام الرى المتطور فى هذه المنطقة بأنواعه المختلفة (رى بالرش وبالتنقيط) عن طريق حفر نحو 650 بئراً منشأه وتحت الإنشاء بمتوسط تصريف من 200 إلى 350 متراً مكعباً يومياً، ويكون مصدر المياه هو خزان الحجر الرملى النوبى الذى يمتد فى أراضى مصر وليبيا والسودان وتشاد والذى يحصل النهر الصناعى العظيم فى ليبيا على مياهه منه، كما سبقت الإشارة. ومن أهم المحاصيل التى يمكن أن تجود بزراعتها المنطقة، حسب «النهرى»، المحاصيل الحقلية مثل الأعلاف (برسيم حجازى، لوبيا علف، سرجم، حشيشة السودان)، ومحاصيل الحبوب (قمح وشعير وذرة رفيعة)، ومحاصيل البقول (عدس وفول بلدى وفول صويا ولوبيا وفاصوليا)، ومحاصيل زيتية (فول سودانى وسمسم)، ومحاصيل الخضر بكل أنواعها، والنباتات الطبية (كركديه، كمون، ينسون، عرقسوس، البردقوش). كما يمكن أن تثمر المنطقة المحاصيل البستانية مثل البلح بأنواعه والتين والرمان والزيتون والجوافة والمانجو والموالح. كما أن المنطقة تعد من المناطق الخالية من التلوث البيئى ما يجعلها مثالية فى تربية الماشية وتحسين السلالات لبعدها عن باقى المحافظات ما سينعكس أثره على خلو المحافظة من الأمراض الوبائية التى تصيب الماشية والدواجن فى باقى المحافظات. وأظهرت دراسات الاستشعار عن بعد، فى المقابل، تراجع المساحات المزروعة حول المدن وزيادة مساحة المناطق المبنية، ما يمهد الطريق أمام التصحر، بجانب النمو العشوائى للمساكن الذى يساعد على التلوث والإخلال بالنظام البيئى، فى ظل انخفاض نصيب الفرد من الأراضى الزراعية المنتجة فى مصر، والقضاء على الغطاء النباتى المحيط بالمدن والذى يلحق الأذى بالبيئة المحيطة بها. وطالب أستاذ «الاستشعار» ب«وضع سياسات تتعلق بإدارة واستخدام الأراضى داخل المدن وما حولها تأخذ بعين الاعتبار امتداد ونمو التجمعات السكنية ووضع قوانين تنظم حدود المدن، وإنشاء مؤسسات متخصصة بالتنظيم العمرانى داخل المدينة تتولى الضبط والسيطرة على التنظيم وامتداد العمران وتغليظ العقوبات، والحد من الامتداد الأفقى للعمران على حساب الأراضى الزراعية عن طريق التوسع بالامتداد العمودى للمبانى السكنية، والتخطيط الجيد لمواقع المنشآت الصناعية بحيث لا تقام على حساب الأراضى الصالحة للزراعة، وتوجيه التوسع الحضرى المستقبلى إلى مناطق غير منتجة، وكذلك تحسين مراقبة ومكافحة التلوث».